Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents

الأنبياء والملوك

 - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    الفصل الثامن— الارتداد القومي

    منذ اليوم الذي مات فيه يربعام إلى اليوم الذي تراءى فيه إيليا لآخاب ظلّ شعب الله يعاني من انحطاط روحي مستمر. وإذ كان يحكمهم رجال لا يخافون الرب بل كانوا يشجّعون على انتشار طقوس عبادة غريبة. فإن السواد الأعظم منهم غاب واجبهم عن أنظارهم سريعاً لخدمة الله الحي واعتنقوا كثيراً من الممارسات الوثنية.AM 88.1

    ولم يجلس ناداب بن يربعام على العرش أكثر من شهور قليلة. وُضع بعدها حد مفاجئ لحياة الشر التي عاشها وذلك عن طريق مؤامرة دبرها بعشا أحد قادة جيشه للاستيلاء على مقاليد الحكم. وقد قُتل ناداب وكل من كان سيؤول له الحكم من عائلة الملك ”حسب كلام الرب الذي تكلم به عن يد عبده آخيا الشيلوني لأجل خطايا يربعام التي أخطأها والتي جعل بها الشعب يخطئ“ (1 ملوك 29:15، 30).AM 88.2

    وبذلك هلك بيت يربعام. لقد جلبت العبادة الوثنية التي أدخلها على المذنبين أحكام السماء وانتقامها ومع ذلك فإن الملوك الذين جاءوا بعد ذلك — بعشا، إيلة، زمري وعمري ظلّوا سائرين في طريق الشر المميت ذاته الذي استمر ما يقرب من أربعين سنة.AM 88.3

    وفي غضون الجانب الأكبر من زمن الارتداد كان آسا ملكاً على مملكة يهوذا. ولمدى سنين طويلة ”عمل آسا ما هو صالح ومستقيم في عيني الرب إلهه ونزع المذابح الغريبة والمرتفعات وكسر التماثيل وقطع السواري. وقال ليهوذا أن يطلبوا الرب إله آبائهم وأن يعملوا حسب الشريعة والوصية. ونزع من كل مدن يهوذا المرتفعات وتماثيل الشمس واستراحت المملكة أمامه“ ( 2 أخبار الأيام 2:14 — 5).AM 89.1

    وقد امتُحن إيمان آسا امتحاناً قاسياً عندما غزا مملكته ”زارح الكوشي بجيش ألف ألف، وبمركبات ثلاث مئة“ (2 أخبار الأيام 9:14). في هذه الحالة المتأزمة لم يركن آسيا إلى ”المدن الحصينة في يهوذا“ التي قد بناها ”بأسوار وأبراج وأبواب وعوارض“ ولا إلى رجال حربه الذين كانوا ”جبابرة بأس“ الذين كانوا يكوّنون جيشه المدرّب جيداً (2 أخبار الأيام 6:14 — 8). ولكن الملك اتّكل على رب الجنود الذي باسمه العجيب أُجريت حوادث نجاة عجيبة لشعبه في أيام القدم. فبعدما صفّ قواته طلب معونة الله.AM 89.2

    وقد تقابلت الجيوش المعادية الآن وجهاً لوجه. كان ذلك الوقت وقت تجربة وامتحان قاس لمن كانوا يعبدون الرب. فهل اعترفوا بكل خطاياهم؟ وهل رجال يهوذا يثقون ثقة كاملة في قوة الله على الخلاص؟ لقد خطرت مثل هذه الأفكار لعقول قادة الجيش. فمن وجهة النظر البشرية كان يظن الجيش العظيم القادم من مصر سيكتسح أمامه كل شيء. إلا أن آسا لم يسلّم نفسه للتسليات والملذّات فكان في أيام السلم يعد العدة لكل الطوارئ. كان تحت يده جيش مدرب على الحرب، وقد حاول أن يقود شعبه للمصالحة من الله. والآن مع أن جيوشه أقل عدداً من جيوش العدو فإن إيمانه بالرب الذي اتّكل عليه لم يضعف.AM 89.3

    إذ طلب الملك الرب في أيام نجاحه، أمكنه الآن الاعتماد عليه في يوم الشدة. وقد برهنت طلباته أنه لم يجهل قدرة الله العجيبة. فقد توسل إلى الرب قائلاً: ”ليس فرقاً عندك أن تساعد الكثيرين ومن ليس لهم قوة. فساعدنا أيها الرب إلهنا لأننا عليك أتّكلنا وباسمك قدمنا على هذا الجيش. أيها الرب أنت إلهنا لا يقو عليك إنسان“ (2 أخبار الأيام 11:14).AM 90.1

    صلاة آسا تناسب كل مسيحي مؤمن لكي يرفعها إلى الله. إن محاربتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع أجناد الشر الروحية في السماويات (انظر أفسس 12:6). وفي معركة الحياة علينا أن نصطدم مع قوات الشر المصطفة ضد الحق. ثم إن رجاءنا ليس في إنسان بل في الله الحي. علينا أن ننتظر بيقين الإيمان الكامل أن يوحّد الله قدرته العظيمة مع الوسائط البشرية لمجد اسمه. ونحن إذ نلبس سلاح برّه يمكننا أن ننتصر على كل عدو.AM 90.2

