Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents

المُعلّم الأعظم

 - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    ١٤ - « أفـلا يُنصِف اللَّه مخـتَاريه؟»

    (يعتمد هذا الفصل على ما جاء في لوقا ١٨: ١-٨).

    كان المسيح يتكلم عن الفترة التي تسبق مجيئه الثاني حالا وعن المخاطر المزمع أن يمر فيها شعبه. فإذ أشار إلى ذلك الوقت إشارة خاصة قدم لهم مثلا « فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ » (لوقا ١٨: ١).COLAr 149.1

    قال: « كَانَ فِي مَدِينَةٍ قَاضٍ لاَ يَخَافُ اللهَ وَلاَ يَهَابُ إِنْسَانًا. وَكَانَ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَرْمَلَةٌ. وَكَانَتْ تَأْتِي إِلَيْهِ قَائِلَةً: أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي! وَكَانَ لاَ يَشَاءُ إِلَى زَمَانٍ. وَلكِنْ بَعْدَ ذلِكَ قَالَ فِي نَفْسِهِ: وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ اللهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَانًا، فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي! وَقَالَ الرَّبُّ: اسْمَعُوا مَا يَقُولُ قَاضِي الظُّلْمِ. أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُم سَرِيعًا » (لوقا ١٨: ٢-٨).COLAr 149.2

    إنّ القاضي الموصوف هنا كان لا يكترث للعدل ولا يعطف على المتألمين. فالأرملة التي كانت تلح عليه بقضيتها كانت تُصدُّ بكل إصرار. وقد أتت إليه مرارا وتكرارا وفى كلّ مّرة كانت تُعامل بالازدراء وتُطرَد من أمام كرسي القضاء. كان القاضي يعلم أن دعواها عادلة وكان يستطيع أن ينصفها في الحال ولكنه لم يشأ ذلك. لقد أراد أن يبرهن على تعسّفه وجبروته، وقد سرّه أن يراها تسأل وتترافع وتتوسل عبثا. ولكنها لم تفشل ولم تيأس. فبالرغم من عدم اكتراثه وقساوة قلبه فقد ألحّت عارضة أمرها إلى أن رضي القاضي بأن ينظر في قضيتها إذ قال: « وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَخَافُ اللهَ وَلاَ أَهَابُ إِنْسَانًا، فَإِنِّي لأَجْلِ أَنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ تُزْعِجُنِي، أُنْصِفُهَا، لِئَلاَّ تَأْتِيَ دَائِمًا فَتَقْمَعَنِي » فإبقاء على سمعته وحتى لا يشاع أمر محاباته وتحيّزه في حكمه أنصف تلك المرأة المثابرة.COLAr 149.3

    « وقال الرب اسمعوا ما يقول قاضي الظلم. « أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا». إنّ المسيح هنا يرسم صورة التباين الحاد بين قاضي الظلم والله. فالقاضي أجاب الأرملة إلى طلبها مدفوعا بدافع الأنانية فقط حتى يستريح من إلحاحها. لم يكن يحسّ نحـوها بأية رأفـة أو رحمـة، ولم يكن يكترث لبؤسـها وشقائـها. إنّ الله يلتفت إلى توسـلات الفقـراء والمتضـايقين برحمتـه اللامحـدودة.COLAr 150.1

    إنّ الأرملة التي توسلت إلى القاضي لينصفها كانت قد ثـُكلت رجلها. فإذ كانت فقيرة وبلا صديق لم تكن لديها وسيلة بها تسترد أملاكها وأموالها الضائعة. وهكذا فإنّ الإنسان قد قطع صلته بالله بسبب الخطية. وهو من نفسه لا يملك وسيلة للخلاص. ولكنّ لنا في المسيح قدوما إلى الآب. إنّ مختاريّ الله أعزاء على قلبه. إنهم أولئك الذين دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب لمدح مجده ليضيئوا كأنوار في ظلمة العالم. إنّ قاضي الظلم لم يبدِ أيّ اهتمام خاص بالأرملة التي كانت تلحّ عليه في طلب الخلاص، ومع ذلك فلكي يتخلص من توسلاتها المحزنة استمع لحجتها وأنقذها من خصمها. ولكنّ الله يحبّ أولاده محبة لا نهائية. فبالنسبة إليه فإن أعز شيء لديه على الأرض هو كنيسته.COLAr 150.2

    « إِنَّ قِسْمَ الرَّبِّ هُوَ شَعْبُهُ. يَعْقُوبُ حَبْلُ نَصِيبِهِ. وَجَدَهُ فِي أَرْضِ قَفْرٍ، وَفِي خَلاَءٍ مُسْتَوْحِشٍ خَرِبٍ. أَحَاطَ بِهِ وَلاَحَظَهُ وَصَانَهُ كَحَدَقَةِ عَيْنِهِ » (تثنيه ٣٢: ٩، ١٠). « لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: بَعْدَ الْمَجْدِ أَرْسَلَنِي إِلَى الأُمَمِ الَّذِينَ سَلَبُوكُمْ، لأَنَّهُ مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ » (زكريا ٢: ٨). COLAr 151.1

