أن أقدم وأسمى المنظومات الشعرية المعروفة للانسان توجد في الكتاب المقدس. فقبلما تغنى اقدم شعراء العالم بأشعارهم سرد راعي مديان تلك الاقوال لأيوب بجلالها الذي لا یباری ولا تدانیه اسمی ابتكارات العبقریة البشرية ـ اذ قال : Tr 186.1
« أین كنت حین أسست الارض . . . ومن
حجز البحر بمصاريع حين اندفق . . . اذ
جعلت السحـاب لباسـه والضباب قماطه
وجزمت علیه حدي واقمت له مغالیق
ومصاريع ، وقلت الى هنا تأتي ولا تتعدى
وهنا تتخم كبرياء لججك
هل في أيامك أمرت الصبح ، هل عـَّرفت الفجر موضعه . . .
هل انتهیت الى ینابیع البحر او فی مقصورة
الغمر تمشیت هل انكشفت لك أبواب الموت أو عاینت أبواب
ظل الموت
هل ادرکت عرض الارض . اخبر ان عرفته کله.
أين الطریق الى حیث یسکن النور : والظلمة
این مقامها . . .
أدخلت الی خزائن الثلج أم أبصرت مخازن
البرد . .
في أي طريق يتوزع النور وتتفرق الشرقية
علی الارض
من فرع قنوات للمطل وطريقا للصواعق ،
لیمطر علی أرض حیث لا انسان علی قفر لا
احد فيه . ليروي البلقع والخلاء وينبت مخرج
العشب
«هل تربط انت عقد الثريا او تفك ربط الجبار
اتخرج المنازل في أوقاتها وتهدي النعش مع
بناته» ( أيوب ۳۸ : ــ ۲۷ و ۳۱ و ۳۲ ) Tr 186.2
فإن كنت تبحث عن جمال التعبير اقرأ الوصف عن وقت الربیع من نشید الانشاد : Tr 187.1
«لأن الشتاء قد مضی والمطر مـَّر وزال
الزهور ظهرت في الارض
بلغ أوان القضب وصوت اليمامة سمع في
أرضنا
التینة أخرجت فجها وقعال الکروم تفیح رائحتها. قومی یا حبیبتي یا جمیلتی
و تعالی» ( نشید الانشاد ۲ : ۱۱ ــ ۱۳ ) . Tr 187.2
ثم أن النبوة التي نطق بها بلعام مباركا العبرانيين و هو کاره لیست اقل من هذه جمالا : Tr 188.1
« من أرام أتى بي بالاق ملك موآب من جبال
المشرق
تعال العن لي يعقوب وهلم أشتم اسرائيل
کیف العن من لم بلعنه الله
وكيف أشتم من لم يشتم الرب
أني من رأس الصخور أراه
من الآكام أبصره
هوذا شعب يسكن وحده
وبين الشعوب لا يحسب . . .
فأنه قد بارك فلا أرده
لم يبصر أثما في يعقوب
ولا رأی تعبا فی اسرائیل
الرب الهه معه
وهتاف ملك فيه . . .
انه لیس عیافة علی یعقوب
ولا عرافة علی اسرائیل
في الوقت يقال عن يعقوب وعن اسرائيل
ما فعل الله»
«وقال . . . وحي الذي يسمع اقوال الله الذي یری رؤیا القدیر . . .
ما أحسن خیامك یا یعقوب
مساکنك یا اسرائیل
كأودية ممتدة ، كجنات على نهر
کشجرات عود غرسها الرب
کأرزات علی مياه» Tr 188.2
قال: Tr 189.1
«وحي الذي يسمع اقوال الله
ويعرف معرفة العلي . . .
أراه ولكن ليس الآن
أبصره ولکن لیس قریبا
یبرز کوکب من یعقوب
ویقوم قضیب من اسرائیل . . .
