إن أولاد الله لمدعوون ليكونوا سفراء عن المسيح مظهرين للعالم جود الرب و رحمته، فكما اعلن المسيح صفات الآب على حقيقتها، هكذا ينبغي أن نعلن نحن أيضًا المسيح على حقيقته لعالم لا يعي حنو محبته و شفقتها، و قد وصف يسوع مهمتنا هذه إذ قال مخاطبًا الآب، “كما أرسلتني إلى العالم، أرسلتهم أنا إلى العالم”، “أنا فيهم و انت فيّ... ليعلم العالم انك أرسلتني”، يوحنا ١٧ : ١٨ و ٢٣، و يخبر بها الرسول بولس في قوله عن تلاميذ يسوع “ظاهرين أنكم رسالة المسيح” “معروفة و مقروءة من جميع الناس”، و ٢ كورنثوس ٣ : ٣، ففي كل من أولاده يرسل يسوع رسالة إلى العالم و يرسل بك، و انت من أولاده رسالة إلى أسرتك، و إلى قريتك، و إلى الحي، الذي تسكنه لأنه وهو حال في قلبك يريد أن يتحدث بك إلى قلوب الذين لا يعرفونه، و قد يكون انهم من الذين لا يطالعون الكتب المقدسة، فلا يسمعون صوته من صفحاتها، و لا يرونه في أعماله، و لكنهم، إن انت مثلته أمامهم، قد يفهمون شيئًا من رحمته و يربحون لمحبته و خدمته SC 88.1
جعل المسيح من الذين يتبعونه منارات تنير بنوره الطريق المؤدي إلى السماء لكي يستنير كل من يراهم و يلاحظ صفاتهم و يعرف من هو المسيح و ما هي خدمته SC 89.1
إن نحن مثلنا خدمة المسيح على حقيقتها تبدو جذابة خلابة، و أما المسيحيون الذين تملأ قلوبهم الكآبة و الحزن و تنطق ألسنتهم بالتذمرات و الشكاوي، فهم يمثلون الله و الحياة المسيحية تمثيلاً كاذبًا إذ يحملون الناس على الظن بانه تعالى لا يسر بسرور أولاده و سعادتهم، فهم يشهدون على أبيهم السماوي شهادة زور SC 89.2
يشمت الشيطان بالله عندما ينجح في اقتياد أولاده إلى اليأس و القنوط، و يبتهج إذ يحملهم على الارتياب من إرادة المولى في خلاصهم و في قوته على ذلك، و يرتاح ارتياحًا عظيمًا إذ يراهم يوجسون شرًا من العناية، فان شغل ابليس الشاغل هو أن يصوّر الله لعقولنا كانه تعالى خالٍ من الرأفة و مجرّد من الرحمة، و هكذا يعبر الشيطان عن الحق تعبيرًا كاذبًا و يملا المخيلات بأفكار عن الله فاسدة، و كثيرًا ما نتأمل في أباطيل العدو هذه، و لا نتأمل في الحق، فنهين الله بشكوكنا فيه و تذمراتنا عليه، و الشيطان دؤوب على تصوير الحياة المسيحية كأنها حياة التشاؤم مليئة من الأتعاب و الصعاب، و عندما يظهر المؤمن أمام العالم بمثل هذا المنظر فانه بعدم إيمانه يدعم ادعاء الشيطان الكاذب هذا SC 89.3
كثيرون، و هم يسيرون في طريق الحياة، يطيلون التفكير في غلطاتهم و في هزائمهم و خيبة آمالهم، فتمتليء قلوبهم حزنًا و كآبة، كما حدث لأخت كتبت إليّ و أنا في أوربا تطلب مني كلمة تشجيع في ضيقها العظيم، و حدث في الليلة التالية لقراءة كتابها أنني حلمت أني في بستان و صاحب البستان يقودني في طرقاته و أنا اخطف الزهور و أتلذذ بجمال رائحتها، و إذ بالأخت المشار إليها و هي تسير إلى جانبي و تلفت نظري إلى العوسج و القريص الذي كان يعترض طريقها فكانت تئن و تتنهد و لم تتبع القائد في الطريق بل سلكت بين الشوك و العوسج وهي تقول “آه أليس مما يؤسف له أن هذا البستان الجميل تفسد فيه الأشواك و تبشعها”، فأجابها القائد قائلاً : “دعي الأشواك و شأنها، و إلا فإنها تجرحك، و اقطفي الورد و الزنبق و القرنفل” SC 89.4