    إنّ طلبة الأرملة القائلة: انتقم لي. « أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي » تُصَوِّر لنا صلاة أولاد الله. فالشـيطان هو خصمهم العظيـم. وهو « الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا » الذي يشتكى عليهم أمام الله نهارا وليلا (رؤيا ١٢: ١٠). إنّه دائب أبدا على التحريف والشكوى وعلى خداع شعب الله وإهلاكهم. والمسيح في هذا المثل يعلّم تلاميذه أن يصلّوا لكي ينجوا من سلطان الشيطان وأعوانه.COLAr 151.2

    في نبوة زكريا ينكشف أمام أنظارنا عمل الشيطان في الشكوى وعمل المسيح في مقاومة خصم شعبه، فيقول النبي: « وَأَرَانِي يَهُوشَعَ الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ قَائِمًا قُدَّامَ مَلاَكِ الرَّبِّ، وَالشَّيْطَانُ قَائِمٌ عَنْ يَمِينِهِ لِيُقَاوِمَهُ. الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: « لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ! لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ! أَفَلَيْسَ هذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ؟ وَكَانَ يَهُوشَعُ لاَبِسًا ثِيَابًا قَذِرَةً وَوَاقِفًا قُدَّامَ الْمَلاَكِ » (زكريا ٣: ١-٣).COLAr 151.3

    إنّ أولاد الله ممثلون هنا بمجرم يحاكم. إنّ يهوشع بصفته الكاهن العظيم يطلب بركة لشعبه الذين هم في محنة قاسية. وفى حين هو واقف ليتوسل أمام الله يقف الشيطان عن يمينه كخصمه. فهو يشتكي على أولاد الله ويجعل قضيتهم تبدو ميئوسا منها بقدر المستطاع. وهو يعرض أمام الله شرورهم ونقائصهم، وهو يعرض أخطاءهم وفشلهم على أمل أن يظهروا أمام المسيح في صفات تجعل من المستحيل عليه أن يقدم لهم عونا في حاجتهم الشديدة. ويهوشع كالنائب عن شعب الله يقف تحت الدينونة إذ انّه يلبس ثيابا قذرة. فإذ هو عالم بخطايا شعبه يقف مثقّلا باليأس. والشيطان يضغط على نفسه بالشعور بالإثم الذي يجعله يحسّ وكأنّ لا رجاء له. ومع ذلك فهو يقف هناك متضرّعا والشيطان واقف ضده.COLAr 151.4

    إنّ عمل الشيطان كمشتكٍ بدأ في السماء. وقد كان هذا هو عمله على الأرض ولا يزال منذ سقوط الإنسان. وسيكون هو عمله بمعنى خاص عندما نقترب أكثر إلى نهاية تاريخ العالم. فإذ يرى انّه لم يبقَ له غير وقت قصير فهو سيعمل بغيرة أعظم في الإغراء والإهلاك. إنّه يغضب حين يرى على الأرض شعبا، حتى في ضعفهم وحالتهم الخاطئة يكرمون شريعة الرب. وقد عقد العزم على أن يجعلهم يعصون الله. وهو يسرّ لعدم استحقاقهم وقد أعد مكايد لكل نفس حتى يؤخذ الجميع في الأشراك وينفصلوا عن الله. إنّه يحاول أن يتهم الله ويدينه مع كل من يحاولون أن يتمموا مقاصده في هذا العالم بالرحمة والمحبة والرأفة والغفران.COLAr 152.1

    إنّ كل إعلان لقدرة الله لأجل شعبه يثير عداء الشيطان ففي كل وقت يعمل الله لصالحهم، فالشيطان وملائكته يعملون بنشاط متجدد ليحققوا هلاكهم. إنّه يغار من كل من يجعلون المسيح قوتهم. وغرضه هو التحريض على عمل الشرّ، ومتى نجح فهو يلقي كل اللوم على المجربين. يشير إلى ثيابهم القذرة وأخلاقهم الناقصة. يعرض بضعفهم وجهلهم وخطايا جحودهم وعدم تشبههم بالمسيح التي جلبت العار على فاديهم. إنّه يلح بكل هذا كحجة تبرهن على أنّ له الحق في عمل مشيئته لهلاكهم. وهو يحاول أن يرعب نفوسهم بفكرة كون قضيتهم ميئوسا منها وأنّ لطخة نجاستهم لا يمكن محوها. وهكذا يحاول أن يدمر إيمانهم حتى يخضعوا لتجاربه خضوعا كاملا ويرتدوا عن ولائهم لله.COLAr 153.1