ویتسلط الذی من یعقوب» (عدد 23 : 7 — 23 ؛ 24 : 4 — 6 و 16 — 19 ) Tr 189.2
ان ترنیم الحمد هو جو السماء ؛ وعندما تتصل السماء بالارض فستكون هناك موسیقی وغناء : «الحمد و صوت الترنم» ( أشعیاء 51 : ۳ ) Tr 189.3
وفوق الارض التي خلقت من جديد كما بدت جميلة ولا شائبة فيها تحت ابتسامة الله « ترنمت كواكب الصبح معا وهتف جمیع بنی الله » ( أيوب ۳۸ : ۷ ) . وهكذا اذ تتجاوب قلوب بني الانسان مع السماء فقد استجابت لصلاح الله في أغاني الحمد . وكثير من أحداث التاريخ البشري ارتبطت بأغاني الحمد ان أقدم التسابيح المدونة في الكتاب والتي نطق بها الناس کان هو هتاف الحمد المجید الذي فاضت به قلوب العبرانيين عند بحر سوف حين قالوا : Tr 189.4
«أرنم للرب فأنه قد تعظم . الفرس وراكبه
طرحهما في البحر
الرب قوتی و نشیدي . وقد صار خلاصی
هذا الهي فأمجده .اله أبي فأرفعه»
«یمینك یا رب معتزة بالقدرة . یمینك یا رب
تحطم العدو . . .
من مثلك بين الآلهة يا رب . من مثلك معتزا في
القداسة. مخوفا بالتسابيح. صانعا عجائب»
«الرب يملك الى الدهر والأبد . . .
رنموا للرب فأنه قد تعظم» ( خروج 15 : 1 و 2 و 6 — 11 و18 — 21 ) Tr 190.1
وما کان أعظم البركات التی حصل علیھا الناس اذ استجابوا لتسابیح الحمد . ان الکلمات القلیلة التی تحكی أحد اختبارات البرية التي اجتازها العبرانيون في البرية فی جولانهم فیها درس جدیر بتفكرنا : Tr 190.2
ومن هناك الى بئر . وهی البئر حیث قال الرب لموسى اجمع الشعب فأعطيهم ماء» ( عدد 21 : 16 ) حینئذ ترنم اسرائیل بهذا النشید: Tr 190.3
«اصعدي ایتها البئر اجیبوا لها
بئر حفرها رؤساء ، حفرها شرفاء الشعب
بصولجان بعصبیهم» ( عدد ۲۱ : ۱۷ و ۱۸ ) Tr 190.4
وما اکثر ما یتكرر هذا التاریخ في الاختبار الروحي لم وما اكثر ما تفك ينابيع التوبة والايمان والرجاء والمحبة والفرح في النفس بواسطة كلام التسبيح المقدس ! Tr 191.1
لقد خرجت جیوش العبرانیین للخلاص العظیم بقيادة يهوشافاط بأغاني الحمد . فقد وصلت الى يهوشافاط أخبار عن حرب تدق أبوابه فقد قال له اولئك الناس : « قد جاء علیك جمهور كثیر » « بنو موآب وبنو عمون ومعهم العمونیون » «فخاف یهوشافاط وجعل وجهه لیطلب الرب ونادی بصوم في كل يهوذا . واجتمع يهوذا ليسألوا الرب . جاءوا أيضا من كل مدن يهوذا ليسألوا الرب» . واذ و قف یهوشافاط فی دار الهیكل امام الشعب سكب نفسه في الصلاة متوسلا الى الله ومطالبا اياه بوعده ومعترفا بعجز العبرانيين اذ قال : «لأنه ليس فينا قوة أمام هذا الجمهور الكثير الآتي علينا ونحن لا نعلم ماذا نعمل و لكن نحوك اعیننا » ( ۲ اخبار 20 : ۲ و ۱ و ۳ و 4 و ۱۲ ) Tr 191.2
واذا بیحزئیل اللاوی قد «کان علیه روح الرب فی وسط الجماعة فقال اصغوا یا جمیع یهوذا و سکان أورشلیم وأيها الملك یهوشافاط هكذا قال الرب لكم لا تخافوا ولا ترتاعوا بسبب هذا الجمهور الكثیر لان الحرب لیست لکم بل الله . . . لیس علیکم انتحاربوا فی هذه . قفوا اثبتوا وانظروا خلاص الرب معكم . . . لا تخافوا ولا ترتاعوا . غدا أخرجوا للقائهم والرب معكم (۲ اخبار ۰ ۲ : ۱۹ و ۱۷) Tr 191.3
