لن يدعى أحد أبداً إلى بلوغ كمال أخلاق المسيحية في أحوال يفوق عدم ملائمتها الأحوال التي عاش مخلصنا فيها. إن كون المسيح قد عاش ثلاثين سنة في الناصرة التي ظن الكثيرون أن من الغرابة أن يخرج منها شيء صالح لهو توبيخ الشبان و الشابات الذين يعتبرون أن صفاتهم الدينية لا بد من أن تكون مطابقة لأحوال المحيط الذين يعيشون فيه، و كثيرون يتخذون من ذلك عذراً لعدم تمكنهم من إحراز كمال الأخلاق المسيحية. إن مثال المسيح يبطل الزعم القائل أن حياة أتباعه تتوقف على المكان أو الحظ أو الثراء ليتاح لهم أن يحيوا حياة لا عيب فيها. بل أن المسيح يريهم أن أمانتهم تجعل أي مكان وجدوا فيه أو أي مركز دعتهم عناية الله إليه شريفاً و معتبراً، مهما يكن متواضعاً بسيطاً. SM 78.1
لقد رسم لحياة المسيح أن تُظهر أن الطهارة و التماسك و ثبات المبدأ ليست وقفاً على الحياة المتحررة من المصاعب و المصائب و الفقر. إن الشدائد و ضروب الحرمان التي يشتكي منها الكثيرون من الشبيبة قد احتملها المسيح دون ما تذمر. و هذا التدريب هو عين الاختبار الذي يحتاج إليه الشبيبة و الذي يمد أخلاقهم بالمنعة و الثبات ويجعلهم مثل المسيح أقوياء في الروح ليقاوموا التجربة. إنهم لن ينغلبوا من بدع الشيطان إذا هم ابتعدوا عن تأثير من من شأنهم أن يضللوا و يفسدوا أخلاقهم. و إذ يصلون إلى الله يومياً ينالون منه الحكمة و النعمة لمواجهة شدائد الحياة وواقعها المر، و يحرزون النصرة. إن الأمانة و الإخلاص لا يمكن الاحتفاظ بهما إلا بالسهر و الصلاة. وقد كانت حياة المسيح مثالاً للنشاط المثابر الذي لم يقو التعيير أو السخرية أو الحرمان أو الشدائد أن تنال منه أو تضعفه. SM 78.2
ذلك ما ينبغي أن يكون عليه الشبيبة. فإذا ازدادت مصاعبهم فليعلموا أن الله إنما يمتحن يمحص أمانتهم. و بنفس تلك النسبة من احتفاظهم باستقامة أخلاقهم في الظروف الصعبة المفشلة يشتد عزمهم و يزداد ثباتهم و قوة احتمالهم، و يتقوون في الروح — (ج : آذار مارس 1872). SM 79.1