أن وقتنا هو من حق الله، فكل لحظة هي له ونحن تحت أخطر التزام بأن نحسن استخدامه لمجده. ولن يطلب منّا إعطاء حساب عن أية وزنة من الوزنات الأخرى بأشدّ دقة من وقتنا. COLAr 312.1
إنّ قيمة الوقت هي فوق كل تقدير. لقد اعتبر المسيح كل برهة ثمينة ونحن يجب أن نعتبرها كذلك. إنّ الحياة أقصر من أن ننفقها في غير طائل. لقد أُعطيتْ لنا أيامُ إمهال قليلة فيها نستعد للأبدية. لا وقت لنا نضيعه ولا وقت ننفقه في المسرات الأنانية ولا وقت للانغماس في الخطية. فعلينا الآن أن نصوغ أخلاقنا للحياة العتيدة الخالدة. علينا الآن أن نتأهب للدينونة الكاشفة. COLAr 312.2
إنّ الأسرة الإنسانية ما أن بدأت تحيا حتى بدأت تموت، وإنّ تعب العالم الذي لا ينقطع ينتهي إلى العدم ما لم يحصل الإنسان على معرفة حقيقية بالحياة الأبدية. والإنسان الذي يقدّر الوقت على أنّه يوم عمله سيؤهل نفسه لمسكن وحياة خالدة. فخير لهذا الإنسان انه قد ولد. COLAr 312.3
إنّ الكتاب يوصينا بأن نفتدي الوقت. ولكن الوقت الذي يبعثر لا يمكن افتداؤه. إننا لا يمكننا استرداد لحظة واحدة. والطريقة الوحيدة التي يمكننا أن نفتدي بها الوقت هي أن ننتفع أعظم انتفاع بما قد بقي وهو بأن نعمل مع الله في تدبيره العظيم تدبير الفداء. COLAr 312.4
فالذي يفعل هذا يحدث تغييرٌ في أخلاقه. فيصير ابنا لله وعضوا ضمن الأسرة الملكية وابنا لملك السماء. ويؤهل لأن يكون عشيرا للملائكة. COLAr 312.5
هذا هو الوقت الذي فيه نعمل لأجل خلاص بني جنسنا. يوجد بعض من يظنون أنهم لو قدّموا مالاً لعمل المسيح فهذا كل ما يٌطلب منهم عمله، والوقت الثمين الذي فيه كان يمكنهم أن يقوموا بخدمة شخصية له يمرّ عبثا. ولكنّه امتياز وواجب على كل من يتمتعون بالصحة والقوة أن يقدموا لله خدمة نشيطة. فعلى الجميع أن يعملوا لربح النفوس للمسيح. فالعطايا المالية لا يمكنها أن تسدّ في مكان هذا العمل. COLAr 313.1
إنّ كل برهة محملة بنتائج أبدية. فيجب أن نقف كرجال الساعة مستعدين للخدمة لدى أول طلب فالفرصة التي بين أيدينا الآن لنتحدث مع نفس محتاجة بكلام الحياة قد لا تعرض لنا مرّة أخرى. فقد يقول الله لذلك الإنسان: « هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ » (لوقا ١٢: ٢٠). وقد لا يكون مستعدّا بسبب إهمالنا. فكيف نقدّم حسابنا لله في يوم الدينونة العظيم؟ COLAr 313.2
إنّ الحياة أخطر من أن تبتلعها المسائل الزمنية الأرضية، في طاحون الهم والقلق على الأشياء التي ليست سوى ذرة بالمقارنة بالأشياء التي بها خطورة أبدية. ومع هذا فقد دعانا الله لنخدمه في شؤون الحياة الزمنية. والاجتهاد في هذا العمل هو جزْء من الديانة الحقيقية بقدر ما هي العبادة. والكتاب لا يوافق على البطالة. فهي أعظم لعنة تصيب عالمنا. فكل رجل وامرأة متجددين حقا لابد أن يكونا عاملين مجدين. COLAr 313.3
وعلى استخدامنا الصائب لوقتنا يتوقف نجاحنا في الحصول على المعرفة والثقافة العقلية. إنّ تهذيب العقل لا ينبغي أن يعيقه الفقر أو الأصل الوضيع أو البيئة غير الموافقة. إنما ينبغي ادخار اللحظات. فاللحظات القليلة هنا والقليل منها هناك التي يمكن إنفاقها في حديث بلا هدف. وساعات الصباح التي تضيع ونحن راقدون في الفراش. والوقت الذي ينفق في السفر في الترام أو في سكة الحديد أو في الانتظار على المحطة، واللحظات التي فيها ننتظر وجبات الطعام أو انتظار مجيء من قد تأخروا عن الميعاد المضروب — فلو أمسك الإنسان كتابا وأحسن استعمال هذه اللحظات في الدرس والمطالعة أو التفكير الحريص فما أكثر ما يمكن إنجازه. إنّ العزم الصادق والجد والمثابرة التي لا تلين والاقتصاد الحريص في صرف الوقت لابدّ أن يساعد الناس على اجتناء العلم وتدريب العقل ممّا يؤهلهم لأي مركز ذي نفوذ ونفع. COLAr 313.4