    ولا يستطيع شعب الرب من ذواتهم أن يجيبوا على اتهامات الشيطان. فإذ ينظرون إلى نفوسهم يوشكون على اليأس. ولكنهم يلجأون إلى الشفيع الإلهي. ويتوسلون باستحقـاقات الفادي. فالله يمكن أن يكون « بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ » (رومية ٣: ٢٦) فيصرخ أولاد الرب إليه بثقة ليســكتوا اتهـامات الشيطـان ويخيّبوا مكايده. فيصلـون: « أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي ». وبحجة الصليب القوية يبكم المسيح ذلك المشتكي الجسور.COLAr 153.2

    « فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ! لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ! أَفَلَيْسَ هذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ؟ » وعندما يحاول أن يلف شعب الله بالسواد ويهلكهم يتدخّل المسيح. فَمَعَ أَنَّهم أخطأوا فالمسيح حمل جرم خطاياهم على نفسه. لقد انتشل جنسنا كشعلة من النار. إنه مرتبط بالإنسان بطبيعته البشرية، في حين أنّه عن طريق طبيعته الإلهية هو واحد مع الإله السرمدي. وحينئذ يصير العون في متناول النفوس الهالكة. لقد انتُهر الخصم.COLAr 154.1

    « وَكَانَ يَهُوشَعُ لاَبِسًا ثِيَابًا قَذِرَةً وَوَاقِفًا قُدَّامَ الْمَلاَكِ. فَأَجَابَ وَكَلَّمَ الْوَاقِفِينَ قُدَّامَهُ قَائِلاً: انْزِعُوا عَنْهُ الثِّيَابَ الْقَذِرَةَ. وَقَالَ لَهُ: انْظُرْ. قَدْ أَذْهَبْتُ عَنْكَ إِثْمَكَ، وَأُلْبِسُكَ ثِيَابًا مُزَخْرَفَةً. فَقُلْتُ: لِيَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَةً طَاهِرَةً. فَوَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ الْعِمَامَةَ الطَّاهِرَةَ، وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابًا. » وحينئذ فبسلطان رب الجنود عاهد الملاك يهوشع النائب عن شعب الله قائلا: « إِنْ سَلَكْتَ فِي طُرُقِي، وَإِنْ حَفِظْتَ شَعَائِرِي، فَأَنْتَ أَيْضًا تَدِينُ بَيْتِي، وَتُحَافِظُ أَيْضًا عَلَى دِيَارِي، وَأُعْطِيكَ مَسَالِكَ بَيْنَ هؤُلاَءِ الْوَاقِفِينَ » — أي بين الملائكة المحيطين بعرش الله (زكريا ٣: ٣-٧).COLAr 154.2

    فبالرغم من نقائص شعب الله لا يحوّل المسيح وجهه عمّن هم موضوع رعايته. إنّ له السلطان على أن يبدّل ثيابهم. فهو ينزع الملابس القذرة ويلبس التائبين المؤمنين ثوب برّه ويكتب في أسفار السماء كلمة الغفران أمام أسمائهم. وهو يعترف بهم أنّهم خاصته أمام مسكونة السماء. ويرى الشيطان خصمهم بأنّه مشتك ومخادع. والله ينصف مختاريه.COLAr 154.3

    إنّ الطلبة التي تقول: « أَنْصِفْنِي مِنْ خَصْمِي » لا تنطبق على الشيطان وحده بل على أعوانه الذين يحرّضهم على تشويه سمعة شعب الله وتجريبهم وإهلاكهم. إنّ من قد عقدوا العزم على إطاعة وصايا الله يدركون بالاختبار أنّ لهم خصوما تسيطر عليهم قوة جهنمية. مثل هؤلاء الخصوم يحدقون بالمسيح عند كل خطوة، ولا يمكن لأي كائن بشري أن يعرف بأي مداومة وإصرار يفعلون ذلك. وتلاميذ المسيح مثل سيدهم تتعقبهم التجارب باستمرار.COLAr 155.1

