Go to full page →

الفصل السابع عشر— دعوة أليشع AM 176

كان الله قد أمر إيليا بأن يمسح شخصاً آخر ليكون نبيا عوضاً عنه فقال له: ”وامسح أليشع بن شافاط .. نبياً عوضاً عنك“ (1 ملوك 19 : 16). فإطاعة لهذا الأمر ذهب إيليا يبحث عن أليشع. وفيما كان يسافر شمالاً لاحظ أن المشهد قد تبدّل كثيراً عمّا كان عليه منذ عهد قريب. كانت الأرض ملفوحة قاحلة والأقاليم الزراعية عاطلة عن العمل ولا حياة فيها لعدم هطول طل أو مطر مدى ثلاث سنين ونصف. أما الآن فقد اكتست بالخضرة اليانعة في كل مكان وطلع النبات كأنما للتعويض عن زمن الجفاف والجوع. AM 176.1

كان أبو أليشع مزارعاً ثرياً، وكان هو وأهل بيته ضمن الجماعة التي لم يحنوا ركبة للبعل في أيام الارتداد الذي كاد يكون شاملاً. وقد أكرم الله في هذه العائلة حيث كان الولاء القديم لله هو قانون حياتهم اليومية. في مثل هذه البيئة قضى أليشع سني حداثته. ففي هدوء الحياة الريفية، وتحت تعليم الله والطبيعة وتهذيب العمل النافع تلقى تدريباً على عادات البساطة والطاعة لأبويه ولله مما أعان على تأهيله للمركز السامي الذي كان مزعماً أن يشغله فيما بعد. AM 176.2

جاءت الدعوة النبوية إلى أليشع عندما كان يحرث الحقل مع أُجراء أبيه. لقد شرع في العمل الأقرب إليه. وقد اتّصف بوداعة إنسان كان مستعداً للخدمة فضلاً عن مؤهلات القيادة بين الناس. وإذ كانت روحه وديعة هادئة كان مع ذلك نشطاً ثابتاً. كما اتّصف بروح الاستقامة والولاء وحبّه لله وتقواه. وفيما كان يقوم بمهام خدمته اليومية المتواضعة ويزداد باستمرار في النعمة والمعرفة اكتسب قوة العزيمة ونبل الأخلاق. وفيما كان يعين أباه في القيام بواجبات الحياة البيتية، تعلّم التعاون مع الله. AM 176.3

كان أليشع بأمانته في الأمور الصغيرة يعدّ نفسه لمسؤوليات أخطر وودائع أغلى. وقد اكتسب يوماً فيوماً عن طريق الاختبار العملي، أهلية لعمل أسمى وأكثر اتساعاً. وتعلّم أن يخدم ويرشد ويقود في جملة ما تعلّم. وهذا درس نافع للجميع. ليس من يعرف قصد الله من التدريب، ولكن يمكن أن يتحقق الجميع من أن الأمانة في الأمور الصغيرة هي البرهان على أهلية الإنسان لمسؤوليات أعظم. كل عمل من أعمال الحياة يكشف عن الخلق، وليس غير ذاك الذي يبرهن بقيامه بالواجبات الصغيرة أنه ”عاملاً لا يخزى“ (2 تيموثاوس 2 : 15) يمكن أن يكرمه الله بخدمة أسمى. AM 177.1

وذاك الذي يظن أنه ليس بالأمر الهام كيفية ممارسة الأعمال الصغيرة، يبرهن على عدم أهليته لمركز أجلّ من مركزه. قد يظن نفسه قادراً على الإضطلاع بواجبات أعظم ولكن الله ينظر نظرة أعمق من مجرد النظرة السطحية. فبعد الاختبار والتجربة يسجل عليه هذا الحكم: ”وزنت بالموازين فوجدت ناقص“ (دانيال 5 : 27). إن عدم أمانته لها رد فعل عليه. وهو سيشعر بالخيبة والإحباط عن اكتساب النعمة والمقدرة وقوة الخلق التي يمكن الحصول عليها عن طريق التسليم دون تحفظ. AM 177.2

