وعلمه فوقك محبة (نشيد ٢: ٤). « إِنْ سَلَكْتَ فِي طُرُقِي، وَإِنْ حَفِظْتَ شَعَائِرِي » هكذا هو يعلن « أُعْطِيكَ مَسَالِكَ بَيْنَ هؤُلاَءِ الْوَاقِفِينَ » — أي بين الملائكة المحيطين بعرشه (زكريا ٣: ٧). COLAr 188.2
« كَفَرَحِ الْعَرِيسِ بِالْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلهُكِ » (إِشَعْيَاء ٦٢: ٥). « يُخَلِّصُ. يَبْتَهِجُ بِكِ فَرَحًا. يَسْكُتُ فِي مَحَبَّتِهِ. يَبْتَهِجُ بِكِ بِتَرَنُّمٍ » (صفنيا ٣: ١٧). والسماء والأرض ستشتركان في أغنية فرح الآب: « لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ ». COLAr 188.1
إلى هنا لا توجد نغمة نشاز في مثل المُخَلِّص لتوجد تنافرا في توافق مشهد الفرح. أمّا الآن فها المسيح يقدم عنصرا جديدا. عندما رجع الابن الضال إلى البيت كان الأخ الأكبر « فِي الْحَقْلِ. فَلَمَّا جَاءَ وَقَرُبَ مِنَ الْبَيْتِ، سَمِعَ صَوْتَ آلاَتِ طَرَبٍ وَرَقْصًا ». فدعا واحدا من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون هذا. فقال له. أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن لأنَّه قبله سالما. فغضب ولم يُرد أن يدخل » (لوقا ١٥: ٢٥-٢٨). هذا الأخ الأكبر لم يكن يشارك أباه في جزعه وفي انتظاره للذي كان ضالاّ. ولذلك فهو لا يشارك الأب في فرحه برجوع الشارد. أصوات الفرح لا تثير في نفسه أي فرح أو سرور. وهو يسأل أحد الغلمان عن سبب الفرح فيثير الجواب حسدَه. إنّه لن يدخل ليرحب بأخيه الضـال. إنّه يعتبر الكرامة المقدمة للضال إهـانة لشخصه هو. COLAr 188.2
وعندما يخرج الأب ليعاتبه تنكشف كبرياؤه وخبث طويته. فهو يتحدث عن حياته في بيت أبيه على أنّها سلسلة من الخدمات التي لم يكافأ عليه، وحينئذ يجعل مفارقة وضيعة بين هذا وبين الإكرام المقدم للابن العائد لتوّه. وهو يجعل الأمر واضحا أنّ خدمته كانت خدمة عبد لا خدمة ابن. وعندما كان يجب أن يجد فرحا دائما في حضرة أبيه كان عقله منصبا في الربح الذي كان سيحصل عليه من حياة الحرص والاقتصاد. وكلامه يبرهن على أنّه لأجل هذا السبب تنازل عن ملذات الخطية. فإن كان هذا الأخ سيقتسم هبات أبيه فالابن الأكبر سيعتبر أنّه قد ظُلم. وهو يحقد على أخيه بسبب الإكرام المقدم له. وهو يبرهن بكل وضوح على أنّه لو كان في مكان أبيه لما قبل الابن الضال. بل إنّه لا يعتبره أخا، ولكنّه بكل فتورٍ يتكلّم عنه قائلا: « ابْنُك ». COLAr 188.3
ومع ذلك فالأب يعامله بكل رقة فيقول: « يَا بُنَيَّ أَنْتَ مَعِي فِي كُلِّ حِينٍ، وَكُلُّ مَا لِي فَهُوَ لَكَ ». مدى هذه السنين التي كان أخوك فيها شريدا ألم يكن لك امتياز معاشرتي؟ COLAr 189.1
لقد قدم الأب لابنيه مجانا وبسخاء كل ما من شأنه أن يكفل لهما السعادة. ولا حاجة بالابن لأن يسأل عن هبة أو جزاء « كُلُّ مَا لِي فَهُوَ لَكَ ». عليك فقط أن تؤمن بمحبتي وتأخذ الهبة المقدمة لك مجانا. COLAr 189.2
إنّ أحد الابنين قد انفصل عن البيت إلى حين إذ لم يكن يدرك محبة الأب. وها هو قد عاد الآن فاكتسح تيار الفرح كل فكر مزعج « لأَنَّ أَخَاكَ هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالُا فَوُجِدَ ». COLAr 190.1
فهل أمكن للابن الأكبر أن يرى روحه الخسيسة الجاحدة؟ وهل رأى أنه مع كون أخيه قد عمل شرّا فإنه لا يزال أخاه؟ وهل تاب الأخ الأكبر عن حسده وقساوة قلبه؟ إنّ المسيح لم يقل شيئا عن هذا. لأنّ المثل كان لا يزال يمثل وكان على السامعين أن يقرّروا النتيجة بأنفسهم. COLAr 190.2
