(يعتمد هذا الفصل على ما جاء في متى ٢٢: ١-١٤).
إنّ مَثَل لباس العرس يكشف لنا درسـاً له أعظم النتائج. فالـزواج يرمز إلى الاتحاد بين الناسوت واللاهوت، ولباس العرس رمز إلى الخّلُق الذي يجب أن يتحلّى به كل من يحسبون ضيوفا للعرس. COLAr 283.1
في هذا المثـل كما في مثل العشـاء تُوضّح دعوةُ الإنجيل. ورفضُ الشـعب اليهودي لها، ودعوة الرحمة للأمم. أمّا من جانب من يرفضون الدعوة فان هذا المثل يعرض للأنظار إهانة أعظم وقصاصا أرهب. إنّ الدعوة إلى العرس هي دعوة ملك. فهي مرسلة من قبل من هو مزود بسلطان لان يأمر. وهي تمنح كرامة عظيمة. ومع ذلك فليس من يقدّر هذه الكرامة. فالناس يزدرون بسلطان الملك. ففي حين أنّ دعوة ربّ البيت قوبلت بعدم اكتراث فان دعوة الملك قوبلت بالإهانة والقتل. فلقد عاملوا عبيده بالاحتقار إذ شتموهم وقتلوهم. COLAr 283.2
إنّ ربّ البيت إذ رأي دعوته وقد استُخْفّ بها أعلن أنّه ولا واحد من أولئك الرجال المدعوين يذوق عشاءه. أمّا الذين احتقروا الملك فقد أمر الملك لهم بقصاص أعظم من الطرد من حضرته والحرمان من طعام مائدته: « أَرْسَلَ جُنُودَهُ وَأَهْلَكَ أُولئِكَ الْقَاتِلِينَ وَأَحْرَقَ مَدِينَتَهُمْ » (متي ٢٢: ٧). COLAr 283.3
في كلا المثلين أُعِدَّ ضيوفٌ للوليمة، ولكن المثل الثاني يرينا أنّ هنالك استعدادا يجب أن يقوم به كلّ من يحضرون إلى العرس. فالذين يهملون هذا الاستعداد يُطرحون خارجا: « فَلَمَّا دَخَلَ الْمَلِكُ لِيَنْظُرَ الْمُتَّكِئِينَ، رَأَى هُنَاكَ إِنْسَانًا لَمْ يَكُنْ لاَبِسًا لِبَاسَ الْعُرْسِ فَقَالَ لَهُ: يَا صَاحِبُ، كَيْفَ دَخَلْتَ إِلَى هُنَا وَلَيْسَ عَلَيْكَ لِبَاسُ الْعُرْسِ؟ فَسَكَتَ. حِينَئِذٍ قَالَ الْمَلِكُ لِلْخُدَّامِ: ارْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَخُذُوهُ وَاطْرَحُوهُ فِي الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ » (متى ٢٢: ١١-١٣). COLAr 284.1
إن الدعوة إلى الوليمة كان قد قدمها تلاميذ المسيح. لقد أرسل سيدنا الاثنى عشر وبعد ذلك أرسل السبعين معلنين أنّ ملكوت الله قد اقترب ومنادين الناس أن يتوبوا ويؤمنوا بالإنجيل. ولكن لم يكن من يكترث للدعوة. فالذين دُعوا إلى الوليمـة لم يأتـوا. وبعد ذلك أرسل العبيد ليقولوا: « هُوَذَا غَدَائِي أَعْدَدْتُهُ. ثِيرَانِي وَمُسَمَّنَاتِي قَدْ ذُبِحَتْ، وَكُلُّ شَيْءٍ مُعَدٌّ. تَعَالَوْا إِلَى الْعُرْسِ » (متى ٢٢: ٤). كانت هذه هي الرسالة المقدمة إلى الأمة اليهودية بعد صلب المسيح، ولكنّ الأمة التي ادّعت أنّها شعب الله الخاص رفضت الإنجيل المرسل إليها بقوة الرُّوح الْقُدُس. وكثيرون اغتاظوا جدا بسبب عطية الخلاص، وعطية غفران الخطايا، فعلوا هذا بكيفية تدل على منتهى الاحتقار. وآخرون اغتاظوا جداً ورفضوا رب المجد بحيث انقلبوا على حاملي الرسالة. فكان « اضْطِهَادٌ عَظِيمٌ » (أعمال ٨: ١). وكثيرون من الرجال والنساء أُلقِيَ بهم في السجن وبعض من رسل الرب كاستفانوس ويعقوب قتلوا. COLAr 284.2
وهكذا ختم الشعب اليهودي على رفضه لرحمة الله. كان المسيح قد سبق فأنبأ بالنتيجة حين قال أن الملك: « أَرْسَلَ جُنُودَهُ وَأَهْلَكَ أُولئِكَ الْقَاتِلِينَ وَأَحْرَقَ مَدِينَتَهُمْ » (متى ٢٢: ٧). فالدينونة التي نطق بها حلت باليهود في خراب أورشليم وتشتيت الأمة. COLAr 284.3