يظن كثير من الناس بل يشعرون أن حياتهم عديمة النفع وأنهم لا يعملون شيئاً لتقدم ملكوت الله وذلك لعدم ارتباطهم بعمل ديني مباشر. وكم سيسرون لو أمكنهم القيام بعمل عظيم. ولكن لكونهم لا يستطيعون القيام إلا بالمهام الصغيرة فهم يظنّون أنه يجوز لهم ألا يفعلوا شيئاً. ولكنّهم مخطئون في هذا. قد يوجد إنسان نشط في خدمة الله ويقوم في ذات الوقت بواجباته اليومية العادية مثل قطع الأشجار أو تسوية الأرض وتنقيتها وحراستها. إن الأم التي تربّي أولادها لأجل المسيح تخدم الله كخادم في منبره تماماً. AM 177.3

كثيرون يتوقون للحصول على موهبة خاصة يعملون بها عملاً عجيباً، بينما الأعمال التي في متناول أيديهم التي يجعل إتمامها الحياة عبقة عطرة، تغيب عن أنظارهم. ليتناول أمثال هؤلاء الواجبات الموضوعة في طريقهم مباشرة. فالنجاح لا يتوقّف بالأكثر على المواهب أو الوزنات كما على النشاط والرغبة الصادقة في العمل. ليست هي المواهب العظيمة التي تمكنّنا من القيام بخدمة مقبولة، بل القيام بواجباتنا اليومية بضمير صالح، وبروح قانعة وباهتمام حقيقي خالص لخير الآخرين. قد يوجد التفوّق الحقيقي في أبسط الواجبات، والأعمال العادية جداً تكون جميلة في عيني الله إذا عملناها بمحبة وأمانة. AM 178.1

وإذ عبر إيليا الحقل الذي كان يحرثه أليشع مسترشداً برأي الله بحثاً عن خليفة له، ألقى رداء التكريس على كتف الشاب. لقد ألفت عائلة شافاط عمل إيليا ورسالته في أثناء سنّي الجوع، والآن روح الله يؤثر على قلب أليشع فيما يختص بمعنى عمل النبي في طرح الرداء عليه. فكان تصرّف النبي بالنسية إليه علامة على أن الله قد دعاه ليكون خليفة له. AM 178.2

”فترك البقر وركض وراء إيليا وقال له دعني أقبّل أبي وأمي وأسير وراءك“. فأجابه إيليا بقوله: ”اذهب راجعاً لأني ماذا فعلت لك“ (1 ملوك 19 : 20). لم يكن هذا صداً ولا رفضاً بل امتحاناً لإيمانه. ينبغي لأليشع أن يحسب النفقة — فيقرر لنفسه ما إذا كان يقبل الدعوة أو يرفضها. فإذا كانت رغائبه متعلقة ببيته وما فيه من مزايا فإن له كامل الحرية للبقاء هناك. ولكن أليشع أدرك معنى الدعوة. فقد علم أنها موجهة إليه من الله لذلك لم يتردد في الطاعة. فهو لا يريد التنازل عن الفرصة المقدمة له ليصير رسولاً لله أو أن يضحي بامتياز مصاحبة خادمه، في سبيل الميزات الدنيوية. وقد ”أخذ فدان بقر وذبحهما وسلق اللحم بأدوات البقر وأعطى الشعب فأكلوا ثم قام ومضى وراء إيليا وكان يخدمه“ (1 ملوك 19 : 21). لقد ترك بيته، دون تردد، الذي كان فيه محبوباً، ليتبع النبي في حياته غير المستقرة. AM 178.3

لو سأل أليشع إيليا عما هو منتظر منه وماذا سيكون عمله، لأجابه بقوله: ”الله يعلم وهو سيعرفك به“. فإذا انتظرت الرب فهو سيجيب كل أسئلتك. يمكنك أن تأتي معي إذا كان لديك البرهان أن الله قد دعاك. فاعرف لنفسك أن الله يظاهرني ويناصرني، وأن صوته هو الذي تسمعه. فإذا كنت تحسب كل شيء نفاية لكي تربح رضى الله، فتعالى معي. AM 179.1

كان جواب المسيح على سؤال الرئيس الشاب الذي سأله: ”أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟“ شبيهاً بالدعوة التي قدمت إلى أليشع. فأجابه المسيح: ”إن أردت أن تكون كاملاً فإذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني“ (متى 19 : 16، 21، 22). AM 179.2

قبل أليشع دعوة الخدمة ولم يلتفت إلى الوراء ليلقي نظرة على المسرات والراحة التي كان سيهجرها. بعدما سمع الشاب الغني كلام المخلص: ”مضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة“. لم يكن راغباً في الإقدام على التضحية فمحبته لأمواله فاقت محبته لله. فإذ رفض ترك كل شيء لأجل المسيح، برهن على عدم استحقاقه لأن يأخذ مكاناً في خدمة السيد. AM 179.3