«وبكروا صباحا وخرجوا الى بریة تقوع» ( ۲ اخبار 20 : 20 ) وقد سار امام الجیش مغنون رافعین أصوات الحمد لله ـــ مسبحینه علی النصرة التي قد وعدهم بها Tr 191.4
وفي اليوم الرابع بعد ذلك عاد الجيش الى أورشلیم یحملون غنیمة أعدائهم مرد دین آیات الحمد الله علی الانتصار الذي قد احرز Tr 192.1
أن داود فی وسط تقلبات حیاته التی لم تكن تعرف الاستقرار كانت له شركة مع السماء بواسطة التسبيح . وما أجمل الصورة التي ترسمها اختباراته وهو غلام یرعی الغنم بهذه الكلمات Tr 192.2
« الرب راعـَّي فلا يعوزني شيء . في مراعٍ
خضر یربضني الى میاه الراحة یوردنی . . .
أيضا اذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف
شرا لانك انت معي . عصاك وعكازك هما
یعزیاننی ” ( مزمور ۲۳ : ۱ - 4) Tr 192.3
وفی رجولته حین کان هاربا مطاردا فاذ وجد ملاذا فی الصخور وفي كهوف البرية كتب يقول : Tr 192.4
” یا الله الهی انت. أليك أبكر . عطشت ألیك
نفسي
يشتاق أليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة
بلا ماء . . .
لأنك كنت عونا لي ويظل جناحيك ابتهج ”
” لماذا انت منحنية يانفسي ولماذا تئنين فـَّي ترجي الله لاني بغد احمده . خلاصي
والهي ”
” الرب نوري وخلاصي ممن اخاف . الرب
حصن حياتي ممن ارتعب ” ( مزمور 63 : 1 — 7 ؛ 42 : 11 ؛ 27 : 1 ) Tr 192.5
أن نفس هذه الثقة تسمع فيما كتبه وهو ملك مخلوع عن عرشه وغیر متوج عندما هرب من أورشليم حین تمرد ابنه ابشالوم عليه. فاذ کان قد انهكه الحزن والاعیاء الذي ناله عند هروبه فقد توانی هو و جماعته بضع ساعات بجانب نهر الاردن بقصد الراحة وقد أيقظه الإخطار الذي يأمره بالهروب في الحلل . كان يجب على تلك الجماعة من الرجال والنساء والاولاد الصغار ان يعبروا النهر العميق السريع الجریان تحت جنح الظلام لان جیوش الابن الخائن کانت تجد في اثرهم Tr 193.1
ففي احلك ساعات التجربة تفنی داود بقوله : Tr 193.2
« بصوتی الى الرب أصرخ فیجیبنی من جبل
قدسه
انا اضطجعت ونمت . استيقظت لان الرب
يعضدني
لا اخاف من ربوات الشعوب المصطفين علـَّى
من حولي ” ( مزمور ۳ : 4 - 6 ) Tr 193.3
وبعدها أرتكب خطيته الفظيعة ففي حزن الندامة وكرهه لذاته اتجه مع ذلك الى الله كأفضل صديق له فصلی یقول : Tr 193.4
« ارحمني يا الله حسب رحمتك . حسب Tr 194.1
كثرة رأفتك امح معاصَّي . . . Tr 194.2
طهرانی بالزوفا فأطهر . أغسلنی فابیض اکثر Tr 194.3
من الثلج » ( مزمور 51 : ۱ - ۷) Tr 194.4
أن داود في حياته الطويلة التي عاشها على الارض لم يجد مكان راحة أو استقرار . وهو الذي قال : ” لأننا نحن غرباء امامك ونزلاء مثل كل آبائنا . ايامنا کالظل علی الارض ولیس رجاء ” (۱ اخبار ۲۹ : 15) Tr 194.5
“الله لنا ملجأ وقوة . عونا في الضيقات وجد
شدیدا. لذلك لا نخشى ولو تزحزحت الارض
ولو انقلبته الجبال الى قلب البحار”
” نهر سواقیه تفرح مدینة الله مقدس مساکن
العلي
الله في وسطها فلن تتزعزع . يعينها الله عند
أقبال الصبح . . .
رب الجنود معنا . ملجأنا اله يعقوب ”
” الله هذا الهنا الى الدهر والابد
هو بهدينا حتی الى الموت ” ( مزمور ٤٦ : 1 و 2 و 4 — 7 ؛ 48 : 14 ) Tr 194.6
أن يسوع في حياته الارضية واجه التجربة بالتسبيح. وغالبا عندما كان الناس يتكلمون بالكلام الحاد اللاذع ، وغالبا عندما كان الجو الذي حوله يبدو مثقلا بالحزن والتبرم والشك أو الخوف الطاغي كانت تسمع انشودته انشودة الایمان والفرح القدس Tr 194.7
وفي تلك الليلة الاخيرة الكئيبة ليلة عشاء الفصح وهو مزمع أن یخرج لیسلـَّم ویموت ارتفع صوته وهو يترنم قائلا كلام المزمور : Tr 195.1
” لیکن اسم الرب مبارکا من الآن والی الابد
من مشرق الشمس الى مغربها اسم الرب
مسبح ”
” أحببت لأن الرب يسمع صوتي تضرعاتي
لانه أمال أذنه الـَّي فأدعوه مادة حياتي
اكتنفتني حبال الموت أصابتني شدائد الهاوية
كابدت ضيقا وحزنا. وباسم الرب دعوت آه يا
رب نج نفسي . الرب حنّان وصديق والهنا
رحيم الرب حافظ البسطاء. تذللت فخلصني
ارجعی یا نفسی الی راحتك لان الرب قد
أحسن اليك
لانك انقذت نفسي من الموت وعيني من الدمعة
ورجلـَّی من الزلق ” (مزمور ۱۱۳ : ۲ و ۳ ؛ 116 : 1 — 8 ) Tr 195.2
وفي وسط الظلمات الداجية في ازمة الارض الاخيرة العظيمة سیضیء نور الله بأشد لمعان . وستّسمع أغنية الرجاء والثقة في أصفى وأعلى انغامها ـ قائلة : Tr 195.3
” في ذلك اليوم يغنّى بهذه الاغنية في ارض
يهوذا
لنا مدينة قوية . يجعل الخلاص أسوارا
ومترسة Tr 195.4
افتحوا الابواب لتدخل الامة البارة الحافظة
الامانة
ذو الرأي الممکن تحفظه سالما سالما لانه علیك
متوكل
توكلوا علی الرب الى الابد لان فی یاه الرب
صخر الدهور” ( اشعیاء 26 : ۱ - 4) Tr 196.1
“ومفدیو الرب یرجعون ویأتون الى صهیون بترنم و فرح أبدي علی رؤوسهم . ابتهاج وفرح یدركانهم ويهرب الحزن والتنهد ” ( اشعیاء 35 : 10) Tr 196.2
” فيأتون ویرنمون فی مرتفع صهیون ویجرون الى جود الرب... وتكون نفسهم کجنة ریا ولا يعودون يذوبون بعد ” ( أرمیا ۳۱ : ۱۲ ) Tr 196.3