سد حاجات العقل

لقد ظهر لي أنه ينبغي للوالدين الخائفي الله, بالإضافة إلى ضبطهم أولادهم, أن يدرسوا أمزجتهم وطبائعهم, ويسعوا لسد حاجاتهم. بعض الوالدين يعملون باهتمام على تأمين حاجات أولادهم الزمنية, ويقومون, بلطف وأمانة, على خدمتهم في المرض, ثم يظنون أنهم أدوا واجبهم كله. ولكنهم في هذا مخطئون, إذ ليس ذلك سوى بداية عملهم. ينبغي الإهتمام بحاجات العقل, وأن تقديم العلاجات المناسبة لتشفي عقلا معطوبا انما يقتضي حذقا ومهارة.CCA 415.1

يجابه الأولاد من المصاعب ما يضاهي في صعوبة احتماله وفظاعة نوعه تلك التي يجابهها الأكبر منهم سنا. والوالدون أنفسهم لا يكون لهم الشعور نفسه في كل الأوقات, بل أحيانا كثيرة ترتبك عقولهم, ويعملون في ظل آراء ومشاعر مغلوطة. يصدمهم الشيطان فيذعنون لتجاربه. يتكلمون بإنفعال, وبطريقة تثير السخط في أولادهم. وأحيانا يكونون متشددين في طلبهم ونكدين. والأولاد المساكين يتشربون الروح عينها, ليس عند والديهم استعداد لمساعدتهم, لأنهم كانوا هم سبب الإضطراب. أحيانا يبدو كل شيء في غير محله, فالنكد عام, والكل في تعاسة وشقاء. ينحون باللائمة على أولادهم, ويعتبرونهم غير طائعين بالمرة, وصعبي المراس جدا, وأردأ أولاد في العالم, بينما فيهم هم يكمن سبب الإنزعاج.CCA 415.2

بعض الوالدين يثيرون كثيرا من المخاصمات العاصفة بسبب افتقارهم إلى ضبط النفس. فهم, بدلا من أن يسألوا الأولاد, بلطف, أن يفعلوا هذا الشيء أوذاك, يلقون عليهم الأوامر بلهجة الإنتهار, وفي الوقت نفسه تنطلق من شفاههم ما لا يستحقه الأولاد من عبارات التقريع والتعنيف. ان هذا المسلك الذي تنتهجونه, أيها الوالدون, نحو اولادكم يقضي على انشراحهم وطموحهم. انهم يفعلون ما تأمرونهم به, لا عن محبة, بل لأنهم لا يجرؤون على فعل غير ذلك. قلبهم ليس في الأمر, فهو عناء عوضا عن أن يكون مسرة, هذا ما يدفعهم, أحيانا كثيرة, إلى نسيان العمل بإرشاداتكم, الأمر الذي يزيد من انفعالكم, كما يزيد حالتهم سوءا, فتتكرر المعابة, وأمامهم يعرض سلوكهم الرديء.CCA 416.1

لا تدعوا أولادكم يرونكم عابسي الوجوه. ان هم استسلموا للتجربة, ثم أدركوا ذلك فيما بعد وتابوا عن خطئهم فاغفروا لهم برحابة, كما ترغبون في أن يغفر لكم أبوكم السماوي. علموهم بلطف, وضموهم إلى قلوبكم, فهم وقت عصيب على الأولاد. ستكتنفهم تأثيرت لتفطمهم منكم, فيجب أن تكافحوها. علموهم أن يجعلوا منكم موضع ثقتكم دعوهم يكاشفونكم بمصاعبهم ومباهجهم, فإنكم, بتشجيعكم ذلك فيهم, ستخلصونهم من اشراك كثيرة قد نصبها الشيطان لأجلهم الغرة. لا تعالملوا أولادكم بعبوسة, ناسين طفولتكم , وناسين أنهم ليسوا سوى أطفال. لا تتوقعوا منهم الكمال, أو تحاولوا أن تجعلوا منهم رجالا ونساء بأفعالهم في الحلال. ان أنتم فعلتم ذلك أغلقتم الباب الذي منه تدخلون إلى نفوسهم, ودفعتموهم إلى فتح باب للتأثيرات المضرة, ليسمم أخرون عقولهم الفضة قبل أن تتنبهوا للخطر المحيق بهم.CCA 416.2