إنّ مثَل الكرم لا ينطبق على الأمة اليهودية وحدَها. ولكنّ لنا فيه درسا. فالكنيسة في هذا العصر قد منحها الله ميزاتٍ وبركاتٍ عظيمةً وهو ينتظر نتائجَ تناسب ذلك كله. COLAr 272.2
إنّنا قد افتُدينا بثمنٍ غالٍ. فبواسطة هذه الفدية وعظمتها يمكننا إدراكَ نتائجها. فعلى هذه الأرض، الأرض التي قد رُويَت تربتُها بدموع ابن الله ودمه يجب أن تطلعَ ثمارُ الفردوس. وفي حياة شعب الله يجب أن تُعلنَ حقائقُ كلمته مجدَها وسموها. والمسيح سيُظهر صفاتِه ومبادئ ملكوته بواسطة شعبه. COLAr 272.3
إنّ الشيطان يحاول أن يقاومَ عمل الله وهو على الدوام يلحّ على الناس في قبول مبادئه. وهو يصور شعب الله المختار كمن هو شعب مخدوع. إنّه المشتكي على الإخوة، وقوّته على الاتّهام تُستخدَم ضدّ من يصنعون البرّ. والرب يرغب بواسطة شعبه أن يجاوب على اتهامات الشيطان بإظهار نتائج الطاعة للمبادئ الصحيحة. COLAr 272.4
هذه المبادئ يجب أن تظهرَ في حياة كل فرد مسيحي وفي العائلة والكنيسة وكل مؤسّسة تُقام لأجل خدمة الله. فيجب أن يكون الجميع رموزا لما يمكن عمله لأجل العالم. يجب أن يكونوا رموزا لقوّة حقائق الإنجيل المُخَلِّصة. وعلى الجميع أن يكونوا أعوانا في إتمام قصد الله العظيم للجنس البشري. COLAr 272.5
كان رؤساء اليهود ينظرون بفخر إلى هيكلهم العظيم وإلى طقوس خدمتهم الدينية المهيبة، ولكن كانت تنقصهم الرحمة والعدل ومحبة الله. فمجد الهيكل وبهاء خدمتهم لم يمكنهما أن يعطياهم قبولا لدى الله، لأنّهم لم يقدموا له الشيء الوحيد الذي له قيمة في نظره. لم يقدموا له ذبيحة الروح المتواضعة المنسحقة. فعندما تختفي مبادئ ملكوت الله الحيوية تصبح الطقوس عديدة ومسرفة. فعندما يُهمَل بناءُ الخلُق، وعندما لا توجد زينةُ النفس، وعندما يغيب عن الأنظار جمالُ التقوى وبساطتُـها فإنّ الكبرياء وحب التفاخر يتطلبان أن تكون أبنية الكنائس فخمة، وزيناتُها فاخرة واحتفالاتُها مهيبةً. وفي كل هذا لا يُكرَم الله — فالديانة التي تتمشّى مع العصر والتي تنحصر في الطقوس والتظاهر والتفاخر غير مقبولة لديه. فخدماتُها لا تجدُ استجابةً من رسل السماء. COLAr 273.1
إن الكنيسة عزيزة جدا ففي نظر الله. وهو يقدرها لا على أساس ميزاتها الخارجية بل على أساس التقوى الخالصة التي تميزها على العالم. وهو يقدرها بنسبة نمو أعضائها في معرفة المسيح وبنسبة تقدمهم في الاختبار الروحي. COLAr 274.1
إنّ المسيح يشتهي لأن يحصل من كرمه على ثمر القداسة والإيثار. وهو يبحث عن مبادئ المحبة والصلاح. إنّ كل جمال الفنّ لا يمكنه أن يضارع جمال الطبع والخلُق الذي يظهر في مَن يمثلون المسيح. إنّ جوّ النعمة الذي يحيط بنفس المؤمن، والرُّوح الْقُدُس العامل في الذهن والقلب هو الذي يجعله رائحة حياةِ لحياةٍ ويجعل الله قادرا على أن يباركَ عمله. COLAr 274.2
