حسنات الريف

لو أن الفقراء الذين تزدحم بهم المدن الآن استطاعوا أن يجدوا لهم بيوتاً في الريف فإنهم فضلاً عن كونهم يكسبون رزقهم سيجدون من الصحة والسعادة ما لم يكونوا يعرفون . قد يكون من نصيبهم العمل المضني و الأجر الضئيل والتقتير وأحياناً المشقات والحرمان والفاقة، ولكن ما أعظم البركة التي يحصلون عليها حين يتركون المدينة ومغرياتها على عمل الشر وضحتها وجرائمها ومشقاتها وقذارتها ليذهبوا إلى الرقة حيث يتوفر لهم الهدوء والسلام والطهارة !KS 113.2

فبالنسبة إلى كثيرين ممن يعيشون في المدن ولا يجدون بقعة صغيرة بها عشب أخضر ليضعوا أقدامهم عليها، والذين من عام إلى عام لا يقع نظرهم إلا على الأقنية القذرة والأزقة الضيقة والجدران والطرق المصنوعة من الطوب، والسماء المنعقدة فيها سحب الغبار والدخان - لو أمكن أن يُنقل هؤلاء إلى إقليم زراعي تحيط به الحقول الخضراء والغابات والتلال وجداول المياه والسماء الصافية وهوام الريف التقي البدا ذلك أقرب ما يكون شبهاً بالسماء.KS 113.3

إنهم إذ يكونوا منقطعين إلى حد كبير عن الاتصال بالناس والاعتماد عليهم ، و منفصلين عن مقاييس العالم المفسدة وعاداته وعوامله المثيرة فإنه يصيرون أقرب إلى قلب الطبيعة. بحضور الله يصير أكثر واقعية لهم. وكثيرون يعملون درس الاعتماد عليه. وفي الطبيعة قد يسمعون صوته يتحدث إليهم مخاطبا قلوبهم بسلامه ومحبته، فتستجيب عقولهم وطقوسهم وأجسادهم إلى قوته الشافية المانحة الحياة.KS 113.4

إن كثيرين من الناس، لكي يصيروا موجودين وقادرين على إعالة أنفسهم، ينبغي أن يحصلوا على المساعدة والتشجيع والتعليم . يوجد كثير من العائلات الفقيرة الذين أفضل عمل كريزي يعمل لهم هو مساعدتهم على السكنى في الأرض وتعلم الكيفية التي بها يجعلون الأرض تنتج ما يكفي لإعالتهم.KS 114.1

إن الحاجة إلى مثل هذه المساعدة وهذا التعليم ليست قاصرة على المدن . فحتى في الريف بكل ما فيه من إمكانيات لحياة أفضل كثيرون من الفقراء هم في عوز شديد. وتوجد جماعات بأكملها محرومة من التعليم في المجالات الصناعية والصحية، كما توجد عائلات تسكن في أكواخ تكاد تكون خالية من الأثاث والملابس، ولا عدد عندهم ولا كتب ، وهم محرومون من التجمعات ووسائل الراحة ومن وسائل التهذيب أيضاً. فالنفوس التي انحدرت إلى درجة البهائم و الأجسام الضعيفة المشوهة تكشف عن نتائج الشر الموروث والعادات الخاطئة. هؤلاء الناس ينبغي تعليمهم من الأساس. لقد عاشوا حياة عديمة الحيلة والتدبير، حياة خاملة وفاسدة، وهم بحاجة إلى أن يتدربوا على العادات الصحيحة.KS 114.2

ولكن كيف يمكن إيقاظه إلى ضرورة التحسين والإصلاح ؟ وكيف يمكن توجيههم إلى مثل أعلى للحياة؟ وكيف يمكن مساعدتهم على النهوض ؟ وما الذي يمكن عمله حيث يتفشى الفقر الذي يجب مقاومته في كل خطوة * لا شك أنه عمل شاق . إن الإصلاح اللازم لن يتم ما لم تأت إلى الرجال والنساء مساعدة من قوة خارجة عنهم ، إن قصد الله هو أن يرتبط الأغنياء والفقراء معا بروابط وثيقة من العطف والعون . فعلى من عندهم وسائل ومواهب أن يستخدموا هذه الهبات في مباركة إخوتهم في الإنسانية.KS 114.3