    إنّ الكتاب المُقَدَّس يصف حالة العالم قبل مجيء المسيح الثاني مباشرة. فهـا هو يعقـوب الرسـول يصـور الطمـع والظلـم اللـذين سيتفشّيان، فيقول: « هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ ... قَدْ كَنَزْتُمْ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ. هُوَذَا أُجْرَةُ الْفَعَلَةِ الَّذِينَ حَصَدُوا حُقُولَكُمُ، الْمَبْخُوسَةُ مِنْكُمْ تَصْرُخُ، وَصِيَاحُ الْحَصَّادِينَ قَدْ دَخَلَ إِلَى أُذْنَيْ رَبِّ الْجُنُودِ. قَدْ تَرَفَّهْتُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَتَنَعَّمْتُمْ وَرَبَّيْتُمْ قُلُوبَكُمْ، كَمَا فِي يَوْمِ الذَّبْحِ. حَكَمْتُمْ عَلَى الْبَارِّ. قَتَلْتُمُوهُ. لاَ يُقَاوِمُكُمْ » ( يعقوب ٥: ١-٦). هذه صورة لما هو موجود اليوم. فالناس يكوّمون ثروات طائلة مستعينين في ذلك بكل دروب الظلم والاغتصاب، في حين أن صرخات الإنسانية الجائعة تصعد أمام الله.COLAr 155.2

    « ارْتَدَّ الْحَقُّ إِلَى الْوَرَاءِ، وَالْعَدْلُ يَقِفُ بَعِيدًا. لأَنَّ الصِّدْقَ سَقَطَ فِي الشَّارِعِ، وَالاسْتِقَامَةَ لاَ تَسْتَطِيعُ الدُّخُولَ. وَصَارَ الصِّدْقُ مَعْدُومًا، وَالْحَائِدُ عَنِ الشَّرِّ يُسْلَبُ » (إِشَعْيَاء ٥٩: ١٤، ١٥). ولقد تمّ هذا في حياة المسيح على الأرض. لقد كان أمينا لوصايا الله، وطرح تقاليد الناس جانبا والمطالب التي كانت قد رُفعت فوق شريعة الله حتى احتلّت مكانها. فمن أجل هذا أبغضوه واضطهدوه. وهذا التاريخ يعيد نفسه. فشرائع الناس وتقاليدهم ممجدة فوق شريعـة الله، والذين هم أمناء لوصايا الله يحتملون العار والاضطهـاد. والمسـيح بسـبب أمـانته لله أتُّهم بكســر السـبت والتجديف. وقد أُشيع عنه بأنّ به شيطـانا ونُبِذ كمن هو بعلـزبول. وبمثل هذه الكيفية يتهم أتباعه وتشوّه سمعتهم. وهكذا يحاول الشيطان أن يجتذبهم إلى الخطية فيجلل اسم الله بالعار.COLAr 155.3

    إنّ خُلق القاضي المذكور في المَثَل الذي كان لا يخاف الله ولا يهاب إنسانا قدمه المسيح ليرينا نوع الحكم الذي كان سائدا آنئذٍ، وهو نفس ما كان مزمعا أن يُشاهَد عند محاكمته. وهو يريد أن يدرك شعبه في كل عصر انّه ينبغي لهم ألاّ يركنوا إلى الحكام أو القضاة الأرضيين في يوم البلية. وكثيرا ما يلتزم شعب الله الوقوف أمام رجال يشغلون مراكز رسمية، ولكنهم لا يسترشدون بكلمة الله ولا يتخذونها دليلا لهم ولكنّهم يتبعون نزعاتهم غير المقدسة وغير المهذبة.COLAr 156.1

    وفى مثل قاضي الظلم أبان المسيح ما ينبغي لنا أن نفعله: « أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلاً؟ » إنّ المسيح مثالنا لم بفعل شيئا ليزكّي نفسه أو يخلّصها. لقد وضع قضيته بين يدي الله. وكذلك ينبغي لتلاميذه ألا يشتكوا أو يدينوا أحدا أو أن يلجأوا إلى العنف لكي يخلّصوا أنفسهم.COLAr 156.2

    وعندما تثور التجارب التي يبدو أنّه لا يمكن تفسيرها فينبغي ألا يضطرب سلامنا. فمهما يكن الظلم الذي نعامل به فلا يُثر غضبنا. فإننا إذ نضمر روح الانتقام نضرّ أنفسنا. ونحن ندمر ثقتنا بالله ونحزن الرُّوح الْقُدُس. فيوجد إلى جانبنا شاهد، رسول سماوي يرفع لأجلنا راية في وجه العدو. وهو سيحيطنا بأشعة شمس البر المشرقة. والشيطان لا يستطيع أن يتجاوز هذا الحدّ. إنّه لا يقدر أن يتعدى هذا الترس، ترس النور المقدس.COLAr 156.3

    وفى حين أنّ العالم يوغل في الشر فلا ينبغي أن نخدع أنفسنا قائلين أنه لن تواجهنا متاعب. إن نفس هذه المشقات وهذه المتاعب هي التي تدخلنا إلى حيث العلي. ويمكننا أن نطلب المشورة من ذاك الذي لا حد لحكمته.COLAr 157.1

