إنّ القدرة على الكلام هي موهبة ينبغي الاجتهاد في إصلاحها وتهذيبها. ومن بين كل الهبات التي تسلمناها من الله لا توجد هبة أخرى يمكنها أن تكون بركة أعظم من هذه. فبهذا الصوت نقنع الناس ونستميلهم، وبه نقدم الصلاة والتسبيح إلى الله. وبه نخبر الآخرين عن محبة المُخَلِّص. إذا فكم هو أمر مهمّ جدّا أن ندربه ليكون أكثر فاعلية للخير. COLAr 305.2
إنّ تهذيب الصوت واستخدامه استخداما صائباً مهملان إلى حدّ كبير حتى من ذوي الذكاء والنشاط المسيحي. يوجد كثيرون ممن يقرأون أو يتكلمون بصوت منخفض أو بسرعة بحيث لا يمكن فهم الكلام بسهولة. والبعض نطقهم غليظ وغير واضح، وغيرهم يتكلمون بنغمة عالية وصوت حاد « مصرصع » بحيث يتألم منه السامعون. والآيات والترانيم والتقارير وغيرها من الأوراق التي تقدم أمام مجتمعات عامة تقرأ أحياناً بطريقة تجعلها غير مفهومة وفي الغالب ما تضيع قوّتها على التأثير. COLAr 305.3
هذا شرّ يمكن ويجب إصلاحه. والكتاب يقدم لنا تعليمات بهذا الشأن. قد قيل عن اللاويين الذين قرأوا من الكتاب للشعب في أيام عزرا: « قَرَأُوا فِي السِّفْرِ، فِي شَرِيعَةِ اللهِ، بِبَيَانٍ، وَفَسَّرُوا الْمَعْنَى، وَأَفْهَمُوهُمُ الْقِرَاءَةَ » (نَحَمْيَا ٨: ٨). COLAr 305.4
فبواسطة الاجتهاد والمثابرة يمكن للجميع أن يحصلوا على قوة على القراءة بوضوح ويتكلموا بنغمة كاملة جلية ممتلئة وبكيفية واضحة ومؤثرة. فإذ نفعل هذا قد نزيد من مقدرتنا كخدام للمسيح إلى حد كبير. COLAr 305.5
إنّ كل مسيحي مدعوّ لأن يعرّف الآخرين بغنى المسيح الذي لا يُستقصي. فلهذا عليه أن يجتهد في أن يكون كاملا في الخطابة. وعليه أن يقدم كلمة الله بطريقة تمتدحها لدى السامعين. فالله لا يقصد أن تكون أقنيته البشرية فظّة أو خشنة. وليس من إرادته أن يحقر الإنسان أو يحط من شأن المجرى السماوي الذي يجري عن طريقه إلى العالم. COLAr 306.1
ينبغي لنا أن ننظر إلى يسوع مثالنا الكامل. ولنصلِّ في طلب معونة الرُّوح الْقُدُس، وبقوته علينا أن نحاول تدريب كل عضو ليعمل عملا كاملا. COLAr 306.2
وهذا ينطبق خصوصاً على من يُدعون لخدمة جهارية عامة. فعلى كل خادم وكل معّلم أن يذكر انّه إنّما يقدم للشعب رسالة تتضمن مصالح أبدية. والحق الذي يقال سيدينهم في اليوم الأخير يوم الحساب العظيم. وبالنسبة إلى البعض نجد أنّ طريقة إلقاء الرسالة تقرّر قبولها أو رفضها. إذا لينطق بالكلمة بحيث تروق للفهم وتؤثر في القلب. يجب النطق بها على مهل وبوضوح ووقار، ومع ذلك بكل الغيرة التي تتطلّبها أهميتها. COLAr 306.3
إنّ التهذيب الصحيح والاستخدام الصائب لقوة الخطابة لها أهمية في كل فروع الخدمة المسيحية. لها دخل في الحياة البيتية وفي كل اتصالاتنا مع بعضنا البعض. فيجب أن نعوّد أنفسنا التحدث بنغمات مسرة ونستعمل لغة طاهرة وصحيحة وأقوالا مُشفقةً ولطيفة. فالأقوال الحلوة والمشفقة هي كالندى والسيول اللطيفة للنفس. والكتاب يقول عن المسيح إنّ النعمة قد انسكبت على شفتيه. « لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ الْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ » (مزمور ٤٥: ٢؛ إِشَعْيَاء ٥٠: ٤). والرب يأمرنا قائلاً: « لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ كُلَّ حِينٍ بِنِعْمَةٍ » (كُولُوسِّي ٤: ٦) « كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ » (أَفَسُس ٤: ٢٩). COLAr 306.4
وعندما نحاول تصحيح أخطاء الآخرين أو إصلاحهم علينا أن نكون حذرين وحريصين في كلامنا. فقد يكون كلامنا رائحة حياة لحياة أو رائحة موت لموت. إنّ كثيرين حين يوبّخون إنسانا أو ينصحون يتكلمون كلاما حادا صارما وكلمات لا تتلاءم مع النفس الجريحة. إذ بسبب هذه العبارة غير السديدة نغضب الروح وغالبا ما يجنح المخطئون إلى العصيان والتمرّد. إنّ كل من يريدون أن يدافعوا عن مبادئ الحق يحتاجون إلى أن يُمسحوا بزيت المحبة السماوية. وفى كل الظروف يجب أن يكون التوبيخ بمحبة. وحينئذ يُصلِحْ كلامنا الناس دون أن يسخطهم. فالمسيح بروحه القدوس سيعطي القوة والسلطان. هذا هو عمله. COLAr 307.1
