المسيح محور عظاته
كان زوينجلي يصغي الى كل هذه التوصيات وهو صامت . ثم بعدما عبَّر لهم عن شكره لاجل شرف دعوتهم اياه لهذه الوظي فة المهمة عمد الى توضيح الطريق الذي قصد ان يسير فيه، فقال: ”لقد ظلت حياة المسيح محجوبة عن الشعب امداً طويلاً، لذلك فأنا سأعظ مما ورد في انجيل متى كله ... مستقيا التعاليم من ينابيع الكلمة الالهية فأسبر اغوارها مقارنا بين ف صل وآخر وباحثا عن المعرفة والفهم بالصلاة المستمرة الحارة . اني سأكرس كل خدمتي لتمجيد الله وتعظيم ابنه الوحيد وخلاص النفوس وبنيانها في الايمان الحقيقي“ (١٢٤). ومع أن بعض رجال الاكليروس لم يصادقوا على خطته وحاولوا ان يثنوه عنها فقد ظل زوينجلي ثابتا. واعلن انه لن يعتمد طريقة جديدة بل سيتبع الطريقة القديمة التي كانت تمارسها الكنيسة في العصور الاولى الاكثر نقاوة وطهارة.GC 194.1
واستيقظ اهتمام الناس بالحقائق التي علَّم بها، وتقاطروا افواجا لكي يستمعوا اليه . وكثيرون ممن كانوا قد انقطعوا عن حضور الخدمة عاد وا ليسمعوه. وقد بدأ خدمته بفتح الاناجيل وقراءتها وشرحها لسامعيه، مفسرا للشعب كلمة الوحي الالهي عن حياة المسيح وتعاليمه وموته . وفي زيوريخ كما في اينسيدلن أعلن للشعب كلمة الله كالمرجع الوحيد المعصوم، وموت المسيح كالذبيحة الوحيدة الكاملة . قال: ”اني اريد ان ارشدكم الى المسيح، المسيح الحقيقي نبع الخلاص الحقيقي“ (١٢٥). وقد تجمهر الشعب من كل الطبقات حول ذلك الواعظ، من رجال السياسة والعلم، والصناع والتلاميذ والفلاحين . وكانوا يصغون الى كلامه باهتمام عظيم . ولم يكتف باعلان هبة الخلاص المجاني بل بكل شجاعة وبخ الشرور والمفاسد التي كانت متفشية في ذلك العصر . وقد عاد كثيرون من الكاتدرائية مسبحين الله قائلين: ”ان هذا الرجل يعظ بكلمة الحق. انه سيكون كموسى فيخرجنا من ظلمة مصر الداجية هذه“ (١٢٦).GC 194.2
ولكن مع ان الناس قبلوا كلامه في بادئ الامر قبولا حسنا وبحماسة شديدة ف قد بدأت المقاومات بعد ذلك، إذ انبرى الرهبان لتعطيل عمله وشجب تعاليمه. وهاجمه كثيرون بالسخرية والتهكم، وآخرون لجأوا الى الوقاحة والتهديد. لكنّ زوينجلي تحمل كل ذلك بصبر اذ قال: ”اذا اردنا ان نربح الاشرار الى يسوع المسيح فعلينا ان نغمض عيوننا ونغضي عن أشياء كثيرة“ (١٢٧).GC 195.1
في هذه الاثناء دخل عامل جديد لانجاح عمل الاصلاح . ذلك ان رجلا يدعي لوسيان ارسل الى زيوريخ حاملا بعض مؤلفات لوثر من قبل احد اصدقاء الايمان المصلح من مدينة بازل، اذ كان يرى ان بيع هذه الكتب سيكون وسيلة قوية لنشر النور . هذا الرجل كتب الى زوينجلي يقول: ”عليك ان تتحقق مما إذا كان حامل هذه الكتب ذا فطنة كافية ومهارة . فان كان كذلك دعه يحمل هذه الكتب من مدينة الى مدينة ومن قرية الى قرية ومن بيت الي بيت اذا لزم، واضعا مؤلفات لوثر هذه بين يدي شعب سويسرا، وعلى الخصوص شرحه للصلاة الربانية المكتوبة للشعب . فبقدر ما تفهم هذه الكتب يزداد اقبال الناس على شرائها“ (١٢٨). وهكذا دخل النور الى تلك البلاد.GC 195.2
ولكن فيما يبدأ الله بتحطيم قيود الجهالة والخرافات يعمل الشيطان جاهدا باعظم قوة ليلف الناس في أكفان الظلام وليزيد من مت انة تلك القيود . فاذ نهض رجال في كثير من الاقطار ليقدموا الى الشعب الغفران والنور بدم المسيح بدأت روما بنشاط جديد في فتح أسواقها في كل العالم المسيحي بائعة الغفران بالمال.GC 195.3
كان لكل خطيئة ثمنها؛ وقد سُمح للناس بإرتكاب الجرائم اذا كان هذا الترخيص المجاني يملأ خزانة الكنيسة بالمال . وهكذا تقدمت تانك الحركتان: احداهما تقدم غفرانا للخطايا في مقابل دفع المال، والاخرى تقدمه بالمسيح . فروما تبيح إرتكاب الخطيئة وتجعل ذلك مصدر إيراداتها، بينما المصلحون يدينون الخطيئة ويوجهون أنظار الناس وقلوبهم الى المسيح كالكفارة وصانع الخلاص.GC 196.1