ألم تجتز في اختباراتك في مراتع هناء؟ ألم يطرب قلبك فرحًا بالروح يومًا ما؟ و إذا تصفحت سفر حياتك ألا تجد بين صفحاته صفحات ملذة : أو ليست مواعيد الله كزهور عاطرة نابتة على جانبي الطريق يمتلئ قلبك فرحًا لجمالها و حلاوتها؟ SC 90.1
أما العوسج و الأشواك، فهذه إنما تجرحك و تكدرك، و إن حصرت همك في جمعها، و رحت تقدمها للآخرين، أفلا تكون بعملك هذا قد منعت الذين حولك من السير في طريق الحياة؟ بلى، و ازدريت أيضًا بجود الله و نكرته SC 90.2
فليس من الحكمة أن نذكر مكدرات حياتنا الماضية و نكرر ذكر خطاياها و إخفاقاتها و نتحدث عنها و نحزن عليها إلى أن يغمرنا الفشل و اليأس، فان النفس الخائرة العزم يحفها ظلام قاتم لا يتخللها نور الله، بل و تلقي سحابة مظلمة على طريق الآخرين أيضًا SC 90.3
نشكر الله على الصور الجميلة التي يعرضها علينا في كلمته، فلنجمعنَّ توكيدات محبته المباركة، لكي نتأملها باستمرار فنرى ابن الله تاركًا عرش أبيه و لابسًا الطبيعة البشرية لينقذنا من سلطة ابليس. و لنتأمل انتصاره لأجلنا فاتحًا لنا أبواب السماء و معلنًا للعين البشرية حجلة حضرته حيث يتجلى المجد الإلهي، فنرى الجنس الهالك مرفوعًا من وهدة الهلاك التي تردّى فيها بواسطة الخطية، معادًا اتصاله بالقادر على كل شيء، فائزًا في امتحان الإيمان بالفادي، مكتسبًا برّ المسيح و جالسا على عرشه ـ إن هذه هي الصور التي يعرضها علينا و يريد أن نطيل التأمل فيها، فنفرح كل حين SC 90.4
و لكن عندما يبدو علينا الارتياب من محبة الله و عدم الثقة بمواعيده نهينه و نحزن روحه القدوس، و ماذا يكون شعور أم إذا كان أولادها يش كون منها باستمرار، كانها غير معنية بشؤونهم في حين أن كل جهودها منصرفة إلى الاهتمام بهم و العمل على إراحتهم. أو ليس مما يكسر قلبها أن ترى أولادها يرتابون من محبتها؟ و أي والد يرضى بان يعامله بنوه بمثل هذه المعاملة؟ و كيف يعتبر أبونا السماوي شكوكنا في محبته بعد أن بذل وحيده لأجلنا لكي نحيا حياة أبدية كما قال الرسول “الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء”، رومية ٨ : ٣٢، و مع ذلك فكم من امرئ يقول، إن لم يكن بلسان مقاله فبلسان حاله، إن الله لا يقصدني أنا شخصيًا بهذه المواعيد فربما هو يحب الآخرين و لكنه لا يحبني أنا بالذات SC 90.5
إن هذا الموقف ليضرّ بنفسك لأنك في تعبيرك عما يخامرك من الشكوك تفتح الباب للمجرب و تقوّي في نفسك الميل إلى الارتياب و تحزن الملائكة القائمين على مساعدتك و حراستك، فإذا جرّبك العدو لا تسمح لنفسك بأن تتفوه بكلمة شك أو عدم الإيمان، لأنك إذا فتحت الباب لإيحاءات العدو و وسوساته يملأ صدرك بهواجسه و فكرك بسؤالات التمرد، و إذا تكلمت بما في خلدك لا يعود كلامك بالضرر عليك فحسب، بل تزرع في أفكار غيرك زرعًا ينبت و يأتي بثمر قد لا يبطل مفعوله أبدًا. قد تستفيق انت من التجربة و تنجو من فخ ابليس، و هؤلاء الذين أثرت فيهم بتعبيرك عن شكوكك قد لا يستطيعون الخلاص من الكفر الذي زرعته فيهم بكلامك، فمن المهم جدًا أن نجعل كلامنا مقتصرًا على ما يهب السامعين حياة روحية و قوة إلهية SC 91.1
ينصت الملائكة ليسمعوا ما تخبر به العالم عن أبيك السماوي، فليكن حديثك دائمًا عن الحي في كل حين ليشفع فيك، و إذ تصافح صديقك ليكن الحمد لله على شفتيك و في قلبك، فان هذا ادعي إلى اكتساب صديقك و اجتذاب أفكاره إلى المسيح SC 91.2