أما الدعوة الثالثة إلى الوليمة فترمز إلى تقديم الإنجيل إلى الأمم. فقد قال الملك « أَمَّا الْعُرْسُ فَمُسْتَعَدٌّ، وَأَمَّا الْمَدْعُوُّونَ فَلَمْ يَكُونُوا مُسْتَحِقِّينَ. فَاذْهَبُوا إِلَى مَفَارِقِ الطُّرُقِ، وَكُلُّ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ فَادْعُوهُ إِلَى الْعُرْسِ » (متى ٢٢: ٨، ٩). أما عبيد الملك الذين خرجوا إلى الطرق فقد « وَجَمَعُوا كُلَّ الَّذِينَ وَجَدُوهُمْ أَشْرَارًا وَصَالِحِينَ » (متى ٢٢: ١٠). كانوا جماعة مختلطة. فبعض منهم لم يكن عندهم اعتبار حقيقي لصاحب الوليمة أكثر ممن قد رفضوا الدعوة. فالفريق الذين دعوا أولاً ظنوا بأنهم لا يستطيعون التضحية بأية منفعة عالمية ليحضروا إلى وليمة الملك، أمّا الذين قبلوا الدعوة فقد كان بينهم قوم لم يفكـروا في غير منفعـة أنفسهم. فقد جاءوا ليقتسموا طعام الوليمة ولكنهم لم يكونوا يرغبون في إكرام الملك. COLAr 285.1
وعندما دخل الملك لينظر الضيوف انكشف أمامه أخلاق الجميع على حقيقتها. وقد أُعِدّ لكل ضيف حضر إلى الوليمة ثوبٌ هو لباس العرس. وكان هذا الثوب هبةً من الملك. فإذ لبسه الضيوف برهنوا على احترامهم لصاحب الوليمة. ولكن كان يوجد إنسانٌ يرتدي ثوبَه العادي. وقد رفض أن يقوم بالاستعداد الذي طلبه الملك فالثوب المعد له بثمن غال استنكف هو أن يلبسَه. وهكذا أهان مولاه. فعندما سأله الملك قائلاً: « كَيْفَ دَخَلْتَ إِلَى هُنَا وَلَيْسَ عَلَيْكَ لِبَاسُ الْعُرْسِ » (متى ٢٢: ١٢)، لم يستطع أن يجيب بشيء. لقد حكم على نفسه. حينئذ قال الملك: « ارْبُطُوا رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ، وَخُذُوهُ وَاطْرَحُوهُ فِي الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ » (متى ٢٢: ١٣). COLAr 285.2
إنّ فحص الملك للضيوف الذين كانوا على المائدة يرمز إلى عمل من أعمال الدينونة. إنّ ضيوف وليمة الإنجيل هم الذين يعترفون بأنهم يخدمون الله، والذين أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة. ولكن ليس كلّ من يعترفون بأنـّهم مسيحيون هم تلاميذ أمناء. فقبل تقديم الجزاء الأخير ينبغي الحكم في مَن هم المؤهلون لشركة ميراث الأبرار. وهذا الحكم ينبغي أن يسبق المجيء الثاني للمسيح في سحاب السماء، لأنَّه عندما يأتي ستكون أجرته معه: « لأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ » (رؤيا ٢٢: ١٢). إذا فقبل مجيئه ستكون قد تقرّرت طبيعة عمل كل واحد، وكل واحد من تلاميذ المسيح سيُخصّص له الجزاء بحسب أعماله COLAr 286.1
ففيما لا يزال الناس ساكنين على الأرض يأخذُ عمل الدينونة التحقيقية مجراه في ديار السماء. والله سيراجع حياة كل من يعترفون بأنّهم تلاميذه. وسيمتحن الجميع بموجب سجل أسفار السماء، وسيتقرّر المصير الأبدي لكل واحدٍ بحسب أعماله. COLAr 286.2
إنّ لباس العرس المذكور في المثل يرمز إلى الخلُق النقي غير الملوث الذي يملكه تلاميذ المسيح الحقيقيون. ولقد أُعطِيَ للكنيسة أن « تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا». « لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ » (رؤيا ١٩: ٨؛ أَفَسُس ٥: ٢٧). إنّ الكتاب يقول عن البرّ النقي أنّه « تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ ». إنّه بِرّ المسيح وصفاته التي بلا لوم التي تعطي لكل من يقبلونه بإيمان كمخلصهم الشخصي. COLAr 286.3