    وقد كوفئ إيمان آسا بطريقة مميزة: ”فضرب الرب الكوشيين أمام آسا وأمام يهوذا فهرب الكوشيون. وطردهم آسا والشعب الذي معه إلى جرار وسقط من الكوشيين حتى لم يكن لهم حي لأنهم انكسروا أمام الرب وأمام جيشه“ (2 أخبار الأيام 12:14، 13).AM 90.3

    وإذا كانت جيوش يهوذا وبنيامين الظافرة عائدة إلى أورشليم: ”كان روح الله على عزريا بن عوديد فخرج للقاء آسا وقال له اسمعوا لي يا آسا وجميع يهوذا وبنيامين الرب معكم ما كنتم معه وإن طلبتموه يوجد لكم وإن تركتموه يترككم .. فتشدّدوا أنتم ولا ترتخ أيديكم لأن لعملكم أجراً“ (2 أخبار الأيام 1:15، 2، 7).AM 90.4

    فإذ تشجع آسا كثيراً حين سمع هذا الكلام تقدّم للقيام بإصلاح ثان في يهوذا. فقد ”نزع الرجاسات من كل أرض يهوذا وبنيامين ومن المدن التي أخذها من جبل إفرايم وجدد مذبح الرب الذي أمام رواق الرب“.AM 91.1

    وجمع كل يهوذا وبنيامين والغرباء معهم من إفرايم ومنسى ومن شمعون لأنهم سقطوا إليه من إسرائيل بكثرة حين رأوا أن الرب إلهه معه. فاجتمعوا في أورشليم في الشهر الثالث في السنة الخامسة عشر من ملك آسا وذبحوا للرب في ذلك اليوم من الغنيمة التي جلبوا سبع مئة من البقر وسبعة آلاف من الضأن. ودخلوا في عهد أن يطلبوا الرب إله آبائهم بكل قلوبهم وكل أنفسهم“ ”فوجد لهم وأراحهم الرب من كل جهة“ (2 أخبار الأيام 8:15 — 12،15).AM 91.2

    إلا أن تاريخ الملك آسا الطويل الحافل بالخدمة الأمينة شوّهته بعض الأخطاء التي ارتكبها عندما لم يضع ثقته الكاملة في الله. ففي ذات المرات عندما دخل ملك إسرائيل مملكة يهوذا وأخذ مدينة الرامة المحصّنة التي لا تبعد عن أورشليم أكثر من خمسة أميال، طلب آسا النجاة بأن عقد حلفاً مع بنهدد ملك آرام. لقد وبّخ النبي حناني الملك بكل صرامة على عدم اتّكاله على الله وحده في وقت الحاجة. وقد ظهر أمامه مقدماً له هذه الرسالة:AM 91.3

    ”من أجل أنك استندت على ملك آرام ولم تستند على الرب إلهك لذلك قد نجا جيش ملك آرام من يدك. ألم يكون الكوسيون واللوبيون جيشاً كثيراً بمركبات وفرسان مثيرة جداً؟ فمن أجل أنك استندت على الرب دفعهم ليدك. لأن عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه. فقد حمقت في هذا حتى أنه من الآن تكون عليك الحروب“ (2 أخبار الأيام 7:16 -9).AM 91.4

    ولكن آسا بدلاً من أن يتّضع ويتذلّل أمام الله بسبب هذه الغلطة فإنه ”غضب على الرائي ووضعه في السجن لأنه اغتاظ منه من أجل هذا. وضايق آسا بعضاً من الشعب في ذلك الوقت“ (2 أخبار الأيام 10:16).AM 92.1

    ومرض آسا في السنة التاسعة والثلاثين من ملكه في رجليه حتى اشتد مرضه وفي مرضه أيضاً لم يطلب الرب بل الأطباء“ (2 أخبار الأيام 12:16). وبعد ذلك مات الملك في السنة الحادية والأربعين من ملكه فملك يهوشافاط ابنه عوضاً عنه.AM 92.2

    قبل موت الملك آسا بسنتين ابتدأ آخاب يملك على مملكة إسرائيل. ومنذ البداية دُمغ ملكه بارتداد غريب ورهيب. فأبوه عمري منشئ السامرة: ”عمل الشر في عيني الرب وأساء أكثر من جميع الذين قبله“ (1 ملوك 25:16). ولكن خطايا آخاب كانت أشنع من ذلك. فلقد ”زاد في العمل لإغاظة الرب أكثر من جميع الملوك الذين قبله“، ”وكأنه كان أمراً زهيداً سلوكه في خطايا يربعام بن نباط“ (1 ملوك 33:16، 31). وإذ لم يقتنع بتشجيع طقوس الخدمة الدينية التي كانت تقام في بيت إيل وفي دان فهو بكل جرأة قاد الشعب إلى أشر ضروب الوثنية باستبدال عبادة الرب بعبادة البعل.AM 92.3