    يقول الرب: « ادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ » (مزمور ٥٠: ١٥). وهو يدعونا لأن نتقدم إليه بمشكلاتنا واحتياجاتنا وحاجتنا إلى العون الإلهي. إنّه يأمرنا بأن نواظب على الصلاة. فحالما تبرز أمامنا الصعوبات علينا أن نقدّم له طلباتنا الخالصة الجدية. إذ بصلواتنا اللجوجة نبرهن على ثقتنا القوية بالله. إنّ الشعور بحاجتنا يسوقنا إلى الصلاة بلجاجة وغيرة. وأبونا السماوي يتأثر بتضرعاتنا.COLAr 157.2

    كثيرا ما يحدث أن الذين يُعيّرون أو يُضطهدون لأجل إيمانهم يجربون لأن يظنوا بأن الله قد تركهم. إنّهم في نظر الناس أقليّة. وكل الظواهر تدل على أن أعداءهم سينتصرون عليهم. ولكن ينبغي لهم ألاّ يخالفوا ضمائرهم. فذاك الذي قد تألم لأجلهم وحمل أحزانهم وأوجاعهم لن يتركهم.COLAr 157.3

    إنّ أولاد الله غير متروكين أو بدون حماية. الصلاة تحرك ذراع الله القادر على كل شيء. فهم بالصلاة « قَهَرُوا مَمَالِكَ، صَنَعُوا بِرًّا، نَالُوا مَوَاعِيدَ، سَدُّوا أَفْوَاهَ أُسُودٍ، أَطْفَأُوا قُوَّةَ النَّارِ » — وسـنعرف ماذا يعنى هذا عندما نسمع أخبـــار الشـــهداء الذين مــاتوا لأجــل إيمـــانـهم — « هَزَمُوا جُيُوشَ غُرَبَاءَ » (عبرانيين ١١: ٣٣، ٣٤). COLAr 157.4

    وإذا سلمنا حياتنا لخدمته فلن نوضع في مركز لم يعدّ لنا الرب فيه كلّ معونة وإمداد. فأيّا يكن وضعنا فإنّ لنا مرشدا يهدي خطواتنا، ومهما تكن مشاكلنا فإن لنا مشيرا أمينا، ومهما يكن حزننا أو حرماننا أو وحشتنا فإنّ لنا صديقـا عطـوفا. وإذ كنا في جهلنـا نضـلّ فالمسـيح لا يتركنـا. إنّ صوته الصريح الواضــح يســـمع قــائلا : « أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ » (يوحـنا ١٤: ٦). « لأَنَّهُ يُنَجِّي الْفَقِيرَ الْمُسْتَغِيثَ، وَالْمِسْكِينَ إِذْ لاَ مُعِينَ لَهُ » (مزمور ٧٢: ١٢).COLAr 158.1

    والرب يعلن أنّ الذين يقتربون منه ويخدمونه بأمانة يُكرمون. « ذُو الرَّأْيِ الْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِمًا سَالِمًا، لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ » (إِشَعْيَاء ٢٦: ٣). إنّ ذراع القدرة ممدودة لتقودنا إلى الأمام باستمرار. يقول الرب: تقدموا، فسأرسل لكم العون. فلأجل مجد اسمي تسألون فتأخذون. وسأتمجد أمام من يتوقعون فشلكم. وسيرون كلمتي تنتصر بمجد عظيم: « كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلاَةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ » (متى ٢١: ٢٢).COLAr 158.2

    فليصرخ إلى الله المتضايقون أو المظلومون. تحولوا عن الذين قلوبهم قُدّت من فولاذ ولتُعلم طلباتُكم لدى خالقكم. لن يخيب أبدا من يأتي إليه بقلب منسحق. ولا يمكن أن تضيع أي صلاة مخلصة. ففي وسط تسبيحات أجواق السماويين يسمع الله صرخات أضعف إنسان. إننّا نسكب أشواق قلوبنا في مخادعنا، وننطق بالصلاة ونحن سائرون في طريقنا فتصل صلواتنا إلى عرش ملك الكون. قد لا تسمعها أذن بشرّية ولكنها لا يمكن أن تتلاشى في السكون ولا يمكن أن تضيع في غمرة نشاط الأعمال التي تُعمل. ولا يمكن لشيء أن يغرق في أشواق النفس. إنّها ترتفع فوق ضجيج الشارع وضوضائه وفوق شغب الجموع إلى ديار السماء. إننا نتحدث إلى الله وصلاتنا تُسمع.COLAr 159.1

    أنتم يا من تحسون بأنكم أقل الناس استحقاقا لا تخافوا من أن تسلموا قضيتكم إلى الله. إنّه عندما بذل نفسه في شخص المسيح لأجل خطية العالم أخذ على عاتقه قضية كل نفس، « اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟ » (رومية ٨: ٣٢). أفلا يفي بكلمته الرحيمة التي أعطاها لنا لأجل تشجيعنا وتقويتنا؟COLAr 159.2