قد تكون جماعة هي من أفقر الجماعات في البلاد. وقد لا يكون هنالك أي مظهر خارجي يجذب الناس إليها، ولكن إذا كان لأعضائها مبادئ صفات المسيح فسيملأ فرحُه نفوسهم. والملائكة سيشاركونهم في عبادتهم. وستصعد أغاني الحمد والشكر من القلوب الشاكرة كتقدمة طيّبة مقبولة. COLAr 274.3
والرب يريدنا أن نذكرَ صلاحَه ونخبرَ بقوّته. إنّ الذي يكرمه هو تعبيرُنا عن حمدنا وشكرنا. فهو يقول: « ذَابحُ الْحَمْدِ يُمَجِّدُنِي » (مزمور ٥٠: ٢٣). إنّ جموع شعب إسرائيل وهم يسافرون عبر البرية حمدوا الله بالأغاني المقدسة. وقد نُظِّمت ألحانُُ لوصايا الله ومواعيده، وعلى طول الطريق في رحلاتهم رنم هؤلاء السيّاح بتلك الألحان. وفي كنعان عندما كانوا يجتمعون في أعيادهم المقدسة كان عليهم أن يعدّدوا عجائب الله، ويقدموا الشكر والحمد لاسمه. وقد رغب الله في أن تكون كل حياة شعبه حياة الحمد والتسبيح. وهكذا كان يجب أن « يُعْرَفَ فِي الأَرْضِ » طريقه « وَفِي كُلِّ الأُمَمِ» خلاصه. (مزمور ٢٧: ٢). COLAr 274.4
وهذا ما يجب أن يكون الآن. فأهل العالم يتعبّدون للآلهة الكاذبة. فيجب تحويلهم عن عبادتهم الكاذبة، ليس بواسطة التشهير بأوثانهم بل بتوجيه أنظارهم إلى شيء أفضل. ليُعلنَ جودُ الله: « أَنْتُمْ شُهُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ » (إِشَعْيَاء ٤٣: ١٢). COLAr 275.1
والرب يريدنا أن نقدر تدبير الخلاص العظيم، وأن نستوعب امتيازَنا السامي كأولاد الله وأن نسلكَ أمامَه في طاعة بحمد وشكر. وهو يريدنا أن نخدمه في جدة الحياة بفرح في كل يوم. وهو يتوق لأن يرى الشكر يفيض من قلوبنا لأنّ أسماءَنا قد كُتبت في سفر حياة الخروف، ولأنه يمكننا أن نلقي كل همومنا على ذاك الذي يعتني بنا. إنّه يأمرنا بأن نفرحَ لأننا ميراث الرب، ولأنّ برّ المسيح هو رداء قدّيسيه الأبيض، ولأن لنا الرجاء المبارك، رجاءُ مجيء مخلصنا سريعا. COLAr 275.2
إنّ تسبيح الله في ملء وإخلاص القلب هو واجب كالصلاة. فعلينا أن نُظهر للعالم ولكل الكائنات السماوية على أننا نقدر محبة الله العجيبة للبشرية الساقطة، وعلى أننا ننتظر بركات أعظم وأعظم من ملئه غير المحدود. وعلينا أن نتحدث عن المراحل الثمينة في اختبارنا أكثر مما اعتدنا أن نفعل. فبعدما ينسكب علينا الرُّوح الْقُدُس انسكابا خاصا فإنّ فرحَنا في الرب وكفاءَتنا في خدمته تزداد زيادة عظيمة متى أحصينا مظاهر جوده وأعماله العجيبة في صالح أولاده. COLAr 275.3
هذه الشهادات تصدُ قوة الشيطان. وهي تطرد روح التذمّر والشكوى والطبع الحاد لا يستطيع الثبات. وهي تغرس تلك السجايا الخلقية التي تؤهّل ساكني الأرض للمواطن السماوية. COLAr 276.1
مثلُ هذه الشهادة سيكون لها تأثيرٌ على الآخرين. ولا توجد وسائل أخرى أفعلَ منها يمكن استخدامُها في ربح النفوس للمسيح. COLAr 276.2
