أساس متين
لقد أعطى الله في كلمته البرهان الكافي على صفتها الالهية . فالحقائق العظيمة الخاصة بفدائنا مقدمة فيها بكل وضوح . وبمساعدة الروح القدس، التي وُعد بها كل من يطلبونها باخلاص، يستطيع كل انسان أن يفهم ه ذه الحقائق لنفسه. لقد منح الله الانسان أساسا راسخا يمكن أن يضع عليه ايمانه.GC 573.1
ومع ذلك فعقول الناس محدودة قاصرة عن أن تدرك ادراكا كاملا تدابير الله غير المحدودة ومقاصده . اننا لا نستطيع بالبحث والاستقصاء أن نجد الله . وينبغي الا نحاول أن نرفع بايدينا الوقحة ا لستار الذي يخفي الله جلاله خلفه . ان الرسول يهتف قائلا: ”ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء!“ (رومية ١١ : ٣٣). ففي وسعنا أن ندرك معاملاته معنا والبواعث التي تدفعه الى ذلك بحيث يمكننا أن نرى محبته ورحمته اللامحدودتين والمرتبطتين بالقدرة غير المتناهية. ان أبانا السماوي يدبر كل شيء بحكمة وعدل وعلينا ألا نتذمر أو نشك بل أن نسجد أمام الله في خضوع واحترام . انه سيعلن لنا مقاصده بقدر ما هو من صالحنا أن نعرفه، ولكن أكثر من هذا علينا أن نثق بيد الله القدير وقلبه المفعم بالمحبة.GC 573.2
وفي حين أن الله أعطى البرهان الكافي للايمان فهو لن يلغي كل عذر لعدم الايمان . فكل من يبحثون عن خطاطيف يعلقون عليها شكوكهم سيجدونه ا. والذين يرفضون قبول كلمة الله واطاعته الى أن يُزال كل اعتراض ولا يعود بعد مجال للشك فلن يأتوا الى النور.GC 574.1
ان الشك في الله هو النتاج الطبيعي للقلب غير المتجدد الذي هو عداوة لله. أما الايمان فهو ما يلهمه الروح القدس، وهو سيزهر وينمو على قدر ما يتغذى. ولا يستطيع انسان أن يصير قويا في الايمان من دون أن يبذل جهدا وعزما. ان عدم الايمان يتقوى على قدر ما يجد تشجيعا، واذا كان الناس بدلا من التعويل على البراهين التي أعطاها لهم الله لاسناد ايمانهم يعمدون الى التساؤل والمماحكة فسيجدون أن شكوكهم تزداد رسوخا على الدوام.GC 574.2
لكنّ الذين يشكون في مواعيد الله ولا يثقون بيقين نعمته انما يهينونه، وهم بدلا من أن يجتذبوا الآخرين الى المسيح فهم يبعدونهم ع نه. انهم أشجار عقيمة تنشر ظلالها القاتمة في كل مكان وتحجب نور الشمس عن النباتات الاخرى وتجعلها تذوي وتموت تحت ظلها القارس البرد . وسيظهر عمل اولئك الناس مدى الحياة شهادة ضدهم تبقى على الدوام . انهم يزرعون بذار الشك والالحاد الذي سينتج حصادا لا ينضب.GC 574.3
ليس أمام الذين يرغبون بكل اخلاص أن يتحرروا من الشكوك غير طريق واحد يسلكونه . فبدلا من التساؤل والمماحكة في ما لا يفهمونه ليلتفتوا الى النور الذي قد أشرق عليهم وحينئذ سيحصلون على نور أعظم . عليهم القيام بكل واجب اتضح أمام افهامهم وحينئذ سيكونون قادرين على فهم الواجب ات التي يشكون فيها الآن وعلى القيام بها.GC 574.4
يستطيع الشيطان أن يقدم تقليدا للحق قريب الشبه به جدا بحيث يخدع الذين يرغبون في أن ينخدعوا والذين لا يرغبون في انكار الذات في التضحية اللذين يطلبهما الحق . ولكن يستحيل عليه أن يُبقي تحت سيطرته نفسا واحدة ترغب مخلصة في معرفة الحق مهما تكن الكلفة . ان المسيح هو الحق وهو ”النور الحقيقي الذي ينير كل انسان آتيا الى العالم“ (يوحنا ١ : ٩). وروح الحق قد أرسل ليرشد الناس الى جميع الحق . وقد أعلن بناء على سلطان ابن الله هذا الوعد: ”اطلبوا تجدوا“ ”ان شاء احد أن يعم ل مشيئته يعرف التعليم“ (متى ٧: ٧ ؛ يوحنا ٧ : ١٧).GC 574.5
لا يعرف أتباع المسيح الا القليل عن المؤامرات التي يحيكها الشيطان وجنوده ضدهم . لكنّ الساكن في السموات سيسيطر على كل هذه المؤامرات لاتمام مقاصده العميقة . ان الرب يسمح أن يجتاز شعبه في بلوى التجربة المحرقة لا لانه يسر بوقوع الضيق أو البلوى عليهم بل لان هذه العملية لازمة وجوهرية لنصرتهم النهائية . انه لم يستطع، بما يتفق مع مجده، أن يقيهم من التجربة لان غاية التجربة هي اعدادهم لمقاومة كل مغريات الشر.GC 575.1
ولكنْ لا الناس الأشرار ولا الشياطين يستطيعون تعطيل عمل الله أو حجب وجهه عن شعبه اذا كانوا بقلوب خاضعة منسحقة يعترفون بخطاياهم ويتركونها، وبالايمان يتمسكون بمواعيده ويطالبونه به ا. فكل تجربة وكل تأثير معاكس سواء في السر أو العلانية يمكن مقاومته بنجاح ”لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود“ (زكريا ٤ : ٦).GC 575.2