    إنّ المسيح لا يشتاق إلى شيء قدر اشتياقه لافتداء ميراثه من سلطان الشيطان. ولكن قبل ما نتحرر من قوة الشيطان الخارجية يجب أن نتحرر من قوته في داخلنا. إنّ الرب يسمح بوقوع التجارب علينا لكي نتطهر من التعلّق بالأرضيات والأنانية والصفات الفظّة التي لا تمت إلى المسيح. إنه يسمح بمياه الضيقات العميقة بأن تطمو فوق نفوسنا لكي نعرفه ويسوع المسيح الذي أرسله حتى تنشأ في قلوبنا أشواق قلبية عميقة لنتطهر من نجاستنا ولكي نخرج من التجربة أطهر وأقدس وأسعد ممّا كنا. وفى كثير من الأحيان ندخل أتون التجربة ونفوسنا قد أظلمتها الأنانية، ولكن إذا كنا نصبر على التجربة الفاحصة فسنخرج وقد انعكست على قلوبنا الصفات الإلهية. ومتى تحقق قصده من التجربة فحينئذ « يُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ » (مزمور ٣٧: ٦).COLAr 159.3

    ليس هناك خطر من الله بأن يهمل صلوات شعبه. ولكن الخطر هو أنّهم في التجارب والمحن يخورون ويخفقون في المواظبة على الصلاة.COLAr 160.1

    لقد أبدى المُخَلِّص رحمة إلهيّة للمرأة الفينيقية السورية. فقد تأثر قلبه عندما رأى حزنها. واشتاق إلى أن يمنحها تأكيدا سريعا بأن طلبتها قد سُمعت، إلاّ انّه أراد أن يعلم تلاميذه درسا، وقد بدأ لوقت قصير وكأنه قد أغضى على صرخات قلبها المُعذّب. وعندما اتضح إيمانها خاطبها بكلام المديح وأرسلها مزوّدة بالهبة الثمينة التي سألتها. ولم ينسَ التلاميذ هذا الدرس قطّ، وقد سجّل شهادة في الكتاب للتدليل على نتيجة المداومة على الصلاة.COLAr 160.2

    المسيح نفسه هو الذي أوجد في قلب تلك الأم ذلك الإصرار الذي يأبى أن يرفض. والمسيح هو الذي أعطى تلك الأرملة المتوسّلة شجاعة وتصميما أمام القاضي. والمسيح هو الذي منذ قرون مضت وفي الصراع الخفي عند مخاضة يبوق ألهم يعقوب بنفس الإيمان المثابر. هذا وإنّ الثقة التي هي من غرس يديه لم يخفق في مكافأتها.COLAr 160.3

    إنّ ذاك الساكن في القدس السماوي يقضي بالعدل والبرّ. إنّ مسرته هي بالأكثر في أفراد شعبه الذين يكافحون ضد التجربة في عالم الخطية، أكثر من جيوش الملائكة المحيطين بعرشه.COLAr 161.1

    كل مسكونة السماء تظهر أعظم اهتمام ببقعة العالم هذه لأنّ المسيح قد دفع ثمنا لا يُقدّر لجلّ نفوس سكانه. لقد ربط فادي العالم الأرض بالسماء برباط رسل السماء لأن مفديي الرب هنا. والكائنات السماوية لا تزال تزور الأرض كما في الأيام التي فيها كانوا يسيرون ويتحدثون مع إِبْرَاهِيم وموسى. ففي وسط النشاط والعمل في مدننا الكبرى، وفي وسط الجموع الذين تزدحم بهم الشوارع العامة والذين يملأون أسواق التجارة، حيث يعمل الناس من الصباح إلى المساء كما لو أن العمل والألعاب والمسرات هي كل شيء في الحياة، حيث لا يوجد غير القليلين الذين يفكرون في الحقائق غير المنظورة — حتى هنا لم يزل لدى السماء رقباؤها وقديسوها. توجد خلائق غير منظورة تراقب أقوال بني الإنسان وأعمالهم كلها. وفي كل اجتماع لأجل العمل أو المسرّات وفي كل اجتماع للعبادة يوجد مستمعون أكثر ممن تراهم العيون البشرية. وأحيانا تزيح تلك الخلائق السماوية الستار الذي يخفي العالم غير المنظور حتى تنصرف أفكارنا عن سرعة الحياة واندفاعها لنتأمل في أنه يوجد شهود غير منظورين لكل ما نفعله أو نقوله.COLAr 161.2

