إنّ الشيطان منذ سقوطه ظلّ يعمل بواسطة الخداع. وكما قد أساء في تصوير الله فكذلك أساء تصوير أولاد الله عن طريق أعوانه. إنّ المُخَلِّص يقول: « تَعْيِيرَاتِ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ » (مزمور 69: 9). فبمثل تلك الكيفية تقع التعْيِيرَاتِ على تلاميذه. ArMB 16.3
انّه لم يوجد قط إنسان سار بين الناس وافتُرِيَ عليه بأقسى ممّا أفُترِيَ على ابن الإنسان. فلقد وقعت عليه السخرية والاستهزاء بسبب طاعته لمبادئ شريعة الله المقدسة في غير انحراف. وقد أبغضوه بلا سبب. ومع ذلك وقف هادئا أمام أعدائه معلنا أنّ التعيير هو جزء من تراث المسيحي، وناصحا تابعيه في كيف يواجهون سهام الضغينة آمرا إياهم ألاّ يخوروا تحت الاضطهاد. ArMB 16.4
إنّ الافتراء في حين انّه قد يسِّود السمعة فإنّه لا يستطيع أن يلطخ الخلق. فذاك هو تحت حراسة الله. وطالما نحن لا نرضى بأن نخطئ فلا توجد قوة بشرية كانت أم شيطانية، تستطيع أن تلطخ النفس. إنّ الإنسان الذي قلبه ثابت ومتكل على الله هو باقِ كما هو في أقسى ساعات التجارب المحزنة والبيئة المثبطة كما كان في أيّام نجاحه وكما بدا أنّ نور رضى الله يشرق عليه. قد تُحرّفُ أقوالُه وبواعثُه وأعمالُه وتُزيّف ولكنه لا يكترث لذلك لأن مصالحه الأعظم معرضة للخطر. فهو يحتمل كموسى الذي تشدد « كأنه يَرَى مَنْ لا يُرَى » (عبرانيين 11: 27)، « غَيْرُ نَاظِرِينَ إِلَى الأَشْيَاءِ الَّتِي تُرَى، بَلْ إِلَى الَّتِي لاَ تُرَى » (2كورنثوس 4: 18). ArMB 16.5
إنّ المسيح عَالِم بكل ما يسيء الناس فهمه وما يسيئون تصويره. ويمكن لأولاده أن ينتظروا في سكون وصبر وثقة مهما يكن مقدار عيب الناس في حقهم وحقدهم عليهم واحتقارهم إياهم، لأنّه ليس مكتوم لن يستعلن، والذين يكرمون الله هو سيكرمهم في محضر الناس والملائكة. ArMB 17.1
يقول يسوع: « إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ ... اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا ». وهو يوجّه أفكار سامعيه إلى الأنبياء الذين تكلموا باسم الرب « مِثَالاً لاحْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ وَالأَنَاةِ » (يعقوب 5: 10). إنّ هَابِيل أول مسيحي من أولاد آدم مات شهيداً. وأَخْنُوخ سار مع الله ولم يعرفه العالم. وكان نوح موضوعا للسخرية كرجل متعصّب مثير فتنـة « وَآخَرُونَ تَجَرَّبُوا فِي هُزُءٍ وَجَلْدٍ، ثُمَّ فِي قُيُودٍ أَيْضًا وَحَبْسٍ »، « وَآخَرُونَ عُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَ » (عبرانيين 11: 36 ، 35). ArMB 17.2
إنّ أولاد الله عُيّروا اضطُهِدوا في كل عصر ومع ذلك فمن طريق تجاربهم وآلامهم انتشرت معرفة الله إلى أماكن بعيدة. فعلى كل تلميذ للمسيح أن يتقدم وينضم إلى الصفوف ويسير قُدما بنفس العمل عالما أن أعداءه لا يفعلون شيئاً ضد الحق بل إلى جانب الحق. إنّ الله يقصد أن يُؤتى بالحق إلى الأمام ويصير موضوعا للفحص والمناقشة حتى عن طريق الاحتقار الذي يُلصق به. فيجب أن تهتاج عقول الناس، فكلّ جدال وكلّ تعيير وكلّ محاولة للحدّ من حرية الضمير هي وسيلة الله لإيقاظ العقول التي لولا ذلك كانت تغطّ في النوم. ArMB 17.3
