أعطى الله أبوينا الأولين الطعام الذي عينه مأكلا للبشر, وكان انتزاع حياة أي مخلوق أمرا مناقضا للتدبيره تعالى, إذ لم يكن ليحدث موت في جنة عدن, وكان ثمر الأشجار في الجنة هو الطعام اللازم لحاجات الإنسان, ولم يأذن الله للإنسان في الأكل من لحوم الحيوانات إلا بعد الطوفان, حيث أن كل ما كان يمكن أن يقتات الناس به قد فنى, ونظرا لحاجاتهم سمح الله لنوح أن يأكل من لحم الحيوانات الطاهرة التي أدخلها معه إلى الفلك. غير أن لحوم الحيوانات لم تكن أفضل مأكل للإنسان. CCA 488.1
وبعد الطوفان أخذ الناس يكثرون من أكل اللحم ورأى الله أن طرق الإنسان يكثرون من أكل اللحم, ورأي الله أن طرق الإنسان قد أفسدت, وأن فيه ميلا إلى تعظيم نفسه على خالقه بكبرياء, وإلى اتباع أهواء قلبه, فسمح له بالأكل من لحوم الحيوانات حتى يقصر فترة حياته الخاطئة, وقد كان وقتئذ يعمر طويلا. ثم أن الإنسان أخذ بعد الطوفان يتضاءل سريعا, حجاما وعمرا. CCA 488.2
إن الرب إذ اختار لآدم طعامه في جنة عدن أظهر ما هو الطعام الأفضل. وبإختياره الطعام لإسرائيل علم الدرس نفسه, إذ أراد أن يبارك العالم بهم, ويعلمه عن طريقهم, فزودهم من الطعام بما يتمشى مع هذا القصد على أحسن وجه. لم يعطهم اللحم, بل المن ” خبز السماء “ وإنما بسبب عدم رضاهم, وتذمرهم وتلهفهم على قدور اللحم في مصر قد سمح لهم بالأكل من لحم الحيوانات, وذلك لوقت قصير فقط. إذ أن تعاطيه قد تسبب في مرض بل موت الألوف منهم, ومع ذلك فإن حظر استعماله لم يلق قبولا مخلصا قط, بل ظل مثارا لتذمرهم وسخطهم, سواء في السر أو الجهر, فلم يدم طويلا. CCA 488.3
ولدى استقرار الإسرائيليين في أرض كنعان سمح لهم بأكل اللحم, ولكن ضمن حدود وقيود مشددة, ترمي إلى التقليل من النتائج الشريرة, فقد حرم لحم الخنزير ولحوم الحيوانات والطيور والأسماك التي حكم بأنها نجسة. أما ما حلل أكله من اللحوم فقد حرم منه ما فيه من شحم ودم, تحريما قاطعا. CCA 489.1
ولم يكن ليؤكل من الحيوانات التي سمح بها إلا ما كانت حالته جيدة. ولم يكن استعمال لحم أي حيوان قد مزق أو نفق ( أي مات ) من تلقاء نفسه, أو لم يستنزف كل دمه. CCA 489.2
غير أن الإسرائيليين, إذ حادوا عن التدبير الإلهي المعين لطعامهم, تكبدوا خسارة فادحة. لقد اشتهوا اللحم فحصدوا عاقبة شهوتهم. لم يبلغوا ما وضعه الله لهم من قياس خلقي, ولا تمموا قصده, فالرب ” أعطاهم سؤلهم وأرسل هزالا في أنفسهم “ ( مزمور 106 : 15 ). لقد عظموا ما هو أرضي على ما هو سماوي, أما الرفعة المقدسة التي أرادها لهم فلم يبلغوها. CCA 489.3
إن الذين يأكلون اللحم إنما يتناولون الحبوب والبقول كمادة ليست أصلية ( أي سبق استعمالها ) ذلك أن الحيوان يستمد من هذه الأشياء الغذاء الذي يعمل على نموه, فالحياة التي كانت في الحبوب والبقول تنتقل إلى الآكل, ونحن نأخذها بأكلنا لحم الحيوان. فكم هو أفضل أن نحصل عليها مباشرة, بأكلنا ما أعده الله لنا من طعام. CCA 490.1