لكل الناس محنهم و أحزانهم التي تثقل كاهلهم و لهم تجاربهم التي يصعب علهم مقاومتها، فلا تخبر البشر رفقاءك بأتعابك، بل القها على الله بالصلاة، و خذها لنفسك قاعدة انك لا تتفوه أبدًا بكلمة من شأنها أن تثني عزم غيرك أو تبثّ فيم الشك، بل اعمل ما في وسعك لتخفف عنهم اثقالهم و تقويهم بكلمات الرجاء و الثقة المقدسة SC 91.3
كم من نفس باسلة ترزح تحت وطأة التجربة، و قد أوشكت أن تخور في جهادها ضد نفسها و ضد قوات الشر، فلا تثبط مثل هذه النفس في صراعها الشاق، بل شددها بكلمات التشجيع و الرجاء التي تدفعها إلى المضي في السير، و بذلك ينبعث منك نور المسيح و يضيء على الآخرين، “لان ليس احد يعيش لذاته”، رومية ١٤ : ٧، فانه بتأثيرنا، من حيث لا نشعر، قد يتشجع الآخرون و يتقوون، و قد يضعفون و يخورون، فيصدّون عن الإتيان إلى المسيح و قبول الحق SC 92.1
كثيرون يتصوَّرون أن المسيح كان صارمًا عابسًا بعيدًا عن كل تبسم و فرح، و لذلك ترى كل حياتهم مصطبغة بهذا التصوّر المغلوط SC 92.2
كثيرًا ما نسمع الآية “بكى يسوع” و القول أن الكتاب لا يذكر انه تبسم، صحيح أن مخلصنا كان “رجل الأوجاع و مختبر الحزن” لأنه حمل على قلبه ويلات البشر كلها، و لكن و لئن كانت حياته حياة إنكار الذات و التضحية و خيم عليها سحاب من الآلام و الهموم، إلا أن هذا كله لم يسحق روحه فيه، و لم تكن هيئته هيئة الحزين المتضجر بل هيئة الرائق المطمئن، و قلبه كان كينبوع من الحياة يفيض سلامًا و فرحًا و ابتهاجًا حيثما حل SC 92.3
كان مخلصنا ذا رزانة و جدّ بالغين، و مع ذلك لم يكن متجهمًا مكتئبًا و الذين يقتدون به يفعم حياتهم نفس الاجتهاد الجدي، و إذ يشعرون بثقل المسؤولية الشخصية يبعدون عنهم كل نزق و طيش و هزل، و يكون سلامهم كالنهر، عبة الديانة المسيحية لمعتنقيها، فهي لا تطفئ جمرة الفرح و لا تخمد جذوة الابتهاج و لا تغيّم على الوجه الوضاح البسام، فكما أن المسيح لم يأتِ ليُخدمَ بل ليخدم هكذا هم أيضًا يقتدون به و المحبة مالكة في قلوبهم SC 92.4
إذا تأملنا فيما يأتيه الناس من الأعمال الجائرة القاسية نجد أننا لا نستطيع أن نحبهم كما احبنا و إياهم المسيح، بيد أننا إذا اكثرنا التفكير في حنو محبة المسيح العجيب يفيض روح المسيح منا للناس، و الحب للناس واجب و احترامهم لازم مهما رأينا فيهم من الهفوات و النقائص، و إذا ربينا انفسنا على التواضع و عدم الاعتداد بالذات و اللطف و الصبر أمام هفوات الناس نستأصل بذلك الأنانية من انفسنا و نكسبها سعة صدر و رحبة قلب SC 93.1
قال المرنم، “اتكل على الرب و افعل الخير، اسكن الأرض و ارع الأمانة”، مزمور ٣٧ : ٣، اجل، “اتكل على الرب” لان لكل يوم اثقاله و همومه و محيراته، و لكن حين نجتمع معًا ما اكثر استعدادنا لان نتحدث عن أتعابنا و تجاربنا، فهذا يتوجس شرًا من هنا و ذاك يتوقع صعابًا من هناك، و كلنا نعبر عن ثقل همنا، فكأني بنا و ليس لنا مخلص حبيب شفوق وُجد في الضيق عونًا شديدًا SC 93.2