كم مرّة رُؤيت هذه النتيجة في تاريخ رسل الله؟ عندما رُجـِم استفانوس النبيل الفصيحَ للموت بتحريض مجمع السنهدريم لم تكن هنالك خسارة على عمل الإنجيل. فنور السماء الذي أنار وجهَه ورحمةُ الله التي نطق بها وهو يصلّي عند موته كانا كسهم تبكيت حاد اخترق قلب عضو السنهدريم المتعصّب الذي كان واقفا قريبا، فصار شاول الفريسي المُضطهِدُ إناءً مختاراً ليحمل اسم المسيح أمام أمم وملوك وبني إسرائيل وبعد ذلك بوقت طويل كتب بولس الشــيخ من سـجنه في رومـا يقول: « أَمَّا قَوْمٌ فَعَنْ حَسَدٍ وَخِصَامٍ يَكْرِزُونَ بِالْمَسِيحِ ... لاَ عَنْ إِخْلاَصٍ، ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يُضِيفُونَ إِلَى وُثُقِي ضِيقًا ... غَيْرَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ سَوَاءٌ كَانَ بِعِلَّةٍ أَمْ بِحَقّ يُنَادَى بِالْمَسِيحِ » (فيلبي 1: 15، 16، 18). فعن طريق سجن بولس انتشر الإنجيـل بعيداً ورُبـِحت نفوس للمسـيح في نفس بيت قيصر. وعن طريق جهــود الشيطان الهــادفـة إلى الهــلاك يُزرع بذارُ كلمـة اللهِ البذارُ الذي « لاَ يَفْنَى »، « الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الأَبَدِ » (1بطرس 1: 23) في قلـوب الناس عن طـريق تعيير واضطهــــاد أولاد الله، ولكـن بذلك يتعظّم اسـم المسيح وتخلص النفوس. ArMB 17.4
عظيم في السَّمَاوَات هو أمر من هم شهود للمسيح بواسطة الاضطهاد والتعيير. فإذ ينتظر الناس خيرا أرضياً يوجّه المسيح أنظارَهم إلى الأجر السماوي. ولكنّه لا يبقيه كلَّه للحياة المستقبلة فهو يبدأ من هنا. لقد ظهر الرب لإِبْرَاهِيم قديماً وقال له: « أَنَا تُرْسٌ لَكَ. أَجْرُكَ كَثِيرٌ جِدًّا » (تكوين 15: 1). هذا هو أجرُ كلّ من يتبعون المسيح. يَهْوَهْ عِمَّانُوئِيلَ « الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ» والذي فيه يحل « كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا » (كُولُوسِّي 2: 3، 9). كوننا نصير في حالة توافق معه ونعرفه ونمتلكه، إذ ينفتح القلب أكثر فأكثر لقبول صفاته، ويعرف محبته وقدرته ويمتلك غنى المسيح الذي لا يُستقصى ويُدرك أكثر فأكثر « مَا هُوَ الْعَرْضُ وَالطُّولُ وَالْعُمْقُ وَالْعُلْوُ، وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَة، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ » (أَفَسُس 3: 18، 19)، « هذَا هُوَ مِيرَاثُ عَبِيدِ الرَّبِّ وَبِرُّهُمْ مِنْ عِنْدِي، يَقُولُ الرَّبُّ » (إِشَعْيَاء 54: 17). ArMB 17.5
هذا هو الفرح الذي ملأ قلب كل من بولس وسيلا حين كانا يصليان ويسبحان الله في نصف الليل في سجن فيلبى. فقد كان المسيح إلى جانبهما وقد أنار نورُ وجهه الظلمة بمجد المنازل العليا. وقد كتب بولس من روما وهو غير مكترث لقيوده إذ رأى انتشار الإنجيل: « بِهذَا أَنَا أَفْرَحُ. بَلْ سَأَفْرَحُ أَيْضًا » (فيلبي 1: 18). ونفس أقوال المسيح التي نطق بها على الجبل تردّد صداها في رسالة بولس إلى كنيسة فيلبي في وسط اضطهاداتهم إذ يقول لهم: « اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا » (فيلبي 4:4). ArMB 18.1