لقد كانت حياة المسيح تأثيرا دائم الاتساع لا شواطئ له، تأثير ربط بينه وبين الأسرة البشرية كلها. وبواسطة المسيح منح الله الإنسان تأثيرا يجعل من المستحيل عليه أن يعيش لنفسه. إنّ كل فرد منا مرتبط ببني جنسه، وهو جزء من كلّ الله العظيم، ونحن تحت التزامات متبادلة. ولا يمكن لإنسان أن يعيش مستقلا عن بني جنسه، لأن خير كل فرد أو رفاهيته تؤثر في الآخرين. والله يقصد أنّ كل واحد يشعر بأنّه لازم وضروري لأجل خير الآخرين، وأن يجتهدَ في العمل على إسعادِهم. COLAr 309.2
إنّ كل نفس محاطة بجو خاص بها — جو يمكن أن يكون مشحونا بقوة الإيمان المانح الحياة والشجاعة والرجاء ومعطر بأريج المحبة، أو ربما يكون ثقيلا وباردا بفعل الحزن الناشئ عن التذّمر والأنانية، أو مسموما بسبب وصمة عار خطية محبوبة. وكل إنسان نختلط به لابدّ أن يتأثّر بالجو المحيط بنا، سواء علم بذلك أو لم يعلم. COLAr 309.3
هذه مسؤولية لا يمكننا أن نخلي أنفسنا منها. فأقوالنا وأعمالنا ولبسنا وتصرفنا وحتى تعبيرات وجوهنا لها تأثيرها. وعلى التأثير الذي يحدث تتوقف نتائج للخير أو للشر لا يمكن لإنسانٍ أن يقيسها. فكل دافع يبذل هكذا هو بذرة تزرع ولابد أن تؤتي ثمارها. وهو حلقة في السلسلة الطويلة سلسلة الحوادث البشرية التي لا نعلم إلى أين تمتدّ. فإذا كنا بمثالنا نساعد الآخرين على إنماء المبادئ الصالحة فإننا نزودهم بالقوة على عمل الخير. وهم بدورهم يستخدمون نفس التأثير على الآخرين، وهؤلاء على آخرين أيضا. وهكذا بتأثيرنا الذي لا نعلم به يمكن لآلاف من الناس أن يتباركوا. COLAr 309.4
ألقِ بعض الحصى في البحيرة فتتكون موجة وأخرى وأخرى. وإذ تزيد يتسع محيطها حتى يصل إلى الشاطئ. وكذلك الحال مع تأثيرنا. فبدون علمنا أو سيطرتنا هو يؤثر في الآخرين إن للبركة أو اللعنة. COLAr 310.1
والخلُق قوّة. فالشهادة الصامتة للحياة الأمينة التقيّة غير المحبة لذاتها تعمل تأثيرا يكاد لا يقاوم فنحن إذ نعلن صفات المسيح في حياتنا نتعاون معه في عمل خلاص النفوس. ولا يمكننا التعاون معه ما لم تظهر صفاته في حياتنا. COLAr 310.2
وكلما اتسع نطاق تأثيرنا كل ما أمكننا أن نفعل خيراً أعظم. فعندما يتبع من يعترفون بأنهم يخدمون الله مثال المسيح ممارسين مبادئ الناموس في حياتهم اليومية وعندما يشهد كل عمل بأنّهم يحبون الله أعظم حبّ ويحبون القريب كأنفسهم، حينئذ تكون في الكنيسة قوة بها تحرك العالم. COLAr 310.3
ولكن ينبغي ألاّ ننسى أنّ للتأثير قوة مماثلة للشرّ. إن خسر إنسان نفسه فذلك أمر مخيف، ولكن كون الإنسان يتسبب في هلاك نفوس الآخرين فهذا فكر مريع. إنّ كثيرين ممن يعترفون بأنّهم يجمعون مع المسيح هم في الواقع يفرقون الناس بعيدا عنه. وهذا هو السبب في ضعف الكنيسة. وكثيرون يمعنون في الانتقاد والشكوى والاتهام. فإذ يعبرون عن الشك والحسد والتبرم يسلّمون ذواتهم آلات طيّعة في يد الشيطان. وقبلما يدركون ماذا هم صانعون يكون العدّو قد تمّم غرضه عن طريقهم. فلقد حدث التأثير الشرير وأُلقِيَ الظل وسهام الشيطان قد أصابت مقتلا. فالشكّ وعدم الإيمان والإلحاد الصريح قد ضيقت الخناق على أولئك الذين لولا ذلك كان يمكنهم أن يقبلوا المسيح. وفي أثناء ذلك ينظر خدام الشيطان بفرح إلى من قد ساقوهم إلى الإلحاد والذين قد تقسّوا الآن ضد التوبيخ والتوسل. إنّهم يخدعون أنفسهم قائلين إنّهم بالمقارنة مع هذه النفوس يعتبرون أفاضل وأبرارا. ولكنهم لا يدركون أن حطام هذه الأخلاق إنّما هو من صنع ألسنتهم التي أطلقوا لها العنان وقلوبهم المتمردة، فبسبب تأثيرهم سقط هؤلاء الناس المجرّبون. COLAr 310.4
وهكذا نجد أنّ الاستهتار والانغماس الأناني والإهمال وعدم الاكتراث من جانب المعترفين بالمسيحية تبعد نفوسا كثيرة عن طريق الحياة. ويوجد كثيرون ممن سيخافون أن يواجهوا عواقب تأثيرهم أمام محكمة الله. COLAr 311.1
إنّما بواسطة نعمة الله يمكننا استخدام هذه الهبة استخداما صائبا. ولا شيء في ذواتنا به يمكننا أن نؤثّر في الآخرين للخير. فإذا تحققنا من عجزنا وحاجتنا إلى القوة الإلهية لن نثق بذواتنا. إننا لا نعرف أيّ النتائج يمكن أن تُحدّد في يوم أو ساعة أو لحظة، وينبغي ألا نبدأ اليوم بدون أن نسلّم طرقنا لأبينا السماوي. إنّ ملائكته مكلّفون بالسهر علينا فإذا وضعنا أنفسنا تحت رعايتهم ففي كل وقت نتعرّض فيه للخطر يكونون عن يميننا. وعندما نكون في خطر إحداث تأثير خاطئ على غير علم منا فالملائكة يكونون إلى جانبنا يستحثوننا للسير في طريق افضل، فيختارون لنا أقوالنا ويؤثرون في أعمالنا. وهكذا يمكن أن يكون تأثيرنا قوة وان تكن صامتة ولا نعلم بها فإنّها قوة جبّارة في اجتذاب الآخرين إلى المسيح وإلى العالم السماوي. COLAr 311.2