    إننا بحاجة إلى أن تفهم رسالة الزوار من الملائكة فهما أفضل. ويحسن بنا أن نراعي الفكرة أنه في كل عملنا نجد تعاونا ورعاية من الخلائق السماوية. إن جيوشا غير منظورة من النور والقوة تلازم الودعاء والمتواضعين الذين يؤمنون بمواعيد الله ويطالبون بها. إنّ الْكَرُوبِيم والسَّرَافِيم والملائكة المقتدرين قـوة — ربــوات ربــوات وألــوف ألــوف - يقفــون عن يمــين الله. « أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلاَصَ » (عبرانيين ١٤:١). COLAr 161.3

    هؤلاء الرسل من الملائكة يحتفظون بسجل أمين لأقوال بني الإنسان وأفعالهم. فكل عمل من أعمال القسوة أو الظلم موجه إلى شعب الله وكل ما يضطرون لأن يقاسوه بسبب قوة فاعلي الشرّ مسجل في السماء.COLAr 162.1

    « أَفَلاَ يُنْصِفُ اللهُ مُخْتَارِيهِ، الصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَارًا وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعًا ».COLAr 162.2

    « فَلاَ تَطْرَحُوا ثِقَتَكُمُ الَّتِي لَهَا مُجَازَاةٌ عَظِيمَةٌ. لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ. لأَنَّهُ بَعْدَ قَلِيل جِدًّا « سَيَأْتِي الآتِي وَلاَ يُبْطِئُ » (عبرانيين ١٠: ٣٥-٣٧). « هُوَذَا الْفَلاَحُ يَنْتَظِرُ ثَمَرَ الأَرْضِ الثَّمِينَ، مُتَأَنِّيًا عَلَيْهِ حَتَّى يَنَالَ الْمَطَرَ الْمُبَكِّرَ وَالْمُتَأَخِّرَ. فَتَأَنَّوْا أَنْتُمْ وَثَبِّتُوا قُلُوبَكُمْ، لأَنَّ مَجِيءَ الرَّبِّ قَدِ اقْتَرَبَ » (يعقوب ٥: ٧، ٨).COLAr 162.3

    إنّ طول أناة الله عجيبة. العدل ينتظر طويلا في حين تتوسل الرحمة إلى الخاطئ: « الْعَدْلُ وَالْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّكَ » (مزمور ٩٧: ٢): « الرَّبُّ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَعَظِيمُ الْقُدْرَةِ، وَلكِنَّهُ لاَ يُبَرِّئُ الْبَتَّةَ. الرَّبُّ فِي الزَّوْبَعَةِ، وَفِي الْعَاصِفِ طَرِيقُهُ، وَالسَّحَابُ غُبَارُ رِجْلَيْهِ » (نَاحُوم ١: ٣).COLAr 162.4

    لقد أمسى العالم جريئا في عصيان شريعة الله. فبسبب صبره الطويل داس الناس على سلطانه. لقد شدد بعضهم أيدي بعض في الظلم والقسوة على ميراثه قائلين: « كَيْفَ يَعْلَمُ اللهُ؟ وَهَلْ عِنْدَ الْعَلِيِّ مَعْرِفَةٌ؟ » (مزمور ٧٣: ١١). ولكن هنالك حدا لا يستطيعون أن يتعدوه، وقريب هو الوقت الذي فيه يكونون قد وصلوا إلى الحد المعين. بل حتى الآن كادوا يتجاوزون حدود طول أناة الله وحدود نعمته وحدود رحمته. وسيتدخل الرب ليزكّي كرامته ولينقذ شعبه وليقمع ثورة الآثم وهيجانه.COLAr 162.5

    في عهد نوح كان الناس قد أهملوا شريعة الله، حتى كادت كل ذكرى للخالق تتلاشى من الأرض. وقد بلغ إثمهم حدا هكذا شنيعا بحيث جلب الرب طوفانا من المياه على الأرض واكتسح سكانها الأشرار.COLAr 163.1

    ومن جيل إلى جيل أعلن الرب طريقة عمله. فعندما كانت تحل أزمة كان يعلن نفسه ويتدخل ليعرقل إتمام خطط الشيطان. فمع الأمم والعائلات والعشائر والأفراد كثيرا ما سمح بان تتأزم الحالة حتى يكون تدخله ملحوظا. وحينئذ أعلن أنّه يوجد إله في إسرائيل يحفظ شريعته ويزكّي شعبه.COLAr 163.2

    وفي هذا الوقت الذي فيه طغى الإثم يمكننا أن نعلم أنّ الأزمة الأخيرة العظيمة هي على الأبواب. وعندما يكاد تحدّي شريعة الله يكون شاملا وعندما يُضطهد شعب الله ويتضايقون على أيدي بني جنسهم فالرب سيتدخل حتما.COLAr 163.3

