الفصل الثاني و الثلاثون — مكايد العدو
ان الصراع الهائل بين المسيح والشيطان والذي دارت رحاه وسار قدما مدة تقرب من ستة آلاف سنة صار قريبا من نهايته، والشرير يضاعف جهوده ليقضي على عمل المسيح لاجل الانسان ويقيد النفوس بأحابيله . ان غرضه الذي يريد أن يحققه هو أن يبقي الناس في الظلمة وصلابة القلب حتى تنقضي مدة وساطة المخلص ولا تبقى بعد ذلك ذبيحة عن الخطيئة.GC 564.1
عندما لا يُبذل مجهود جدي خاص لمقاومة سلطان الشيطان، وعندما يسود في الكنيسة وفي العالم الاهمال وعدم المبالاة فهو لا يهتم كثيرا لانه لا خطر عليه من خسارة الذين قد استأسرهم وهم يسيرون في ركابه مكبلين بالاغلال وخاضعين لارادته . ولكن عندما يبدأ الناس بالالتفات الى الامور الابدية وتسأل النفوس قائلة: ”ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟“ عند ذلك ينبري الى ساحة القتال محاولا أن يستخدم قوته ضد قوة المسيح ويوقف تأِثير الروح القدس.GC 564.2
والكتاب المقدس يعلن أنه عندما جاء الملائكة ذات مرة ليمثلوا أمام الرب جاء الشيطان أيضا في وسطهم (أيوب ١ : ٦) لا ليسجد أمام الملك السرمدي بل ليخدم غاياته الخبيثة ضد الابرار . وعندما يجتمع الناس ليعبدوا الله يجيء هو في وسطهم لهذا الغرض نفسه و يعمل بخفاء طالبا السيطرة على أفكار العابدين. وكالقائد المحنك يرسم خططه مقدم ا. واذ يرى رسول الله وهو يفتش الكتب يأخذ هو مذكرة بالموضوع الذي سيعرض على الشعب وحينئذ يستخدم كل دهائه ومكره لكي يسيطر على الظروف بحيث لا تصل الرسالة الى الذين يغرر بهم في ذلك ا لموضوع بالذات . والشخص الذي هو احوج الناس الى الانذار تُلزمه الظروف بأن يخرج ليشترك في صفقة تجارية تقتضي حضوره، أو بوسيلة أخرى يُمنع من سماع الاقوال التي كان يمكن أن تُضفي نكهة حياة على حياته.GC 564.3
ثم ان الشيطان يرى عبيد الرب واذا هم مثقلو القلوب بسبب الظلام الروحي الذي يكتنف الناس . وهو يسمع صلواتهم الحارة في طلب النعمة والقوة الالهيتين للقضاء على سحر عدم الاكتراث والاهمال والكسل . حينئذ يحبك هو مؤامراته بغيرة مجددة . فهو يجرب الناس لينغمسوا في شهوة الطعام أو أي صورة من صور ارضاء شهوات النفس، وهكذا يخدر حس اسيتهم بحيث يخيبون من سماع الحقائق نفسها التي هم في أمس الحاجة الى سماعها وتعلمها.GC 565.1
والشيطان يعرف جيدا ان كل من يستطيع أن يسوقهم الى اهمال الصلاة وتفتيش الكتب سينهزمون أمام هجماته . لذلك هو يبتكر كل حيلة ممكنة ليشغل العقل. وقد وُجد في كل العصور فئة من الناس يعترفون بالتقوى، الذين بدلا من التقدم لمعرفة الحق يجعلون ديانتهم منحصرة في البحث عن خطإ في اخلاق الذين يخالفونهم الرأي أو عن ضلال في عقيدتهم . هؤلاء هم أعظم معاضدي الشيطان. ان المشتكين على الاخوة ليسوا قليلين، وهم يكونون دائما نشيطين عندما يرون الله يعمل و عندما يقدم اليه عبيده ولاءهم الحقيقي . انهم يصبغون أقوال الذين يحبون الحق وأعمالهم بصبغة كاذبة، ويصورون أعظم خدام المسيح حرارة وغيرة وانكارا للذات على أنهم مخدوعون أو خادعون . فعملهم هو تشويه البواعث على كل عمل حقيقي ونبيل ونشر الوشايات واثارة الشبهات في عقو ل البسطاء، وفي كل حالة محسوسة يحاولون أن يمسخوا كل ما هو طاهر وعادل بحيث يراه الناس فاسدا وخادعا.GC 565.2
ولكن لا حاجة بأحد الى أن ينخدع بهؤلاء . فقد يُرى سريعا أبناء من هم، وأي مثال يتبعون، وعمل مَنْ يقومون به. ”من ثمارهم تعرفونهم“ (متى ٧ : ١٦). ان تصرفهم يش به تصرف الشيطان الواشي الذي يوغر الصدور: ”المشتكي على اخوتنا“ (رؤيا ١٢ : ١٠).GC 566.1