وعلينا أن نسبّحَ الله بخدمة ملموسة ظاهرة بأن نفعل كلَّ ما في مقدورنا لنقدّم مجدَ اسمه. فالله يمنحنا هباته لكي نوزعها نحن أيضا وهكذا نذيع صفاتِه في العالم. ففي النظام اليهودي كانت العطايا والتقدمات تكوّن جزءا جوهريا من عبادة الله. فقد تعلّم بنو إسرائيل أن يكرّسوا عشر إيرادهم كله لخدمة المقدس. وفضلا عن هذا فقد كان عليهم أن يقدموا ذبائح خطية وعطايا اختيارية وتقدمات شكر. كانت هذه هي الوسائل المعينة لإعالة خدمة الإنجيل في ذلك الحين. والله لا ينتظر منّا أقل مما كان ينتظر من شعبه في القديم. فالعمل العظيم لأجل خلاص النفوس ينبغي أن يسير قُدما. ففي العشور مع العطايا والتقدمات أعدّ الربُ موردا لأجل هذا العمل. بهذه الكيفية هو يقصد أن تُعال خدمة الإنجيل. وهو يطالب بالعشور على أنّها له فينبغي اعتبارها دائما على أنّها ذخيرة مقدسة توضع في الخزانة لأجل خير عمله. ثم هو يطلب منا أيضا عطايانا الطوعية وتقدمات الشكر. فينبغي تكريس هذه كلها لأجل إرسال الإنجيل إلى أقصى الأرض. COLAr 276.3
ثم إنّ الخدمة لله تتضمن أيضا الخدمة الشخصية. بواسطة المجهود الفردي علينا أن نتعاون معه لأجل خلاص العالم. إنّ مأمورية المسيح التي قال فيها: « اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا » موجهة إلى كل واحد من أتباعه (مرقس ١٦: ١٥). فجميع المكرسين لحياة المسيح هم معينون ليخدموا لأجل خلاص بني جنسهم. وقلوبهم ستختلج بانسجام مع قلب المسيح. وسيظهر فيهم نفسُ الشوق لخلاص النفوس الذي كان هو يحسّ به. لا يمكن للجميع أن يملأوا نفسَ المكان في العمل، لكن يوجد مكان وعمل للجميع. COLAr 276.4
في العصور السالفة نجد أنّ إِبْرَاهِيم واسحق ويعقوب، وموسى بوداعته وحكمته، ويشوع بإمكانياته المتعددة، كلهم جُنّدوا في خدمة الله. وكانت الحاجة إلى الموسيقى التي قدمتها مريم وإلى شجاعة دبّورة وتقواها، وإلى محبة راعوث كابنة، وإلى طاعة صموئيل وأمانته، وإلى ولاء إيليا الصارم، وإلى تأثير أليشع المهدّئ المخضع. وهكذا الآن كل من قد أغدق الله عليهم بركاته عليهم أن يستجيبوا بالخدمة الفعلية، فينبغي استخدام كل هبة لأجل تقدّم ملكوته ومجد اسمه. COLAr 277.1
وعلى كل من يقبلون المسيح كمخلصهم الشخصي أن يقيموا الدليل على صدق الإنجيل وقوّته المُخَلِّصة للحياة. إنّ الله لا يطلب شيئا بدون أن يدبّر ما يلزم لإتمامه. فبنعمة المسيح يمكننا أن ننجز كل ما يطلبه منا. فكل غنى السماء وكنوزها ستُعلنُ بواسطة شعب الله. فقد قال المسيح: « بِهذَا يَتَمَجَّدُ أَبِي: أَنْ تَأْتُوا بِثَمَرٍ كَثِيرٍ فَتَكُونُونَ تَلاَمِيذِي » (يوحنا ١٥: ٨). COLAr 277.2
إنّ الله يطالب بالأرض كلّها ككرمه. فمع أنّها الآن في أيدي الغاصب فهي ملك لله. فهي له بحقّ الفداء كما أنّها له بحقّ الخلق. لقد قدم المسيح نفسه ذبيحة لأجل العالم: « هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ » (يوحنا ٣: ١٦). فبواسطة تلك الهبة الواحدة تُمنح كل هبة أخرى للناس. وفي كل يوم يتناول العالم كله البركة من الله. فكل قطرة من قطرات المطر، وكل شعاعة من أشعة النور المنسكبة على جنسنا غير الشكور، وكل ورقة وزهرة وثمرة تشهد لطول أناة الله وحبه العظيم. COLAr 277.3