إنّ الابن الأكبر يرمز إلى اليهود غير التائبين في عهد المسيح والفريسيين في كل عصر الذين ينظرون بازدراء إلى من يعتبرونهم كالعشارين والخطاة. فلأنّهم هم أنفسهم لم يوغلوا بعيدا في طريق الرذيلة فقلوبهم مفعمة بالبرّ الذاتي. وقد التقى المسيح بهؤلاء المماحكين في ميدانهم. فكالابن الأكبر المذكور في المثل كانوا يتمتعون بامتيازات خاصة من الله. فقد ادّعوا أنّهم أبناءَ في بيت الله ولكنّ روحهم كانت روح الأُجَراء. كانوا يخدمون ليس بدافع المحبة بل على أمل الجزاء. وكان الله في نظرهم سيّدا صارما. وقد رأوا المسيح يدعو العشارين والخطاة لقبول هبة نعمته مجانا — الهبة التي كان أولئك الأحبار يرجون الحصول عليها عن طريق الكدح والأعمال التكفيرية — وقد استاءوا واغتاظوا. فإنّ رجوع الابن الضال الذي ملأ قلب الأب فرحا أثار الحسدَ في نفوسهم. COLAr 190.3
ونجد في المثل أنّ عتاب الأب للابن الأكبر كان هو نداء السماء الرقيق إلى الفريسيين: « كُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ » لا على أنه أجرة بل على أنه هبة. فيمكنكم قبولها كالابن الضال فقط على أنها هبة محبة الآب التي لا تستحقونها. COLAr 190.4
إنّ البرّ الذاتي فضلا عن كونه يقود الناس لأن يسيئوا تصوير الله فإنّه يجعلهم فاتري المحبة ومنتقدين لإخوتهم. إنّ الابنَ الأكبرَ في أنانيته وحسده وقف متأهبا لمراقبة أخيه وانتقاد كل عمل من أعماله واتّهامه بأقل تقصير. أراد أن يكتشف كل غلطة ويهوّل كل خطأ. وهكذا أراد أن يبرر روح الحقد والضغينة الذي فيه. وكثيرون اليوم يفعلون نفس هذا الشيء. ففي حين أن النفس تبذل أول جهودها لصد تيار التجارب فإنهم يقفون في صلابتهم وعنادهم يشتكون ويتهمون. قد يدّعون أنهم أولاد الله ولكنهم يتصرفون مدفوعين بروح الشيطان. إنّ هؤلاء المشتكين، بموقفهم الذي يقفونه من إخوتهم، يضعون أنفسهم في وضع لا يمكن لله فيه أن يشرق عليهم بنور وجهه. COLAr 191.1
إن كثيرين يتساءلون دائما قائلين: « بِمَ أَتَقَدَّمُ إِلَى الرَّبِّ وَأَنْحَنِي لِلإِلهِ الْعَلِيِّ؟ هَلْ أَتَقَدَّمُ بِمُحْرَقَاتٍ، بِعُجُول أَبْنَاءِ سَنَةٍ؟ هَلْ يُسَرُّ الرَّبُّ بِأُلُوفِ الْكِبَاشِ، بِرِبَوَاتِ أَنْهَارِ زَيْتٍ؟ … قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلهِكَ » (ميخا ٦: ٦-٨). COLAr 191.2
هذه هي الخدمة التي قد اختارها الله — « حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ … وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ» (إِشَعْيَاء ٥٨: ٦، ٧). فعندما ترون أنفسكم كخطاة مخلصين فقط بمحبة أبيكم السماوي فستعطفون وتشفقون على من يتألمون بالخطية. ولن تعودوا تواجهون الشقاء والتوبة بالحسد واللوم. فعندما يذوب الثلج، ثلج الأنانية من قلوبكم فستشاركون الله في عطفه وفي فرحه بخلاص الهالكين. COLAr 191.3
نعـم إنّـك تقــول انـك ابن الله فـإذا كنت صادقـا في هذا الادعــاء فـإنّ « أَخَاكَ» هو الذي « كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ » إنّه مرتبط بك بأوثق الربط لأنّ الله يعتبره ابنا. فإن أنكرت صلة قرابتك له برهنت على أنك أجير في البيت ولست ابنا في أسرة الله. COLAr 192.1
ومع أنّك لا تشترك في الترحيب بالضال فالفرح سيستمر وسيكون للابن الراجع مكان إلى جوار الآب وفي عمل الآب. فالذي يُغْفَرُ لَهُ كثيرٌ يُحِبُّ كثيرا. أمّا أنت فستكون في الظلمة الخارجية، لأن « مَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ » (١يوحنا ٤: ٨). COLAr 192.2