ينبغي ألاّ تُقال كلمة بتهوّر، وينبغي لمن يتبع المسيح ألاّ تفلت من شفتيه أيّ كلمة شرّيرة ولا حديث استهتار ولا كلمة تبرّم نكد أو اقتراح نجس. إنّ بولس الرسول يكتب بالرُّوح الْقُدُس فيقول: « لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ » (أَفَسُس ٤: ٢٩). إنّ الكلمة الردية لا تعني فقط الكلام الدنيء. ولكنّها تعني أيضا أيّ تعبير يتنافى مع المبادئ المقدسة والديانة الطاهرة النقية. وهي تشمل أيضا التلميحات النجسة والإيعازات الخفية للشرّ. فهذه إذا لم نقاومها في الحال تقود إلى خطية عظيمة. COLAr 307.2
فعلى كل عائلة وفرد مسيحي يوضع واجب سد الطريق على الكلام الفاسد. فعندما نكون في رفقة من يكثرون من كلام الغباء علينا أن نغيّر موضوع الحديث إذا أمكن. فعلينا بنعمة الله أن ننطق بكلام أو ندخل موضوعاً يحوّل الحديث في مجرى نافع. COLAr 307.3
إنّ عمل الوالدين هو أن يربّوا أولادهم على العادات السليمة في الكلام. وأفضل مدرسة لهذه التربية هي الحياة البيتية. فمن بدء سني حياة الأولاد يجب تعليمهم أن يتكلموا مع والديهم ومع بعضهم البعض باحترام ومحبة. ويجب أن يتعلموا ألاّ يخرج من أفواههم إلاّ كلام اللطف والصدق والطهارة. وليتعلم الوالدون أنفسهم كل يوم في مدرسة المسيح. وحينئذ يمكنهم بواسطة الوصية والمثال أن يعلّموا أولادهم كيف يقولون: « كَلاَمًا صَحِيحًا غَيْرَ مَلُومٍ » (تِيطُس ٢: ٨). هذا هو أحد واجباتهم الأعظم والأكثر مسؤولية. COLAr 307.4
وكتلاميذ للمسيح ينبغي أن نجعل كلامنا بحيث يكون عونا وتشجيعا لبعضنا البعض في الحياة المسيحية. وعلينا أن نتحدث عن الفصول الثمينة في اختبارنا أكثر بكثير مما نفعل. ويجب أن نتحدث عن رحمة الله ورأفته وعن أعماق محبة المُخَلِّص التي لا يُسبَرُ غورُها. ويجب أن يكون كلامنا كلام الشكر والحمد. وإذا كان العقل والقلب مفعمين بمحبة الله فهذا سيظهر في الحديث. ولن يكون أمراً صعبا أن نعطي للغير ما له صلة في حياتنا الروحية. فالأفكار العظيمة والاشتياقات النبيلة والإدراك الواضح للحق والأهداف الخالية من الأثرة والحنين إلى التقوى والقداسة، هذه كلها ستؤتي ثمرها في الأقوال التي تكشف عن صفة كنز القلب. فمتى أعلن المسيح هكذا في حديثنا فسيكون لذلك قوة في ربح النفوس له. COLAr 308.1
وينبغي لنا أن نتحدث عن المسيح مع من لا يعرفونه. فيجب أن نعمل كما عمل المسيح. فأينما وجد إن في المجمع أو على جانب الطريق أو في وليمة الفريسي، أو على مائدة العشار كان يحدث الناس عن الأمور المتعلقة بالحياة الأسمى. فأمور الطبيعة وحوادث الحياة اليومية كان يُربَط بينها وبين كلام الحق. وقد اجتذبت إليه قلوب سامعيه لأنَّه قد شفى مرضاهم وعزّى المحزونين منهم وحمل أولادهم بين ذراعيه وباركهم. فعندما فتح فمه ليتكلم اتّجه انتباههم إليه وكانت كل كلمة من كلامه رائحة حياة لحياة لبعض النفوس. COLAr 308.2
وهكذا ينبغي أن يكون الحال معنا. فأينما نكون يجب أن نراقب الفرص للتحدث مع الآخرين عن المُخَلِّص. فإذا تمثلنا بالمسيح في عمل الخير فستنفتح لنا القلوب كما قد انفتحت للسيد. فيمكننا بدون أن نقطع حبل الحديث بل بلباقة صادرة من المحبة الإلهية يمكننا أن نحدثهم عن ذاك الذي هو « مُعْلَمٌ بَيْنَ رَبْوَةٍ » و « كُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ » (نشيد ٥: ١٠، ١٦). هذا هو أسمى عمل يمكننا فيه أن نستخدم موهبة الكلام. فلقد أُعطيت لنا حتى يمكننا أن نقدّم للناس المسيح كالمُخَلِّص غافر الخطايا. COLAr 309.1