وما هي التعويضات التي تقدَّم للمعطي العظيم؟ وكيف يتعامل الناس حيال مطاليب الله؟ ولمن يقدم جموع بني الإنسان خدمات حياتهم؟ إنّهم يخدمون المال. فالثروة والمركز والمسرات هي هدفهم في الحياة. فالثروة يحصلون عليها بالسلبِ، لا سلبِ الإنسان وحدَه بل سلبِ الله أيضا. فالناس يستخدمون هباتِه في إشباع أنانيتهم. وكل ما يمكنهم أن يستحوذوا عليه يستخدمونه في خدمة طمعهم وحبهم للملذات الأنانية. COLAr 278.1
إنّ خطية العالم اليوم هي الخطية التي جلبت على إسرائيل الهلاك. فنكران فضل الله وإهمال الفرص والبركات، والأنانية البادية في تخصيص هباتِ الله لذواتهم. COLAr 278.2
هذه كانت متضمنة في الخطية التي جلبت الغضب على إسرائيل. وهي لا تزال تجلب الدمار على العالم اليوم. COLAr 278.3
إنّ الدموع التي سكبها المسيح على جبل الزيتون عندما وقف يشرف على المدينة المختارة لم تكن لأجل أورشليم وحدها. فلقد شاهد في مصير أورشليم هلاك العالم « لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ » (لوقا ١٩: ٤٢). COLAr 278.4
« فِي يَوْمِكِ هذَا ». إنّ اليوم موشك على الانتهاء. وفرصة الرحمة والامتياز قاربت أن تنتهي. وها هي سحب النقمة تتجمع. ورافضو نعمة الله موشكون على أن يطويهم الهلاك السريع الذي لا يجبر. ومع ذلك فالعالم نائم. فالناس لا يعرفون زمان افتقادهم. COLAr 278.5
وفي هذه الأزمة أين توجد الكنيسة؟ هل أعضاؤها يتممون مطاليب الله؟ وهل يقومون بنشر رسالته وتمثيل صفاته للعالم؟ وهل يوجهون بلجاجة انتباه بني جنسهم إلى رسالة الإنذار الرحيمة الأخيرة؟ COLAr 278.6
إنّ الناس في خطر. فجماهيرُ كثيرة تهلك. ولكن ما أقل الذين يعترفون بأنّهم أتباع المسيح الذين هم مثقّلون بالمسؤولية نحو هذه النفوس! إنّ مصير العالم يتأرجح بين كفتي الميزان، ولكن هذا لا يكاد يحرّك حتى من يدّعون بأنّهم يؤمنون بأعظم حق بعيد المدى قد أُعطِيَ لبني الإنسان. فلا توجد تلك المحبة التي جعلت المسيح يترك وطنه السماوي ويتخذ طبيعة الإنسان حتى يلامس ببشريّته بني الإنسان ويجتذب البشرية إلى الألوهية. يوجد ذهول وشلل أصابا شعب الله يمنعانهم من إدراك واجب الساعة. COLAr 279.1
عندما دخل بنو إسرائيل كنعان لم يتمّموا غرض الله بامتلاك الأرض كلها. فبعدما حازوا انتصاراتٍ جزئيةً استكانوا ليتمتعوا بثمرة انتصاراتِهم — ففي عدم إيمانهم وحبهم للراحة اجتمعوا في أماكن سبق لهم أن افتتحوها بدلا من الاندفاع إلى الأمام لاحتلال أقاليم جديدة. وهكذا ابتدأوا يبتعدون عن الله. فبإخفاقهم في تنفيذ قصده جعلوا من المستحيل عليه أن يتمّم لهم وعدَه بالبركة. ألا تعمل كنيسة اليوم نفس هذا العمل؟ إنّ المعترفين بالمسيحية، والعالم كلّه أمامّهم يحتاج إلى الإنجيل، يجتمعون في أماكن يمكنهم فيها أن يمتعوا أنفسهم بامتيازات الإنجيل. إنّهم لا يحسّون بضرورة احتلال أقاليم جديدة وحمل رسالة الخلاص إلى أقاليم بعيدة. إنّهم يرفضون إتمام أمر المسيح القائل: « اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا » (مرقس ١٦: ١٥). فهل هم أقلّ جرما من الكنيسة اليهودية؟ COLAr 279.2
