Go to full page →

بقية أمينة ML 368

وبدلا من أن يحاول يسوع الحيلولة بين أولئك المرتدين وبين تنفيذ غرضهم التفت إلى الاثنى عشر وسألهم قائلا: “ ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا؟” (يوحنا 6: 67). ML 368.2

فأجابه بطرس عن هذا السؤال بسؤال آخر قائلا: “يا رب، إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك، ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي” (يوحنا 6 : 68، 69). ML 368.3

“إلى من نذهب؟” كان معلمو إسرائيل عبيدا للرسميات والطقوس . كما كان الفريسيون والصدوقيون في نزاع مستمر . فلو ترك الرسل يسوع فمعنى ذلك أنهم يقعون بين أيدي أولئك القوم المتشبثين بالرسميات والطقوس . والطامعين الذين كانوا يطلبون مجد أنفسهم .إن التلاميذ منذ قبلوا المسيح وجدوا سلاما وفرحا أكثر مما وجدوا في حياتهم السالفة . فكيف إذا يعودون إلى أولئك الذين احتقروا محب الخطاة واضطهدوه؟ لقد ظلوا ينتظرون مجيء مسيا أمدا طويلا ، أما الآن وقد أتى فلم يعد يمنعهم أن يرتدوا عنه لينضموا إلى أولئك الذين كانوا يريدون أن يصطادوه والذين اضطهدوهم لأجل اتباعهم إياه. ML 368.4

“إلى من نذهب؟” لا يمكننا أن نترك تعاليم المسيح أو الدروس التي قد لقننا إياها بمحبة ورحمة لنلقى بأنفسنا في أحضان ظلمة عدم الإيمان وشرور العالم . عندما ترك المخلص من قبل كثيرين ممن كانوا قد شاهدوا معجزاته و آياته ، عبر بطرس عن إيمان التلاميذ حين قال: “أنت المسيح” (يوحنا 6 : 69). إن مجرد التفكير في إفلات مرساة نفوسهم هذه من أيديهم ملأ قلوبهم بالخوف والحزن . إن حرمانهم من المخلص لابد أن يجعلهم تحت رحمة البحر الهائج في ليل حالك الظلام. إن كثيرا من أقوال المسيح وأعماله يبدو غامضا أمام العقول المحدودة. ولكن كل كلمة وكل عمل كان له قصده المعين في تدبير فدائنا ، وكل منها كان معينا له أن ينتج نتائجه .فلو أمكننا ادراك مقاصد الله فكل شيء سيبدو هاما وكاملا ومنسجما مع مأمورية الفادي. ML 368.5

إننا وإن كنا لا نستطيع الآن أن ندرك أعمال الله وطرقه يمكننا أن نميز محبته العظيمة التي تستتر وراء كل معاملاته هذه مع الناس. إن من يعيش قريبا من يسوع سيفهم كثيرا من سر التقوى وسيدرك ويعرف الرحمة التي تنطق بالتوبيخ وتختبر الخلق وتنير خفايا القلب. ML 369.1

عندما قدم يسوع الحق الفاحص الذي جعل كثيرين من تلاميذه يرتدون ، عرف ماذا سينتج عن تصريحاته. ولكن كان أمامه غرض من أغراض الرحمة ليتممه . لقد سبق فرأى أنه في ساعة التجربة سيجرب كل واحد من تلاميذه المحبوبين بتجارب قاسية . إن آلامه وأحزانه في جثسيماني وتسليمه وصلبه ستكون بالنسبة إليهم محنة قاسية ، فلو لم يكونوا قد امتحنوا من قبل فإن كثيرين ممن كانوا مسوقين ببواعث أنانية كانوا سيظلون مرتبطين بهم . وعندما حكم على سيدهم في دار الولاية ، وعندما انقلب الجمهور الذي كان قد هتف له كملك وسخروا به وشتموه ، وعندما صاح الناس من حوله قائلين في تهكم لاذع: “اصلبه”، وعندما خابت كل انتظاراتهم الدنيوية فإن هؤلاء الذين كانوا يطلبون ما لأنفسهم طارحين نير ولائهم ليسوع جلبوا على قلوب التلاميذ حزنا عظيما أثقل قلوبهم فوق حزنهم وخيبة آمالهم المحبوبة التي عاشوا في انتظار تحقيقها . وفي ساعة الظلمة تلك كان مثال أولئك المرتدين عنه كفيلا بأن يجعل كثيرين يرتدون . ولكن يسوع أحدث تلك الأزمة عندما كان بحضوره الشخصي يمكنه أن يشدد إيمان تابعيه الأمناء. ML 369.2

ما أعظم فادينا من سيد مشفق رحيم إذ وهو عالم بالحكم الصارم الذي كان سيحكم به عليه ، والموت الرهيب الذي كان سيقاسيه ، مهد بكل رقة وحب الطريق أمام التلاميذ ، وأعدهم لمواجهة التجربة القادمة عليهم وقواهم على احتمال الامتحان النهائي! ML 369.3