تجيء الدعوة لوضع كل شيء على مذبح الخدمة لكل واحد. إنه لا يطلب منا جميعاً أن نخدم كما خدم أليشع، ولا أن نبيع كل ما نملك، ولكن الله يطلب منا أن نعطي خدمته المركز الأول في حياتنا، وألا ندع يوماً يمر دون أن نعمل شيئاً يؤول إلى تقدم عمله في الأرض. وهو لا ينتظر من الجميع أن يقوموا بالخدمة ذاتها. فقد يدعى أحد للخدمة في بلد أجنبي، وقد يطلب من آخر أن يقدم من أمواله لأجل إعانة الإنجيل. والله يقبل عطية كليهما. إن الأمر اللازم هو تكريس الحياة وكل مصالحها. فالذين يقومون بهذا التكريس سيسمعون دعوة السماء ويطيعونها. AM 180.1

الرب يعين لكل من يصير شريكاً في نعمته عملاً يقوم به لأجل الآخرين. وعلى كل فرد منا أن يقف في قرعته قائلاً: ”هأنذا أرسلني“. ”وسواء كان الإنسان خادماً للكلمة أو طبيباً سواء كان تاجراً أو مزارعاً، محترفاً مهنة فنية أو ميكانيكية، فالمسؤولية تستقر عليه. فعمله هو أن يعلن للآخرين إنجيل خلاصهم. وكل مشروع يشتغل فيه ينبغي أن يكون وسيلة لهذه الغاية. AM 180.2

لم يكن العمل الذي أسند إلى أليشع بادئ ذي بدء عظيماً، فإن واجبات مألوفة هي التي حددت تدريبه. وقد قيل عنه أنه كان يصب الماء على يدي إيليا سيده ومعلمه. وكان راضياً بعمل أي شيء أمره به الرب، وفي كل خطوة تعلم دروس الوداعة والخدمة. وظل كتابع شخصي للنبي يبرهن على أمانته في الأشياء الصغيرة، في حين أنه بعزمه القوي كرس نفسه كل يوم للرسالة التي قد عينها له الله. AM 180.3

لم تكن حياة أليشع بعد انضمامه إلى إيليا خالية من التجارب. فقد انهالت عليه المحن من كل جانب ولكنه اعتمد على الله في كل الطوارئ. وجرب لكي يفكر في البيت الذي تركه ولكنه لم يفلتفت إلى هذه التجربة. فبعدما وضع يده على المحراث عزم على ألا يلتفت إلى الوراء. لقد برهن في كل المحن والتجارب على إخلاصه نحو الأمانة الموكلة إليه. AM 181.1

تشمل الخدمة أموراً أكثر من مجرد الكرازة بالكلمة. فهي تعني تدريب الشباب كما درب إيليا أليشع، بأخذهم من وسط واجباتهم العادية وإسناد مسؤوليات إليهم ليقوموا بها في عمل الله. مسؤوليات صغيرة في بادئ الأمر، وعندما يحصلون على القوة والخبرة يكلفون بمسؤوليات أعظم. يوجد في الخدمة رجال ذوو إيمان وصلاة يمكنهم أن يقولوا: ”الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة .. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به“ (1 يوحنا 1 : 1 — 3). فعلى الخدام من الشباب غير المحنكين أن يتدربوا على الخدمة العملية مع خدام الله المختبرين. وبذلك يتدربون على حمل الأعباء. AM 181.2

والذين يقومون بتعليم الخدام من الشباب يقومون بخدمة نبيلة. الرب نفسه يتعاون معهم في جهودهم. أما الشباب الذين سمعوا كلمة التكريس ويتمتعون بامتياز الشركة الوثيقة مع الخدام الغيورين الأتقياء فعليهم أن يستفيدوا من هذه الفرصة أعظم إفادة. لقد أكرمهم الله بأن اختارهم لخدمته ووضعهم في مكان فيه يكتسبون أهلية أعظم للخدمة. لذلك ينبغي لهم أن يكونوا متواضعين، أمناء مطيعين وراغبين في التضحية. فإذا هم خضعوا لتدريب الله ونفذوا تعليماته واختاروا خدامه مشيرين لهم فسيشبون ليصيروا رجالاً أبراراً ثابتين وراسخين وذوي مبادئ سامية يمكن لله أن يعتمد عليهم ويسند مسؤوليات في عمله. AM 181.3