إنّ المعترفين أتباع المسيح يُمتحنون على ملا من المسكونة السماوية، ولكنّ فتور غيرتهم وضعف جهودهم في خدمة الله تدمغهم بوصمة عدم الأمانة. فلو أنّ ما يعملونه هو أفضل ما يمكنهم عمله ما كانت الدينونة تستقرّ عليهم. ولكن لو انّهم جنّدوا قلوبهم للعمل لكانوا يعملون أكثر من ذلك بكثير. إنّهم يعلمون كما يعلم العالم أنّهم قد أضاعوا روح إنكار الذات وحمل الصليب إلى حد كبير. يوجد كثيرون ممن سيوجد مكتوبا أمام أسمائهم في أسفار السماء: ليسوا منتجين بل مستهلكين. إنّ كثيرين ممن يحملون اسم المسيح يحجبون مجدَه ويُخفون جمالَه ويحجزون كرامتَه. COLAr 279.3
ويوجد كثيرون ممّن أسماؤهم مكتوبة في سجلات الكنيسة ولكنهم ليسوا تحت سلطان المسيح. إنّهم لا يكترثون لوصاياه ولا يعملون عمله. ولذلك هم تحت سيطرة العدّو. إنّهم لا يقومون بأي عمل إيجابي، لذلك فهم يحدثون ضرراً لا يُحصر. فلكون تأثيرهم ليس رائحة حياة لحياة فهو إذن رائحة موت لموت. COLAr 280.1
يقول الرب: « أَمَا أُعَاقِبُ عَلَى هذَا » (إِرْمِيَا ٥: ٩). فلكون بني إسرائيل أخفقوا في إتمام قصد الله فقد أُلقِيَ بهم جانباً وامتدت دعوة الله إلى شعوب أخرى. فإذا برهن هؤلاء على عدم أمانتهم أفلا يُرفَضون كذلك؟ COLAr 280.2
في مثل الكرم حكم المسيح على الكرامين بأنّهم مذنبون. فهم الذين رفضوا أن يردُوا لسيدهم من ثمر الكرم الذي هو ملكه. وبالنسبة إلى الأمة اليهودية نجد أن الكهنة والمعلّمين هم الذين بسبب تضليلهم للشعب سلبوا الله الخدمة التي طالبهم بها. فهم الذين أبعدوا الأمّة عن المسيح. COLAr 280.3
لقد قدم المسيح شريعة الله غير ممتزجة بالتقاليد البشرية كالمقياس العظيم للطاعة. هذا أثار عداوة الأحبار. لقد رفعوا تعاليم الناس فوق كلمة الله وحولوا الشعب بعيداً عن وصايا الناس ليطيعوا مطاليب كلمة الله. ورفضوا التضحية بكبرياء التفكير ومديح الناس لأجل الحق. وعندما جاء المسيح مقدماً مطاليب الله للامة أنكر عليه الكهنة والشيوخ حقّه في التدخل بينهم وبين الشعب. ورفضوا توبيخاته وإنذاراته وعوَلوا على إثارة الشعب ضدّه لكي يقتلوه. COLAr 280.4
لقد كانوا مسؤولين عن رفض المسيح والنتائج التي تلت ذلك. فخطية الأمة وهلاكها نُسِبا إلى الرؤساء الدينين. COLAr 281.1
وفي يومنا هذا ألا نري أنّ التأثيراتِ دائبةٌ على العمل؟ ألا يوجد كثيرون من الكرامين في كرم الرب سائرين في نفس خطوات رؤساء اليهود؟ ألا يحوّل المعلّمون الدينيون الناسَ بعيداً عن مطاليب كلمة الله الصريحة؟ وبدلا من أن يعلّموهم الطاعة لشريعة الله ألا يعلّمونهم العصيان؟ فالناس يتعلّمون من فوق كثير من منابر الكنائس أنّ شريعة الله ليست ملزمةً لهم. فتقاليدُ الناس وفرائضُهم وعاداتُهم تتمجّد. والكبرياء والرضا بالنفس بسبب هباتِ الله تترعرعُ بينما يتجاهل الناسُ مطاليبَ الله. COLAr 281.2