    إذ اتّخذ آخاب ”إيزابل ابنه البعل ملك الصيدونيين“ ورئيس كهنة البعل، زوجة له ”عبد البعل وسجد له. وأقام مذبحاً للبعل في بيت البعل الذي بناه في السامرة“ (1 ملوك 31:16، 32).AM 92.4

    ولم يكتف آخاب بإدخال عبادة البعل إلى العاصمة لكنّه انقاد وراء إيزابل وأقام مذابح للأوثان في كثير من المرتفعات حيث اتّبع الكهنة وغيرهم ممن كانت لهم صلة بهذا الطقس الوثني المخادع، تأثيرهما الوبيل تحت ظلال الغابات المحيطة، حتى اعتنقت الغالبية العظمى من إسرائيل عبادة البعل. ”ولم يكن كآخاب الذي باع نفسه لعمل الشر في عيني الرب الذي أغوته إيزابل امرأته ورجس جداً بذهابه وراء الأصنام حسب كل ما فعل الأموريون الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل“ (1 ملوك 25:21، 26).AM 92.5

    كان آخاب ضعيفاً أدبياً. وقد نتج عن زواجه بامرأة وثنية ذات خلق عنيد وطبع حاد كوارث شديدة عليه وعلى الأمة. فإذ كان رجلاً بلا مبدأ، ولم يكن أمامه مقياس سام لعمل الحق، أمكن صوغ خلقه بسهولة عن طريق روح إيزابل العنيدة. ولم تستطع طبيعته الأنانية أن تقدّر مراحم الله لشعبه أو التزاماته كحارس وقائد للشعب المختار.AM 93.1

    قد ضل الشعب بعيداً عن الإله الحي تحت تأثير حكم آخاب الفاسد. كما فقدوا الإحساس بالوقار والرهبة المقدسة لسنوات طويلة. كان يبدو أنه لا يوجد من يجرؤ على كشف تصرفاتهم المشينة مجاهرة بالوقوف ضد التجديف المتفشّي في الأمة. لقد خيّم ظلام الارتداد في كل مكان وغشي وجه الأرض. فكانت تُرى تماثيل للبعليم وعشتروت منصوبة في كل مكان. وتكاثرت هياكل الأوثان والغياض المكرسة لها حيث كان الناس يسجدون لما صنعته أيديهم. وتلوث الهواء من دخان المحرقات المقدمة للآلهة الكاذبة. كما رددت التلال والوديان صدى صيحات كهنة الأوثان السكارى الذين كانوا يذبحون للشمس والقمر والنجوم.AM 93.2

    وتعلم الشعب بواسطة تأثير إيزابل وكهنتها الملحدين أن الأوثان التي أقيمت هي آلهة تحكم بقوتها السرية الغامضة على عناصر الأرض والنار والماء. وقد نسبت كل هبات السماء من جداول المياه الجارية، وينابيع المياه الحية وقطرات الندى الرقيقة، وسيول الأمطار التي تحيي الأرض وتجعل الحقول تجود بالثمار الوفيرة إلى رضى البعل وعشتروت بدلاً من أن تنسب إلى الله مصدر كل عطية صالحة وموهبة تامة. ونسي أن التلال والأودية والأنهار وينابيع المياه التي هي ملك الله الحي، وأنه هو المتسلّط على الشمس وسحب السماء وقوى الطبيعة.AM 93.3

    لقد أرسل الرب إنذارات متكررة إلى الملك وشعبه المرتدين بواسطة رسله الأمناء إلا أنها ذهبت كلها عبثاً. كما ذهبت تأكيدات الرسل الملهمين، على حق الرب أن يكون هو الإله الأوحد بين شعبه، هدراً. وعبثاَ أيضاً عظموا الشرائع التي قد ائتمنهم الله عليها. فإذ استأسرت المظاهر الجميلة والطقوس الفاتنة الخاصة بعبادة الأوثان ألباب الشعب فقد اتّبعوا مثال مليكهم ورجال البلاط واستسلموا بالتمام لملذات العبادة الشهوانية النجسة. واختاروا في حماقتهم العمياء أن يرفضوا الله وعبادته. فالنور الذي منحهم الله إياه تكرماً منه صار ظلاماً. واكدر الذهب.AM 94.1

    واآسفاه، كيف رحل مجد شعب الله، ذلك الشعب الذي لم يسبق أن سقط في هاوية الارتداد السحيق إلى هذا الحد. كان يوجد أربع مئة وخمسون من ”أنبياء البعل“ فضلاً عن ”أنبياء السواري“ البالغ عددهم أربع مئة (1 ملوك 19:18).AM 94.2

    ولم يكن يمكن لأية قوة أقل من قوة الله المعجزية أن تحفظ الأمة من الهلاك التام. لقد انفصل شعب الله بمحض اختيارهم عن الرب، ومع ذلك فالرب في رحمته كان مازال يتوق لرجوع من ضلّوا في طريق الخطيئة. كان مزمعاً أن يرسل إليهم واحداً من أقوى أنبيائه ليعود كثيراُ بواسطته إلى سابق ولائهم لإله آبائهم.AM 94.3

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents