كان اليهود مدققين وحريصين جداً في أمر الطهارة الطقسية بحيث غدت قوانينهم ثقيلةً جدا. كانت عقولهم مشغولة بالقوانين والقيود والخوف من النجاسة الخارجية ولم يفطنوا إلى اللطخات التي بها تنجّس الأنانية والحقد النفس. ArMB 13.2
ولم يذكر يسوع هذه الطهارة الطقسية كشرط من شروط الدخول إلى ملكوته ولكنّه يوجّه الالتفات إلى الحاجة إلى طهارة القلب. إنّ الحكمة التي من فوق هي: « أَوَّلاً طَاهِرَةٌ » (يعقوب 3: 17) وملكوت الله لن يدخله شيء دنس. فكل الذين سيسكنون هناك يجب أن يصيروا أنقياء القلب هنا. فالذي يتعلّم من يسوع لابد أن يظهر فيه نفورٌ متزايد من عادات الإهمال والكلام الشائن والتفكير الفظّ السمج. وعندما يسكن المسيح في القلب فستكون هناك طهارة ونقاوة الفكر والعادات. ArMB 13.3
ولكن قول المسيح: « طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ » له معنى أعمق — ليس فقط النقاوة بالمعنى الذي يفهمه العالم كأن يكون خاليا من أي شيء جسداني، وطاهرا من الشهوة، بل أن يكون أمينا ومخلصا في نوايا النفس وبواعثها الخفية ومتحرّرا من الكبرياء وطلب ما للذات ومتواضعا وغير أناني وفي مثل بساطة الأولاد. ArMB 13.4
إنّ الشبيه هو الذي يقدّر شبيهه. فما لم تقبل في نفسك وحياتك مبدأ المحبّة المضحية بنفسها التي هي مبدأ صفات السيد فلن يمكنك معرفة الله. إنّ القلب الذي قد خدعه الشيطان ينظر إلى الله على أنّه كائن مستبدّ قاسِ لا يعرف الرحمة، والصفات الأنانية في البشرية بل وفي الشيطان نفسه تنسب إلى الخالق المحب. فهو يقول « ظَنَنْتَ أَنِّي مِثْلُكَ » (مزمور 50: 21). وأعمال عنايته تُفسَّر على أنّها تعبير عن طبيعة متعسفة حاقدة. وكذلك الحال مع الكتاب المُقَدَّس الذي هو خزانة غنى نعمته. فمجد حقائقه التي هي عالية علو السَّمَاوَات وتحيط بعالم الأبد الذي لا يدركه الناس. بالنسبة إلى الجنس البشري الكثير يعتبر المسيح نفسه « كَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ » (إِشَعْيَاء 53: 2). وهم لا يرون فيه أي منظر فيشتهوه. وعندما كان يسوع بين الناس، إعلان الله في البشرية. أعلن الكتبة والفريسيون قائلين له: « إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ شَيْطَانٌ » (يوحنا 8: 48). بل حتى تلاميذه أعمت الأنانية قلوبهم إلى حد أن كانوا متباطئين في فهم ذاك الذي قد أتى ليعلن لهم محبة أبيه. هذا هو السبب الذي جعل يسوع يسير في عزلة وهو في وسط الناس. ولم يُفْهم فهما كاملاً إلاّ في السماء وحدها. ArMB 13.5
وعندما يأتي المسيح في مجده فلن يحتمل الأشرار النظر إليه. فنور وجهه الذي هو حياة لمحبيه هو موت للأشرار. وانتظار مجيئه هو بالنسبة إليهم « قُبُولُ دَيْنُونَةٍ مُخِيفٌ، وَغَيْرَةُ نَارٍ » (عبرانيين 10: 27). وعندما يظهر سيصرخون طالبين أن يختفوا عن وجه من قد مات ليفتديهم. ArMB 14.1
أما بالنسبة إلى القلوب التي قد تطهرت بواسطة سكنى الرُّوح الْقُدُس فيها فكلّ شيء قد تغير. فهؤلاء يستطيعون أن يعرفوا الله. لقد وضع موسى في شق الصخرة عندما أعلن له مجد الرب، وكذلك نحن عندما نتوارى في المسيح نرى محبة الله. ArMB 14.2
« مَنْ أَحَبَّ طَهَارَةَ الْقَلْبِ، فَلِنِعْمَةِ شَفَتَيْهِ يَكُونُ الْمَلِكُ صَدِيقَهُ » (أمثال 22: 11). إنّنا بالإيمان نراه هنا الآن. وفي اختبارنا اليومي نرى صلاحه ورحمته في إظهار عنايته. ونعترف به في صفات ابنه. والرُّوح الْقُدُس يأخذ الحق الخاص بالله وبمن قد أرسله ويكشفه للإدراك والقلب. إنّ الأنقياء القلب يعاينون الله في نور جديد وعلاقة محببة كفاديهم وإذ يرون طهارة صفاته وجمالها يتوقون إلى أن يعكسوا صورته. فهم يرونه كأب يتوق لمعانقة الابن التائب فتمتلئ قلوبهم فرحاً لا ينطق به ومجيداً. ArMB 14.3
إنّ الأنقياء القلب يرون الخالق في أعمال يده القوية وفي الأشياء الجميلة التي يشتمل عليها الكون. وفي كلمته المكتوبة يطالعون في سطور أوضح إعلانَ رحمتِه وصلاحَه ونعمتَه. والحقائق التي أُخفيت عن الحكماء والفهماء أُعلنت للأطفال. إنّ جمالَ الحق ونفاستِه اللذين لا يراهما حكماء هذا الدهر ينكشّفان باستمرار لمن عندهم رغبةٌ واثقةٌ كأولادٍ لمعرفة مشيئة الله وإتمامها. إنّنا نرى الحق إذ نصير نحن أنفسنا شركاء الطبيعة الإلهية. ArMB 14.4
إنّ الأنقياء القلب يعيشون كمن هم في محضر الله في خلال الوقت المحدد لهم في هذا العالم. ثم إنهم سيرونه وجها لوجه في حالة الخلود المستقبلة كما فعل آدم عندما كان يسير مع الله ويحادثه في عدن. « فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ، لكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ » (1كورنثوس 13: 12). ArMB 14.5