والناس إذ يطرحون شريعة الله جانبا لا يدرون ما هم فاعلون. إنّ شريعة الله هي صورةٌ حيّةٌ من صفاتِه. وهي تشمل مبادئ ملكوته. فالذي يرفض قبول هذه المبادئ إنّما يُبعد نفسَه عن نطاق مجرى بركاتِه. COLAr 281.3
إنّ الإمكانيات المجيدة التي وُضِعت أمام إسرائيل كان يمكن تحقيقها بواسطة الطاعة لوصايا الله فقط. ونفس السموّ في الخلُق، ونفس ملءِ البركة — البركة للعقل والنفس والجسد، البركة في البيت وفي الحقل، والبركة في هذه الحياة والحياة العتيدة — ممكنةٌ لنا عن طريق الطاعةِ وحدَها. COLAr 281.4
وفي العالم الروحي كما في العالم الطبيعي نجد أنّ الطاعة لنواميس الله هي شرطُ الإتيانِ بثمر. فعندما يعلّم الناس الشعب أن يحتقروا وصايا الله فإنهم يمنعونهم من الإتيان بثمرٍ لمجده. إنّهم مذنبون في حرمان الرب من ثمار كرمه. COLAr 281.5
إنّ رسل الله يأتون إلينا بناء على أمر المسيح. إنّهم يقدّمون حقّه بالثمار ثمار الكرم، ثمار المحبة والوداعة والخدمة المضحية. ولكن ألاّ يهتاج كثيرون من الكرامين في الكرم ويغضبون كما فعل رؤساء اليهود؟ وعندما يوضع حق شريعة الله أمام الشعب ألا يستخدم هؤلاء المعلّمون نفوذهم لتحريض الناس على رفضه؟ مثل هؤلاء المعلّمين يدعوهم الله خُداما غيرَ أمناء. COLAr 282.1
إنّ كلام الله لإسرائيل قديما فيه إنذار خطير للكنيسة وقادتها اليوم. فالرب يقول عن إسرائيل: « أَكْتُبُ لَهُ كَثْرَةَ شَرَائِعِي، فَهِيَ تُحْسَبُ أَجْنَبِيَّةً » (هوشع ٨: ١٢). وقد أعلن للكهنة والمعلمين قائلاً: « قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ. لأَنَّكَ أَنْتَ رَفَضْتَ الْمَعْرِفَةَ أَرْفُضُكَ أَنَا ... وَلأَنَّكَ نَسِيتَ شَرِيعَةَ إِلهِكَ أَنْسَى أَنَا أَيْضًا بَنِيكَ؟ » (هوشع ٤: ٦). COLAr 282.2
فهل نسمحُ لإنذارات الله أن تمرّ بنا دون أن نكترث لها؟ ألا نحسن استخدام فرص الخدمة؟ وهل احتقار العالم وكبرياء الفكر والتشبّه بالناس في عاداتهم وتقاليدهم تمسّك من يعترفون بأنّهم تلاميذ المسيح عن خدمته؟ وهل يرفضون كلمة الله كما قد رفض رؤساء اليهود المسيح؟ إنّ عاقبة خطية إسرائيل هي أمامَنا؟ فهل تقبل كنيسة اليوم الإنذار؟ COLAr 282.3
« فَإِنْ كَانَ قَدْ قُطِعَ بَعْضُ الأَغْصَانِ، وَأَنْتَ زَيْتُونَةٌ بَرِّيَّةٌ طُعِّمْتَ فِيهَا، فَصِرْتَ شَرِيكًا فِي أَصْلِ الزَّيْتُونَةِ وَدَسَمِهَا، فَلاَ تَفْتَخِرْ ... مِنْ أَجْلِ عَدَمِ الإِيمَانِ قُطِعَتْ، وَأَنْتَ بِالإِيمَانِ ثَبَتَّ. لاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ! لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى الأَغْصَانِ الطَّبِيعِيَّةِ فَلَعَلَّهُ لاَ يُشْفِقُ عَلَيْكَ أَيْضًا » (رومية ١١: ١٧-٢١). COLAr 282.4