و يتطلع البعض إلى الهموم التي قد تأتي فيستميلون للخوف منها مع انهم محاطون يوميًا بدلائل المحبة الكثيرة و يتمتعون بهبات العناية، إلا انهم يغضون الطرف عن البركات الحاضرة و ينصرفون إلى التأمل في أمور غير متسحبة قد تأتي، أو في صعوبة قد أتت، و مع صغرها، أعمت اعينهم عن الأشياء الكثيرة التي تستوجب الشكر و الامتنان، فهذه الصعوبات التي يجب أن تدفعهم إلى الله تفصلهم عنه تعالى لأنها تولد فيهم القلق و التذمر SC 93.3
هل بالصواب لا تؤمن؟ و لماذا نكون عديمي الشكر و عديمي الشفقة؟ إن يسوع لصديقنا و السماء كلها مهتمة لصالحنا، فيجب ألا ندع ارتباكات الحياة اليومية و شواغلها أن تجعلنا قلقة البال و مقطبي الجبين، لأننا إذا استسلمنا لهذه الحال فلا بد من أن يكون لنا دائمًا ما ينغصنا و يكدرنا، فينبغي ألا نستسلم للهم فان الهمّ يضنينا و يبلينا دون أن يعيننا على احتمال التجارب SC 93.4
قد ترتبك في تجارتك و قد تعتم الأحوال أمامك و تهددك الخسارة من كل جانب، فلا تخر بل ألق على الرب همك، و احتفظ بهدوّك و انشراحك، و صل إلى الله طالبًا منه الحكمة في إدارة شؤونك لكي تتبصر فيها و تمنع الخسارة و الخراب، و تعمل ما في وسعك للحصول على نتائج مرضية، فقد وعد يسوع بالمساعدة إن بذلنا نحن جهدنا، ثم، و قد قمت بالواجب و انت متكل على معينك الأمين، فاقبل النتائج برضى و فرح SC 93.5
ليست إرادة الرب أن يثقل كاهل شعبه همومًا غير انه لا يريد أيضًا أن يضلنا فلا يقول لنا “لا تخافوا لان طريقكم مأمون و ليست أمامكم مخاطر” كلا، بل هو يعلم أن التجارب و الأخطار تنتظرنا، و قد جعلنا على بينة في الأمر وهو لا يرى أن يأخذ شعبه من عالم الخطية و الشر، بل أن يدلهم على الملجإِ الأمين، فقد صلى من اجل التلاميذ قائلاً، “لست اسأل أن تأخذهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير” يوحنا ١٧ : ١٥، و خاطبهم قائلاً : “في العالم يكون لكم ضيق، لكن ثقوا، أنا قد غلبت العالم”، يوحنا ١٦ : ٣٣ SC 94.1
في الموعظة على الجبل علّم المسيح تلاميذه دروسًا ثمينة فيما يختص بضرورة الثقة بالله، و كان القصد من هذه الدروس تشجيع أولاد الله على مدى العصور، و قد وصلت إلينا مفعمة بالتعليمات و التعزيات، فقد وجه المسيح أنظار التلاميذ إلى طيور السماء وهي تنطلق في الجو مغردة أناشيد الحمد و الشكران دون أن يشغلها هم أو قلق، وهي مع كونها لا تزرع و لا تحصد، يمدّها الآب السماوي بكل حاجاتها، ثم سأل تلاميذه قائلاً، “ألستم انتم بالحري افضل منها”، فان رزَّاق الإنسان و الحيوان هو الذي يفتح يده و يشبع جميع مخلوقاته خيرًا، وهو تعالى لا يغفل حتى عصافير السماء إذ يسد حاجاتها، و إن كان لا يضع الطعام في مناقيرها، لكنه يعطيها فتلتقط، فهي تعدّ أعشاشها و تقوت صغارها و تنطلق في الجوّ مغرّدة في عملها، لان الآب السماوي يقوتها “ألستم انتم بالحري افضل منها”، و ما قيمة العصافير بالنسبة إليكم و انتم خلائق الله العاقلة و عباده الروحيون؟ أفلا يمدكم خالقكم و مخلص حياتكم بكل ما تحتاجون إليه إن انتم توكلتم عليه؟ SC 94.2
أشار المسيح إلى زهور البرّية النامية بكثرة، الزاهية بجمالها البريء الذي به زينها أبونا السماوي تعبيرًا عن محبته للإنسان، أشار إليها قائلاً : “تأملوا زنابق الحقل، كيف تنمو”، متى ٦ : ٢٨. إن جمال هذه الزهور البري الطبيعي ليفوق كثيرًا مجد سليمان، بل و لا يعادله في ظرافته الطبيعية و بهائها اللامع الحلل التي حاكاها و زخرفها امهر الصناع، ثم اردف يسوع قائلاً : فان كان الله يزين عشب الحقل الذي في يوم واحد يفنى بشتى الالوان البديعة اللطيفة، فكم بالأحرى يعتني بالذي خلقوا على صورته و مثاله فدروس المسيح هذه إنما تحوى توبيخًا لذوي الفكر القلق و القلب الشاكك الجاحد SC 95.1