فإذ ينادي بالإنجيل في نقاوته، فالناس يدعون من وراء المحراث ومن الأشغال التجارية العادية والمهن التي يزاولونها التي تشغل العقل، ويتدربون على أيدي رجال مختبرين. فإذ يتعلمون أن يخدموا خدمة فعالة فسيذيعون الحق بقوة. وعن طريق أعمال العناية الإلهية العجيبة جداً ستنتقل جبال الصعوبات وتطرح في أعماق البحر. والرسالة المهمة جداً لسكان الأرض ستسمع وتفهم. وسيعرف الناس ما هو الحق. وسيسير العمل قدماً إلى الأمام حتى يصل الإنذار إلى كل سكان الأرض، ثم يأتي المنتهى. AM 182.1

بعد دعوة أليشع بعدة سنوات ظل إيليا وأليشع يعملان معاً، وكان ذلك الشاب يتلقى كل يوم تدريباً أعظم لعمله. فكان إيليا الوسيلة التي استخدمها الله لتقويض وهدم شرور هائلة. فالوثنية التي أضلت الأمة، والتي كان يساندها آخاب وإيزابل الشريرة، وقد تأثر كل شعب إسرائيل تأثراً عميقاً وبدأ كثيرون يعودون إلى عبادة الله. وقد أعدته معاشرته لإيليا الذي كان أعظم نبي منذ أيام موسى، للعمل الذي كان مزعماً أن يضطلع بأعبائه وحده. AM 182.2

وفي أثناء سنّي الخدمة المتحدة كان إيليا يدعى بين وقت وآخر لمواجهة الشرور الفاضحة بالتوبيخ الصارم. فعندما استولى آخاب الشرير على كرم نابوت كان صوت إيليا هو الذي تنبأ بوقوع الدينونة والهلاك عليه وعلى كل بيته. وعندما ارتد أخزيا عن عبادة الله إلى بعل زبوب إله عقرون بعد موت آخاب أبيه كان صوت إيليا هو الذي سمع مرة أخرى محتجاً بغيرة عظيمة. AM 182.3

ومدارس الأنبياء التي كان قد أنشأها صموئيل أصابها الانحطاط والانحلال في غضون سنّي الارتداد. وقد أعاد إيليا تجديد هذه المدارس إذ أعد ما يكفل للشباب لينالوا تعليماً وتهذيباً يقودانهم إلى تعظيم الشريعة وإكرامها. والكتاب يذكر ثلاثاً من هذه المدارس، فواحدة كانت في الجلجال وواحدة في بيت إيل والثالثة في أريحا. فقبيل صعود إيليا إلى السماء ذهب مع إليشع لتفقد مراكز التعليم هذه. وقد كرر للتلاميذ فيها الدروس التي لقنها لهم من قبل في زيارته السالفة. وعلى الخصوص علمهم ما يختص بامتيازهم العظيم امتياز الإخلاص والاحتفاظ بولائهم لإله السماء. كما أنه طبع على عقولهم أهمية جعل البساطة تميز كل مراحل تعليمهم. فبهذه الوسيلة وحدها يمكنهم أن يصاغوا في قالب السماء ويخرجوا لعملهم في طرق الرب. وقد ابتهج إيليا عندما رأى ما تم إنجازه بواسطة هذه المدارس. لم يكن عمل الإصلاح قد كمل لكنه استطاع أن يرى في كل المملكة صدق قول الرب حين قال: ”وقد ابقيت في إسرائيل سبعة آلاف كل الركب التي لم تجث للبعل“ (1 ملوك 19 : 18). AM 183.1

وإذ كان أليشع يرافق النبي في مهمة خدمته من مدرسة إلى أخرى امتحن إيمانه وعزمه مرة أخرى. ففي الجلجال كما في بيت إيل وأريحا طلب النبي منه أن يرجع إذ قال له ”امكث هنا لأن الرب قد أرسلن إلى بيت إيل“ ولكن أليشع عند بدء عهده بالحراثة تعلم ألا يفشل أو ييأس أو يخاف. فالآن وقد وضع يده على المحراث في ناحية أخرى من الواجب فهو لا يريد أن يتحول عن غرضه. أنه لا يريد الانفصال عن معلمه طالما بقيت لديه فرصة للحصول على أهلية أكثر للخدمة. فالأعلان عن صعود إيليا وإن كان إيليا نفسه يجهله، قد أعلم به تلاميذه في مدارس الأنبياء وعلى الخصوص أليشع. والآن فها هو خادم رجل الله المجرب يظل ملازماً له. ففي كل مرة قدمت إليه الدعوة للرجوع كان جوابه هكذا: ”حي هو الرب وحية هي نفسك إني لا أتركك“. ”وانطلقا كلاهما .. ووقف كلاهما بجانب الأردن. وأخذ إيليا رداءه ولفه وضرب الماء فانفلق إلى هنا وهناك فعبرا كلاهما في اليبس. ولما عبرا قال إيليا لأليشع اطلب ماذا أفعل لك قبل أن أوخذ منك“. AM 183.2

