رأى المُخَلِّص الناس وإذا هم مشغولون في جمع المال، وقد غابت عن أنظارهم الحقائق الأبدية، ولذلك أخذ على نفسه أمر معالجة هذا الشرّ. حاول أن يحطّم السحر الذي خلب عقولهم وأصاب أرواحهم بالشلل. فرفع صوته وصرخ قائلا: « مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ » (متى ١٦: ٢٦). وهو يضع أمام البشرية الساقطة العالم الأنبل الذي قد غاب عن أنظارهم حتى يروا الحقائق الأبدية. وهو يوقفهم على أعتاب عالم الأبد الذي يشع منه مجد الله الذي لا يوصف ويريهم الكنز الذي هناك. COLAr 96.4
إنّ قيمة هذا الكنز تفوق قيمة الذهب والفضة. وغنى كل مناجم الأرض لا يعادله. COLAr 97.1
« الْغَمْرُ يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ فِيَّ، وَالْبَحْرُ يَقُولُ: لَيْسَتْ هِيَ عِنْدِي. لاَ يُعْطَى ذَهَبٌ خَالِصٌ بَدَلَهَا، وَلاَ تُوزَنُ فِضَّةٌ ثَمَنًا لَهَا. لاَ تُوزَنُ بِذَهَبِ أُوفِيرَ أَوْ بِالْجَزْعِ الْكَرِيمِ أَوِ الْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ. لاَ يُعَادِلُهَا الذَّهَبُ وَلاَ الزُّجَاجُ، وَلاَ تُبْدَلُ بِإِنَاءِ ذَهَبٍ إِبْرِيزٍ. لاَ يُذْكَرُ الْمَرْجَانُ أَوِ الْبَلُّوْرُ، وَتَحْصِيلُ الْحِكْمَةِ خَيْرٌ مِنَ اللّآلِئِ » (أيوب ٢٨: ١٤-١٨). COLAr 97.2
هذا هو الكنز الذي يوجد في كتاب الله. فالكتاب المُقَدَّس هو كتاب درس الله الفسيح والمهذب العظيم. أساس كل علم حقيقي مشتمل في الكتاب. ويمكن العثور على كل فرع من فروع المعرفة بواسطة تفتيش كلمة الله. وفوق كل كتاب آخر هو يشتمل على علم كل العلوم أي علم الخلاص. فالكتاب المُقَدَّس هو المنجم الذي فيه غنى المسيح الذي لا يُستقصى. COLAr 97.3
إنّ التهذيب الحقيقي الأسمى يُنال بواسطة درس كلمة الله وإطاعتها. ولكن متى أُلقيت كلمة الله جانبا واستعيض عنها بكتب لا تُرشد النفس إلى الله أو إلى ملكوت السَّمَاوَات فإنّ التعليم الذي يحصل عليه الإنسان هو تزييف لاسم التعليم. COLAr 97.4
توجد في الطبيعة حقائق عجيبة ومدهشة. فالأرض والبحر والسماء ملأى بالحق. وكلها تعلّمنا. والطبيعة تنطق بصوتها في دروس الحكمة السماوية والحق الأبدي. ولكنّ الإنسان الساقط لا يريد أن يفهم. لقد أظلمت الخطية بصره وهو لا يستطيع من نفسه أن يفسّر الطبيعة بدون أن يضعها فوق الله. ولا يمكن للدروس الصحيحة أن تؤثّر في عقول من يرفضون كلمة الله. وهم يحرفون تعليم الطبيعة بحيث يبعدهم عن الخالق. COLAr 97.5
إنّ كثيرين يظنون أنّ حكمة الإنسان أسمى من حكمة المعلم الإلهي، وينظرون إلى كتاب درس الله على أنه طراز قديم وكتاب مبتذل لا لذّة فيه. أما الذين قد أنعشهم الرُّوح الْقُدُس فلا ينظرون إليه هكذا، فهم يرون فيه كنزاً لا يُقدّر بثمن، وهم يريدون أن يبيعوا كل شيء ويشتروا الحقل الذي فيه الكنز. وبدلا من أن يقتنوا الكتب المشتملة على افتراضات الكتَّاب المشهورين فإنّهم يختارون كلمة ذاك الذي هو أعظم كاتب وأعظم معلم عرفه العالم والذي بذل حياته لأجلنا لكي تكون لنا به الحياة الأبدية. COLAr 97.6