إن الرب يودّ لو كان أولاده سعداء، في سلوة من العيش، طائعين، كما يدل على ذلك قوله “سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم و لا ترهب”، يوحنا ١٤ : ٢٨، “كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم و يكمل فرحكم”، يوحنا ١٥ : ١١ SC 95.2
إن السعادة التي ينشدها الإنسان عن دوافع ذاتية بعيدًا عن طريق الواجب إنما هي سعادة مختلفة التوازن، متقلبة، ذاهبة، تضمحل تاركة النفس حزينة مستوحشة، و لكن في خدمة الله دوام الفرح و الرضى فهو تعالى لا يترك المؤمن يسير في طريق الضلال، يتأسف تأسفًا باطلاً، و ينوح خيبة الآمال، لان البار، و إن كان لا يتمتع بكثير من بركات هذه الحياة إلا انه يتطلع إلى الأبدية بفرح عظيم SC 95.3
قد يكون للمؤمن، حتى في هذه الحياة، فرح الشركة مع المسيح و ابتهاج السلوك في نور محبته و تعزية حضوره الدائم، فان كل خطوة يخطوها تدنيه منه و تهبه اختبارًا أعمق في محبته و تزيده اقترابًا من وطنه المبارك، موطن السلام، فلا نطرحنّ ثقتنا، بل لنزددن تيقنًا و رسوخًا، لان “إلى هنا أعاننا الرب” “١ صموئيل ٧ : ١٢، وهو سيعيننا إلى النهاية، و لنعدد معالم الطريق لنرى كيف أعاننا الرب و خلصنا من يد المهلك، و لنتذكر مراحمه، الدموع التي مسحها، الآلام التي سكّنها، الهموم التي أزالها، المخاوف التي بدَّدها، الحاجات التي سدها، و البركات التي أسبغها، و بذلك نقوّي نفوسنا لمواجهة ما قد يعترضنا في مراحل الطريق الباقية SC 95.4
لا بد من أن نتوقع تحيرات جديدة في الاحتدام المقبل، و لكننا، إذ نعيد النظر إلى ما قد مضى، نقول “إلى هنا أعاننا الرب”، و “كأيامك قوتك” تثنية ٣٣ : ٢٥ (حاشية)، فان الامتحان لن يزيد صعوبةً على ما نستطيع احتماله بالقوة الممنوحة، فلنعمل إذن حيث نجد العمل متيقنين من الانتصار بالذي يقوّينا SC 96.1
عما قريب سيفتح المسيح أبواب السماء على مصراعيها لاستقبال أولاد الله، فيطربون لسماع البركة التي يرددها رب المجد في قوله “تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعدَّ لكم منذ تأسيس العالم”، متى ٢٥ : ٣٤ SC 96.2
حينئذٍ يقف يسوع أمام المفديين مرحبًا بهم إلى المنزل الذي يعدّه لهم الآن حيث يكونون في صحبة الذين انتصروا على الشيطان، و صنعوا بنعمة الله أخلاقًا كاملة، و لا يكون هناك الزناة و الكذبة و لا عبدة الأوثان، و أما كل ما كان قد اعترى المفديين من نقص أو ميل إلى الشر فيزول عنهم بدم المسيح، و يحلّ عليهم بهاء مجده الذي يفوق لمعان الشمس، و يضيء فيهم مجد أسمى من المجد الخارجي هو بهاء الصفات المكتملة، “لأنهم بلا عيب قدام عرس الله” يشاطرون الملائكة شرفهم و ميزاتهم SC 96.3
فبالنسبة إلى هذا الميراث المجيد “ماذا يعطي الإنسان عوضًا عن نفسه؟” قد يكون فقيرًا و مع ذلك يملك في نفسه غنى و شرفًا لا يملكهما العالم كله فان النفس المفدية المطهرة من الخطية المقدسة قواها النبيلة لخدمة الله لأثمن من الجواهر، و في السماء يعبر الملائكة عن فرحهم بخاطئ يتوب بتهليلات النصر المقدس و أغانية SC 96.4