لا سلام بل سيف
”و ما قد قلته الان أرجو أن أكون قد تحريت الدقة فيه ووزنت وتأملت في كل المخاطر التي اعرِّض لها نفسي . ولكني لست خائفا بل أنا فرح اذ أرى الانجيل كما كان في العصور الماضية مثار الاضطراب والمنازعات . هذه هي صفة كلمة الله ، وهذا هو مصيرها، فلقد قال يسوع المسيح : ”ما جئت لألقي سلاما على الارض بل سيفا“ ان الله عجيب رهيب في مشوراته، اذاً فاحترسوا لئلا وانتم تزعمون أنكم تقضون على الخصومات والمنازعات تضطهدون كلمة الله المقدسة وتجلبون على أنفسكم طوفانا من المخاطر و الكوارث الحاضرة والخراب الابدي... كان في وسعي أن أورد لكم عدة أمثلة من كتاب الله، فاتحدث عن الفراعنة وملوك بابل وملوك اسرئيل الذين حين حاولوا بمشوراتهم التي كانت تبدو حكيمة توطيد دعائم ملكهم كانت جهودهم من أفعل العوامل التي أدت الى هلاكهم. وأن الله يزعزع ويزلزل الجبال وهم لا يدرون“ (١٠٠).GC 176.2
كان لوثر يتكلم بالالمانية، ولذلك طلب منه أن يعيد ما قاله باللاتينية . ومع أنه كان متعبا من جهده السابق الذي بذله فقد امتثل للأمر وألقى خطابه مرة اخرى بالوضوح والنشاط نفسيهما اللذين تكلم بهما اولا . وقد أرشدته عناية الله في هذا الأمر . كانت عقول كثيرون من الامراء قد طمستها ظلمة الضلال والخرافات بحيث أنه عندما تكلم لوثر أول مرة لم يلحظ أحد منهم قوة محاجته، ولكن عندما أعاد تلاوة خطابه باللاتينية استطاعوا أن يدركوا جيدا وبكل وضوح النقط التي أوردها.GC 176.3
فالذين في عنادهم أغمضوا عيونهم حتى لا يروا النور وأصروا على عدم الاقتناع بالحق حنقوا من قوة كلام لوثر . فلما انتهى من خطابه قال له الناطق باسم المجلس: ”انك لم تجاوب على السؤال المطروح عليك ... اعطِ الآن جوابا واضحا ومضبوطا. ..فهل تتراجع أم لا؟“GC 177.1
أجاب المصلح قائلا: ”حيث أنك يا صاحب الجلالة وأنتم يا أصحاب السمو والعظمة تطلبون مني جوابا واضحا بسيطا ومضبوطا فسأقدم جوابي وهاكم هو: أنا لا يمكنني أن اخضع ايماني فأجعله تحت رحمة البابا أو المجامع لأنه واضح وضوح الشمس أنهم في أحيان كثيرة قد أخطأوا وناقض بعضهم بعض ا. ولذلك فاذا لم أقتنع من شهادة كلمة الله أو بالمحاجة الواضحة جدا، وما لم أقتنع بواسطة النصوص التي قد اقتبستها، وما لم تُلزم تلك الأقوال ضميري بواسطة كلمة الله فأنا لا استطيع أن أتراجع ولا اريد أن أتراجع . لأنه أمر غير مأمون العاقبة أن يتكلم المسيحي ضد ضميره . هنا أنا أقف ولا يمكنني أن أفعل غي ر هذا، وليساعدني الله! آمين“.GC 177.2
وهكذا وقف هذا الرجل البار ثابتا على الأساس الراسخ، أساس كلمة الله . وقد استنار محياه بنور السماء . وظهرت للجميع عظمته وطهارة خلقه وسلامه وفرح قلبه وهو يشهد ضد سلطان الضلال ويُبرز سمو ذلك الايمان الذي يغلب العالم.GC 177.3
ظل المحفل كله صامتا بعض الوقت من فرط الذهول . عندما قدم جوابه الأول كان يتكلم بكل هدوء وبصوت منخفض بهيئة الاحترام الذي كاد يكون خضوعا. وقد فسر البابويون هذا كدليل على أن شجاعته قد بدأت تخور . واعتبروا طلب التأجيل بمثابة مقدمة لسحب اقراره . واذ لاحظ شارل نفسه، ببعض الاحتقار، جسم ذلك الراهب المضنى وملابسه البسيطة وبساطة حديثه أعلن قائلا: ”ان هذا الراهب لن يستطيع أن يجعل مني هرطوقي ا“. لكنّ الثبات والشجاعة اللذين أبداهما الآن وقوة محاجته ووضوحها ملأت قلوب كل الاحزاب دهشة. وقد أبدى الامبراطور اعجابه فصاح قائلا: ”ان هذا الراهب يت كلم بجنان ثابت وشجاعة لا تتزعزع“. وكثيرون من أمراء المانيا نظروا بفخر واعجاب الى ممثل أمتهم الجريء هذا.GC 177.4
أما ممثلو روما ومشايعوها فقد انهزموا وبدوا كأنهم قد خسروا قضيتهم اذ ظهرت من منظور غير ملائم . وقد حاولوا الاحتفاظ بسلطانهم لا بالالتجاء الى كتاب الله بل بالالتجاء الى التهديد الذي هو حجة روما التي لا تخذله ا. وقال الناطق باسم المجلس مخاطبا لوثر: ”ان لم تتراجع فالامبراطور والامراء سيتشاورون في الاجراءات التي سيتخذونها ضد هرطوقي لا يمكن تقويمه أو اصلاحه“.GC 178.1
أما أصدقاء لوثر الذين كانوا يصغون بفرح عظيم الى دفاعه النبيل فقد أرعبهم هذا الكلام . لكنّ الدكتور نفسه أجاب بكل هدوء: ”ليكن الله معينا لي لأنني لا أستطيع أن أتبرأ من أي شيء“ (١٠١).GC 178.2