    قريب هو الوقت الذي فيه يقول الله: « هَلُمَّ يَا شَعْبِي ادْخُلْ مَخَادِعَكَ، وَأَغْلِقْ أَبْوَابَكَ خَلْفَكَ. اخْتَبِئْ نَحْوَ لُحَيْظَةٍ حَتَّى يَعْبُرَ الْغَضَبُ. لأَنَّهُ هُوَذَا الرَّبُّ يَخْرُجُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُعَاقِبَ إِثْمَ سُكَّانِ الأَرْضِ فِيهِمْ، فَتَكْشِفُ الأَرْضُ دِمَاءَهَا وَلاَ تُغَطِّي قَتْلاَهَا فِي مَا بَعْدُ » (إِشَعْيَاء ٢٦: ٢٠، ٢١). يمكن أن الناس الذين يدّعون أَنَّهُمْ مسيحيون يغدرون الآن بالمساكين ويضطهدونهم، ويمكنهم أن يسلبوا الأرملة واليتيم وأن يضمروا في نفوسهم الكراهية الشيطانية لأنهم لا يستطيعون التحكم في ضمائر شعب الله. ولكن لأجل كل هذا سيحضرهم الله إلى الدينونة. وسيكون « الْحُكْم … بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً » (يعقوب ٢: ١٣). وبعد قليل سيقفون أمام ديّان كل الأرض ليعطوا حسابا عن الألم الذي سببوه لأجسام ميراثه ونفوسهم. يمكنهم الآن أن يمعنوا في اتهاماتهم الكاذبة، ويمكنهم أن يسخروا بمن قد أقامهم الله ليعملوا عمله ويمكنهم أن يودعوا في السجن جماعة المؤمنين به، وأن يوثقوهم بالسلاسل للأعمال الشاقة أو أن ينفوهم أو يقتلوهم، ولكنّهم لابد سيعطون حسابا عن كل وخزة من وخزات الألم وكل دمعة سُكبت. فالله سيجازيهم ضعفا عن كل خطاياهم. إنّ الله يقول لرسل دينونته عن بابل التي ترمز إلى الكنيسة المرتدة: « لأَنَّ خَطَايَاهَا لَحِقَتِ السَّمَاءَ، وَتَذَكَّرَ اللهُ آثَامَهَا. جَازُوهَا كَمَا هِيَ أَيْضًا جَازَتْكُمْ، وَضَاعِفُوا لَهَا ضِعْفًا نَظِيرَ أَعْمَالِهَا. فِي الْكَأْسِ الَّتِي مَزَجَتْ فِيهَا امْزُجُوا لَهَا ضِعْفًا » (رؤيا ١٨: ٥، ٦).COLAr 163.4

    إنّ صرخة الشقاء الإنساني تصعد إلى الله من الهند وأفريقيا والصين ومن جزائر البحر ومن ملايين المدوسين بالأقدام ممن يعيشون في البلدان التي تدعى مسيحية. وتلك الصرخة لن تظلّ طويلا بدون إجابة. فالله سيطهر الأرض من فسادها الأدبي، لا بطوفان من الماء كما في عهد نوح بل بطوفان من النار التي لا يمكن لأي اختراع بشري أن يطفئها.COLAr 164.1

    « وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيق لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذلِكَ الْوَقْتِ وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوبًا فِي السِّفْرِ » (دانيال ١٢: ١).COLAr 164.2

    إنّ المسيح سيجمع أولاده إلى نفسه من الغرف العلوية ومن المخابيء ومن السجون المظلمة ومن فوق المشانق ومن الجبال والبراري ومن مغاير الأرض وكهوف البحر. لقد كانوا على الأرض معوزين ومتضايقين ومعذبين. ملايين منهم نزلوا إلى الهاوية مجللين بالعار لأنّهم رفضوا الخضوع لمطاليب الشيطان الخادعة. لقد حكمت محاكم الأرض على أولاد الله على أنّهم أحط المجرمين. ولكن سيأتي قريبا اليوم الذي يكون فيه « الله هُوَ الدَّيَّانُ » (مزمور ٥٠: ٦)، وحينئذ ستنعكس قرارات الأرض « يَنْزِعُ عَارَ شَعْبِهِ » (إِشَعْيَاء ٢٥: ٨). وستُعطى لكلّ منهم ثياب بيض (رؤيا ٦: ١١). « وَيُسَمُّونَهُمْ: شَعْبًا مُقَدَّسًا، مَفْدِيِّي الرَّبِّ » (إِشَعْيَاء ٦٢: ١٢).COLAr 164.3

    مهما تكن الصلبان التي دُعي أولاد الله ليحملوها، ومهما تكن الخسائر التي حاقت بهم ومهما يكن الاضطهاد الذي قاسوه حتى إلى خسارة حياتهم الأرضية فقد نالوا تعويضـا كافيا « وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَاسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ » (رؤيا ٢٢: ٤).COLAr 165.1

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents