بعد تدشين الخيمة كرس الكهنة لوظيفتهم المقدسة ، واستغرقت هذه الخدمات سبعة أيام ، امتاز كل منها بطقوس خاصة . وفي اليوم الثامن دخلوا على خدمتهم ، فقدم هارون الذبائح التي طلبها الله ، وكان ابناه يساعدانه في ذلك ، ثم رفع يديه وبارك الشعب ، وقد تم كل شيء كما أمر الله ، فقبل الله الذبيحة وأعلن مجده بكيفية عجيبة ، إذ نزلت نار من قبل الرب . وأكلت الذبيحة التي كانت على المذبح ، ونظر الشعب إلى مظهر قدرة الله المجيبة هذا بخوف واهتمام عظيم ، ورأوا في ذلك برهانا على مجد الله ورضاه ، فرفعوا جميعهم أصواتهم وهتفوا هتاف الحمد والتمجيد ، وسقطوا على وجوههم كمن هم في محضر الرب المباشر . AA 313.1
ولكن بعد ذلك حلت كارثة رهيبة مفاجئة لعائلة رئيس الكهنة ، ففي ساعة العبادة ، حين كانت صلوات الشعب وتسبيحاتهم صاعدة إلى الله أخذ اثنان من أبناء هارون كل منهما مجمرته وأحرق عليها بخورا عطرا ليرتفع رائحة طيبة أمام الله ، إلا أنهما تعديا أمر الرب بتقديمهما ( نارا غريبة ) . فلأجل إحراق البخور أخذنا نارا عادية بدلا من النار المقدسة التي كان الله نفسه قد أوقدها والتي كان قد أمر باستخدامها لأجل هذه الغاية فبسبب هذه الخطية خرجت نار من عند الرب وأكلتهما أمام عيون الشعب . AA 313.2
كان مركز ناداب وأبيهو أعلى مركز في إسرائيل بعد موسى وهارون ، ولقد أكرمهما الله بنوع خاص ، إذ سمح لهما مع الشيوخ السبعين برؤية مجد الله في الجبل ، ولكن معصيتهما لم يعف عنها لأجل ذلك ولا استخف بها ، فكل هذا زاد في شناعة خطيتهما ، إذ كون الناس قد حصلوا على نور عظيم ، وكغيرهم من رؤساء إسرائيل صعدوا إلى الجبل ، وكان لهم امتياز في الشركة مع الله والسكنى في نور مجده لم يكن لهم أن يخدعوا أنفسهم بالفكر أنه يمكنهم بعد ذلك أن يخطئوا ويعفوا مع ذلك عن العقاب ، وأنهم لكونهم قد حصلوا على هذه الكرامة لن يدقق الله معهم فيعاقب إثمهم . تلك خدعة قاتلة . إن النور العظيم والامتيازات العظيمة الممنوحة للإنسان ينبغي أن تقابل بتجاوب من الفضيلة والقداسة يتناسب مع النور المعطى له ، فالله لا يقبل شيئا أقل من هذا . إن البركات أو الامتيازات العظيمة ينبغي ألا تخدر الإنسان ليطمئن ويكون عديم الاحتراس أو الحذر . ينبغي ألا يبيح له ذلك ارتكاب الخطية ، ولا يظن من ينال البركات أن الله لن يكون مدققا معه . إن كل الميزات الممنوحة من الله هي وسائله لإدخال الحماسة في النفس ، وبث الحرارة في الجهود ، والنشاط في تنفيذ إرادته المقدسة . AA 313.3
إن ناداب وأبيهو لم يتدربا في شبابهما على فضيلة النفس. إن ميل أبيهما إلى الاستسلام وعدم ثباته في الوقوف إلى جانب الحق ، كل ذلك جعله يهمل في تربية ولديه وتدريبهما ، إذ سمح لهما بإتباع أميالهما . إن عادات التسامح والانغماس في الملذات التي قد أبقاها ناداب وأبيهو ونمياها طويلا في قلبيهما تحكمت فيهما بحيث لم يستطع وقار أقدس وظيفة أن يضعف من سيطرتها . إنهما لم يتعلما احترام سلطة أبيهما ولم يتحققا من ضرورة الطاعة الكاملة لمطالب الله . إن تدليل هارون الخاطئ لابنيه جعلهما يتعرضان لدينونة الله . AA 314.1
لقد قصد الله أن يعلم الشعب وجوب الاقتراب منه بوقار وخوف ، وبالكيفية التي قد عينها . إنه لا يمكنه أن يقبل طاعة ناقصة مبتورة . لم يكن يكفي أنه في موسم العبادة المقدس هذا يعمل كل شيء تقريبا بموجب تعليمات الرب . لقد نطق الله باللعنة على من يحيدون عن وصاياه ولا يفرقون بين الأشياء المقدسة والأشياء المادية . إنه يعلن على لسان النبي قائلا : ( ويل للقائلين للشر خيرا وللخير شرا ، الجاعلين الظلام نورا والنور ظلاما ... ويل للحكماء في أعين أنفسهم ، والفهماء عند ذواتهم ... الذين يبررون الشرير من أجل الرشوة ، وأما حق الصديقين فينزعونه منهم ... إنهم رذلوا شريعة رب الجنود ، واستهانوا بكلام قدوس إسرائيل ) (إشعياء 5 : 20 — 24) لا يخدعن أحد نفسه بكونه يظن أن بعضا من وصايا الله غير جوهرية أو أنه يقبل بديلا عما قد أمر به . يقول النبي إرميا ( من ذا الذي يقول فيكون والرب لم يأمر؟ ) (مراثي 3 : 37) والله لم يقدم في كلامه أمرا يمكن أن يعصاه الناس أو يطيعوه حسب مشيئتهم ، دون أن يتحملوا العواقب . فإذا اختار الناس طريقا أخر غير الطاعة الكاملة الناجزة فسيجدون أن )عاقبتها طرق الموت ( (أمثال 14 : 12) . AA 314.2
( وقال موسى وألعازار وإيثامار ابنيه : لا تكشفوا رؤوسكم ولا تشقوا ثيابكم لئلا تموتوا ... لأن دهن مسحة الرب عليكم ) (لاويين 10 : 6 ، 7) وقد ذكر القائد العظيم أخاه بقول الرب : ( في القريبين منى أتقدس ، وأمام جميع الشعب أتمجد ) (لاويين 10 : 3) . فصمت هارون . إن موت ابنيه اللذين قطعا بدون إنذار في مثل هذه الخطية الرهيبة — تلك الخطية التي رأى الآن أنها كانت نتيجة إهماله في القيام بواجبه — قد عصر قلب ذلك الآب بالحزن والانسحاق ، إلا أنه لم يعبر عن مشاعره إذ كان عليه ألا يحبذ الخطية أو ينعطف نحوها بإظهار حزنه ، كما كان يجب ألا يسوق ذلك الحادث المحزن الجماعة إلى التذمر على الله . AA 315.1
إن الله يريد أن يعلم شعبه أن يعترفوا بعدالة تأديباته حتى يكون عند الباقين خوف . لقد كان بين إسرائيل جماعة كان بالإمكان أن يصير هذا القضاء المروع رادعا لهم عن التجرؤ على صبر الله إلى أن يختم على مصيرهم بعد ذلك . إن الرب ينتهر ذلك العطف الكاذب على الخاطئ في محاولة الاعتذار عن خطيته أو التغاضي عنها ، لأن الخطية تميت الإحساس الأدبي بحيث لا يتحقق المذنب من هول معصيته ، وبدون تبكيت روح الله القدوس له يبقي في عماه محابيا لخطيته . إن واجب خدام المسيح هو أن يبصروا هؤلاء المخطئين بالخطر المحدق بهم. وأولئك الذين يفسدون ، تأثير الإنذار بكونهم يعمون عيون الخطاة عن صفة الخطية الحقيقية ونتائجها المحتومة يخدعون أنفسهم قائلين إنهم بهذا يبرهنون على محبتهم ، ولكنهم يبذلون جهدا مباشرا لمقاومة وتعطيل عمل الروح القدس . إنهم يخدرون الخطاة ليستريحوا ويناموا وهم على حافة هاوية الهلاك . ويجعلون أنفسهم شركاء الخاطئ في خطيته ويوقعون أنفسهم تحت مسئولية هائلة إذ يعتبرون مسؤولين عن قساوته وعدم توبته . إن كثيرين جدا قد انحدروا إلى الهلاك نتيجة لهذا العطف الكاذب الخادع . AA 315.2
إن ناداب وأبيهو ما كان يمكن أن يقدما على ارتكاب تلك الخطية المميتة لو لم يكونا قد سكرا بتعاطيهما الخمر بلا رادع قبل ذلك . لقد كانا يعلمان أنه ينبغي لهما أن يستعدا بكل حرص وقداسة قبل الدخول إلى المقدس حيث يستعلن حضور الله ، إلا أنهما بسبب شربهما للخمر أصبحا غير أهل لوظيفتهما المقدسة ، لقد ارتبك عقلاهما وأظلم إدراكهما الأدبي بحيث لم يفطنا إلى الفرق بين ما هو مقدس وما هو دون ذلك . ثم قدم لهارون وابنيه الباقيين هذا الإنذار : ( خمرا ومسكرا لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع لكي لا تموتوا . فرضا دهريا في أجيالكم وللتمييز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر , ولتعليم بني إسرائيل جميع الفرائض التي كلمهم الرب بها ) (لاويين 10 : 9 — 11) إن استعمال المشروبات الروحية يضعف الجسم ويربك العقل ويحط الأخلاق ويصد الناس عن التحقق من قدسية الأشياء المقدسة أو القوة الملزمة لإتمام مطاليب الله . إن كل من قد شغلوا مناصب تتطلب مسؤوليات مقدسة كانوا ملزمين بأن يكونوا رجالا أعفاء بتدقيق ، حتى تكون عقولهم صافية للتميز بين الصواب والخطأ ليثبتوا في مبادئهم ويكونوا حكماء في إقرار العدالة وصنع الرحمة . AA 315.3
هذا الالتزام هو واجب على كل أتباع المسيح . يقول بطرس الرسول : ( وأما أنتم فجنس مختار ، وكهنوت ملوكي ، أمة مقدسة ، شعب اقتناء ) (1 بطرس 2 : 9) إن الله يريدنا أن نحتفظ بكل قوة فينا في أفضل حالة ممكنة لنقدم خدمة مقبولة لجابلنا . ولكن تعاطي المسكرات ينتج نفس ما حدث مع كاهني إسرائيل . إن الضمير يفقد إحساسه بالخطية ، ثم أن الإنسان يتقسى في الإثم حتما ، تبعا لذلك حتى لا يعود هنالك فرق بين ما هو مقدس وما هو عادي . فكيف إذا نصل إلى مقياس مطاليب الله ؟ ( أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم ، الذي لكم من الله ، وأنكم لستم لأنفسكم ؟ لأنكم قد اشتريتم بثمن . فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله ) ( فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئا ، فافعلوا كل شيء لمجد الله) وإلى كنيسة المسيح في كل العصور يوجه الله هذا الإنذار المقدس الخطير الرهيب : ( إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله ، لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو ) (1 كورنثوس 6 : 19 ، 20 ، 10 : 31 ، 3 : 17) . AA 316.1
* * * * *