إنّه من واجب كل مسيحي أن يكتسب عادات النظام والإتقان والسرعة. لا عذر لاحد في التباطؤ أو عدم إتقان العمل من أي نوع. فإذا كان الإنسان دائبا على العمل دائما دون أن ينهي عمله فالسبب في ذلك هو انّه لا يضع كل عقله وقلبه في العمل. فالإنسان البطيء والذي يعمل لغير طائل بل للخسارة يجب أن يتأكد من أن هذه أخطاء ينبغي إصلاحها. إنّه بحاجة إلى تدريب عقله في رسم الخطة التي بها يستخدم وقته بحيث يحصل على أفضل النتائج. فبواسطة اللباقة والنظام يمكن للبعض أن ينجزوا في خمس ساعات قدر ما ينجزه غيرهم في عشر ساعات. إنّ بعض من ينشغلون في عمل منزلي هم دائما يشتغلون لا لأن عليهم عملا كثيرا بل لأنهم لا يحسبون حساب توفير الوقت. فبسبب طرق البطء والتواني التي يسيرون عليها يخلقون من العمل القليل عملاً كثيرا. ولكن كل من يريدون يمكنهم الانتصار على هذه العادات المملّة البطيئة. فليكن لهم هدف معين في عملهم. حدد الوقت المطلوب للقيام بعمل معين ثم ابذل قصاراك لإنجازه في الوقت المحدد. إن استخدام قوة الإرادة يجعل اليدين تعملان بمهارة. COLAr 314.1
إنّ الأشخاص عندما لا يوجد عندهم العزم لكي يضعوا أنفسهم في أيديهم ويصلحوا أمورهم يصيرون مصحّفين في طريق خاطئ للعمل، لكن إن دربوا قواهم يكتسبون قوة للقيام بأفضل خدمة. وحينئذ تنهال عليهم الطلبات في أي زمان وفي كل مكان. وسيقدرهم الناس بحسب قدرهم. COLAr 314.2
إنّ كثيرين من الأولاد والشباب يضيعون الوقت الذي كان يمكن صرفه في حمل أعباء البيت وبذلك كانوا يبرهنون على اهتمامهم ومحبتهم لآبائهم وأمهاتهم. فيمكن للشباب أن يأخذوا على عواتقهم القوية الشابة كثيرا من التبعات التي يجب أن يحملها شخص ما. COLAr 315.1
إنّ حياة المسيح منذ سني عمره الباكرة كانت حياة النشاط والغيرة. فهو لم يعش ليرضي نفسه. كان ابنَ الإله السرمدي ومع ذلك فقد كان يحترف النجارة مع يوسفَ أبيه* وقد كان لحرفته مغزاها. فلقد أتى إلى العالم كبنّاء للأخلاق، وقد كان كل عمله بالغا حد الكمال من هذه الناحية. وقد أدخل إلى كل عمله الدنيوي نفس الكمال الذي أدخله في الصفات التي كان ينيرها بقدرته الإلهية. وهو مثالنا. COLAr 315.2
على الآباء أن يعلّموا أولادهم قيمة الوقت وكيف يستخدمونه استخداماً صائباً. فعلموهم إنّ كونهم يعملون عملا به يكرمون الله ويباركون الإنسانية هو عمل يستحق أن يعيشوا لأجله. ويمكنهم حتى في بكور شبابهم أن يكونوا مرسلين لله. COLAr 315.3
إنّ أعظم خطية يرتكبها الوالدون هي أن يسمحوا لأولادهم بأن لا يكون لهم شيء يعملونه. وسرعان ما يحب الأولاد البطالة فيشبّون رجالا ونساء عديمي التدبير عديمي النفع. وعندما يكبرون ليكسبوا رزقهم ويجدون عملا فهم يقومون به بتراخٍ وتكاسل، ومع ذلك ينتظرون أجرا كاملا كما لو كانوا أمناء في عملهم. يوجد بونٌ شاسع بين هؤلاء العاملين وبين من يدركون أنهم يجب أن يكونوا وكلاء أمناء. COLAr 315.4
إنّ عادات الخمول والإهمال متي انغمس فيها الإنسان وهو يمارس أعماله الدنيوية لابدّ أن تتغلغل في الحياة الدينية وتجعله غير أهل لأن يقوم بخدمة نافعة لله. إنّ كثيرين ممّن كان يمكنهم بواسطة الاجتهاد في العمل أن يكونوا بركة للعالم أصابهم الدمار بسبب البطالة. إنّ كون الإنسان بلا عمل وبلا غرض ثابت يفتح الباب لآلاف التجارب. إنّ عشراء السوء والعادات الشريرة تفسد العقل والنفس، ونتيجة ذلك الدمار في هذه الحياة والحياة الآتية. COLAr 315.5
مهمـا يكن نوع العمل الـذي نشـتغل فيه فـإنّ كلـمة الله تعلّـمنا أن نكـون « غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الاجْتِهَادِ، حَارِّينَ فِي الرُّوحِ، عَابِدِينَ الرَّبَّ » « كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَافْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ »، « عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ الرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ الْمِيرَاثِ، لأَنَّكُمْ تَخْدِمُونَ الرَّبَّ الْمَسِيحَ » (رومية ١٢: ١١؛ جامعة ٩: ١٠؛ كُولُوسِّي ٣: ٢٤). COLAr 316.1