مدينون للمسيح
ان اليهود هم الذين صنعوا اغلالهم التي كُبلوا بها، وهم الذين ملأوا لانفسهم كأس النقمة . ففي الهلاك الشامل الذي حل بهم كأمة، وفي كل الويلات التي لا حقتهم في شتاتهم، انما كانوا يحصدون العاصفة بعد ان زرعوا الريح بأيديهم . يقول النبي: ”هلاكك منك يا اسرائيل“ (هوشع ١٣ : ٩) — ترجمة سنة ١٨٧٨ — ”لانك قد تعثرت باثمك“ (هوشع ١٤ : ١). ان آلامهم تصوَّر في غالب الاحيان كقصاص وقع عليهم بقضاء الله المباشر . وعلى هذا النحو يحاول المخادع الاعظم ان يخفي عمله . فاليهود اذ رفضوا محبة الله ورحمته في اصرار خرجوا من تحت كنف حماية الله وحراسته، وسُمح للشيطان بان يحكم عليهم كما يشاء . وأعمال القسوة والوحشية التي ارتكبت في خراب اورشليم هي مظ هر من مظاهر قوة الشيطان الانتقامية ضد من يخضعون لسلطانه. GC 40.3
لا يمكننا ان نعرف كم نحن مدينون للمسيح لقاء السلام والحماية اللذين ننعم بهم ا. ان قوة الله الرادعة هي التي تحول بين الناس وخضوعهم التام لسلطان الشيطان . والعصاة وغي ر الشاكرين لديهم سبب عظيم لشكر الله على رحمته وصبره في حجز قوة الشرير القاسية الخبيثة وضبطه ا. ولكن عندما يتجاوز الناس حدود صبر الله واحتماله فان ذلك الرادع يُزال . ان الله لا يقف من الخاطئ موقف منفذ الحكم ضد العصيان، ولكنه يترك رافضي رحمته لانفسهم ليحصدوا ما قد زرعوه . فكل شعاع من اشعة النور الذي يُرفض، وكل انذار يزدرى به او يهمل، وكل شهوة ينغمس فيها الانسان، وكل مخالفة لشريعة الله انما هي بذرة تُزرع ولا بد لها من حصاد مضمون واكيد . والخاطئ اذ يقاوم رو ح الله بكل اصرار لا بد ان يفقده في النهاية، وحنيئذ لن تكون هنالك قوة لتضبط اهواء النفس الشريرة، ولن يكون هنالك واقٍ من مكايد الشيطان وعداوته . وماخراب اورشليم سوى انذار خطير مخيف لكل من يستخفون بهبات النعمة الالهية وكل من يقاومون توسلات رحمة الله . ولم يُعرف من قبل شهادة حاسمة على كراهية الله للخطيئة وعلى القصاص الاكيد الذي لا بد ان يحل بالمذنب كتلك التي يوفرها خراب اورشليم. GC 41.1
ان نبوة المخلص عن افتقاد الله اورشليم بالدينونة سيكون لها اتمام آخر كان ذلك الخراب رمزاً باهتاً له وضئيلا . ففي القضاء العادل الذي حل بالمدينة المختارة يمكننا ان نرى الدينونة الهائلة التي ستحل بالعالم الذي رفض رحمة الله وداس شريعته . فانباء الشقاء البشري الذي شهدته الارض مدى عصور الجريمة الطويلة مظلمة قاتمة السواد . والقلب يشمئِْز ويسأم والعقل يخور لدى التأمل في ذلك . لقد كانت عواقب رفض سلطان السماء وخيمة جداً، لكنّ منظرًا اشد ظلاماً يُعرض أمامنا في اعلانات المستقبل الموحى به ا. ان سجلات الماضي — ذلك الموكب الطويل،موكب الشغب والمعارك والثورات: ”كل سلاح المتسلح في الوغى وكل رداء مدحرج في الدماء“ (اشعياء ٩ : ٥ ) — ليست شيئا في مقابل اهوال ذلك اليوم عندما تنسحب قوة روح الله الرادعة بعيداً من الأشرار إنسحاباً كاملاً ولا تعود توقف إنفجار الشهوات البشرية والغضب الشيطاني ! فسيرى العالم حينئذ، اكثر من اي وقت مضى، نتائج حكم الشيطان.GC 41.2
ولكن في ذلك اليوم، وكما كانت الحال عند خراب اورشليم، سينجو شعب الله، كل من يوجد مكتوباً في سفر الحياة وكل من كُتب للحياة (اشعياء ٤ : ٣) لقد اعلن المسيح انه سيأتي ثانية ليجمع عبيده الامناء لنفسه: ”حينئذ تنوح جميع قبائل الارض ويبصرون ابن الانسان آتياً علىسحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت فيجمعون مختاريه من الاربع الرياح من اقصاء السموات الى اقصائه ا“ (متى ٣٠:٢٤ و ٣١ ). وكل من لا يطيعون الانجيل سيبيدهم الرب بنفخة فمه ويبطلهم بظهور مجيئه ( ٢ تسالونيكي ٢ : ٨). فكما كانت الح ال مع اسرائيل قديماً نرى ان الاشرار يُهلكون انفسهم ويتعثرون باثمهم. فحياة الخطيئة التي عاشوها جعلتهم في حالة عدم توافق مع الله، وقد انحطت طبائعهم بالشر الى حد ان اعلان مجده سيكون ناراً آكلة لهم.GC 42.1