فلم يطلب إليشع كرامة أرضية أو مركزاً سامياً بين عظماء الأرض. ولكن الذي اشتهاه هو نصيب كبير من الروح الذي منحه الله بكل غنى وسخاء لإيليا الذي كان مزعماً أن ينال كرامة عظيمة بإصعاده إلى السماء. فكان يعلم أنه لا شيء سوى الروح الذي استقر على إيليا يمكن أن يؤهله ليملأ المكان الذي دعاه الله إليه بين شعبه. ولهذا سأل قائلاً: ”ليكن نصيب اثنين من روحك علي“. AM 184.1

وجواباً على هذا الطلب قال إيليا: ”صعبت السؤال. فان رأيتني أوخذ منك يكون لك كذلك وإلا فلا يكون. وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار وخيل من نار ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء“. (2 ملوك 2 : 1 — 11). AM 184.2

كان إيليا رمزاً للقديسين الذين سيكونون أحياء على الأرض في وقت مجيء المسيح ثانية الذين سيتغيرون: ”في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير“ دون أن يذوقوا الموت. وتأكيداً لهذه الحقيقة سمح لإيليا، قرب انتهاء خدمة المسيح على الأرض، أن يقف مع موسى إلى جوار المخلص فوق جبل التجلي. وقد رأى التلاميذ في الأشخاص الممجدين أمامهم، رمزاُ لملكوت المفديين. رأوا يسوع متسربلاً بنور السماء، وسمعوا ”الصوت من السحابة“ معترفاً به كابن الله، رأوا موسى ممثلاً الذين سيقامون من الأموات في وقت المجيء الثاني، كما وقف هناك أيضاً إيليا ممثلاً عند انتهاء تاريخ الأرض سيتغيرون من حال الفناء إلى حال الخلود ويخطفون إلى السماء دون أن يروا الموت. (1 كورنثوس 15 : 51، 52، لوقا 9 : 35). AM 184.3

إذ كان إيليا في البرية في وحشته وخوفه قال إنه يكفيه ما عاشه من الحياة وصلة طالباً الموت لنفسه. ولكن الرب في رحمته لم يأخذه حسب كلامه. كان باقياً لإيليا عمل عظيم ليعمله، وعندما أنجز ذلك العمل لم يكن له أن يهلك في يأسه ووحدته. لم يكن له أن ينزل إلى القبر بل أن يصعد مع ملائكة الله إلى محضر مجده. AM 185.1

”وكان أليشع يرى وهو يصرخ يا أبي يا أبي مركبة إسرائيل وفرسانها. ولم يره بعد فأمسك ثيابه ومزقها قطعتين. ورفع رداء إيليا الذي سقط عنه ورجع ووقف على شاطئ الأردن. فأخذ رداء إيليا الذي سقط عنه وضرب الماء وقال أين هو الرب يا إيليا؟ ثم ضرب الماء أيضا فانفلق إلى هنا وهناك فعبر أليشع. ولما رآوه بنو الأنبياء الذين في أريحا قبالته قالوا قد استقرت روح إيليا على أليشع. فجاءوا للقائه وسجدوا له إلى الأرض“ (2 ملوك 2 : 12 — 15). عندما يرى الرب في عنايته أنه من المناسب أن ينقل من عمله الذي أعطيت لهم الحكمة فهو يعين خلفاءهم ويشددهم إذا التفتوا إليه في طلب العون وسلكوا في طرقه. بل قد يكونون أحكم من أسلافهم إذ قد ينتفعون باختباراتهم ويتعلمون الحكمة من أخطائهم. AM 185.2

ومن ذلك الوقت وقف أليشع في مكان إيليا. فذاك الذي كان أميناً في القليل كان عليه أن يبرهن على أمانته في الكثير أيضاً. AM 185.3