كان أبوانا الأولان يلبسان ثوب الطهارة الأبيض حين وضعهما الله في عدن المقدسة. لقد عاشا في حالة توافق تام مع إرادة الله. فكل قوة عواطفهما كانت معطاة لأبيهما السماوي. وقد اكتنف ذينك الزوجين المقدسين نورُُ جميلُُ ولطيفُُ هو نورُ الله. وكان ثوب النور هذا رمزا لثيابهما الروحية ثياب الطهارة السماوية. فلو ظلاّ على أمانتهما لله لظل ذلك الثوب يكسوهما إلى الأبد. ولكن لمّا دخلت الخطية قطعا صلتَهما بالله واختفى النور الذي كان قبلا يحيط بهما. فإذ كانا عاريين خجلا وحاولا الاستعاضة عن الثياب السماوية بأن خاطا أوراق تين ليصنعا لأنفسهما مآزر. COLAr 286.4
هذا ما فعله من عصوا شريعة الله منذ عصر آدم وحواء لقد خاطوا أوراق تين لتغطية عريهم الذي كان سببه العصيان. لقد لبسوا ثيابا من ابتكارهم فبأعمالهم حاولوا ستر خطاياهم والظفر بقبول الله. COLAr 287.1
ولكن هذا عمل لا يستطيعونه أبدا. ولا يمكن للإنسان أن يبتكر شيئا يأخذ مكان ثوبِ الطهارة الذي قد أضاعه. فلا يمكن لثوب مصنوع من أوراق التين، أو ثوبٍ عالمي أن يلبسه من يجلسون مع المسيح وملائكته في عشاء عرس الحمل. COLAr 287.2
ولا يمكن لغير الكساء الذي قد أعدّه المسيح بنفسه أن يجعلنا أهلا للمثول في حضرة الله. هذا الكساء الذي هو ثوب برّ المسيح سيستر به كلّ نفسٍ تائبة مؤمنة. إنّه يقول: « أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ... ثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ » (رؤيا ٣: ١٨). COLAr 287.3
هذا الثوب المنسوج في نول السماء لا يوجد فيه خيط واحد من صنع الناس. فالمسيح في بشرّيته صاغ خلُقا كاملا وهذا الخلُق هو مستعد لأن يمنّه لنا « كَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا » (إِشَعْيَاء ٦٤: ٦). فكل ما يمكننا أن نعمله من أنفسنا هو منجّس بالخطية. ولكنّ ابن الله قد « أُظْهِرَ لِكَيْ يَرْفَعَ خَطَايَانَا، وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ » وتعريف الخطية هي « التَّعَدِّي » (١يوحنا ٣: ٥، ٤) ولكن المسيح كان مطيعاً لكل مطاليب الناموس. فقد قال عن نفسه: « أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ، وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي » (مزمور ٤٠: ٨). وعندما كان على الأرض قال لتلاميذه: « أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا أَبِي » (يوحنا ١٥: ١٠). فبطاعته الكاملة جعل في إمكان كل إنسان أن يطيع وصايا الله. فعندما نُخضِع ذواتِنا للمسيح فالقلب يتّحد بقلبه والإرادة تندمج في إرادته والفكر يصبح واحدا مع فكره والتأملات يستأسرها لنفسه، فنحيا حياتَه. هذا هو معنى كوننا نلبس ثوب برّه. فحينئذ إذ ينظر الربّ إلينا فهو لا يرى ثوبا من أوراق التين، لا عري الخطية وتشويهاتها بل يرى ثوبَ برّه هو الذي هو الطاعة الكاملة لشريعة الرب. COLAr 287.4
وقد فحص الملك ضيوف العرس. فالذين أطاعوا أوامره ولبسوا ثوب العرس هم وحدهم الذين قبلوا وهكذا ستكون الحال مع ضيوف وليمة الإنجيل. فلا بدّ من أنّ الجميع يمرّون أمام نظرة الملك العظيم الفاحصة، فالذين قد لبسوا ثوب برّ المسيح هم وحدهم الذين يرحّب بهم. COLAr 288.1
البرّ هو عمل الصواب والحق. فبموجب هذه الأعمال يُدان الجميع. إنّ صفاتِنا تكشف عنها أعمالنا. فالأعمال هي التي تبرهن عما إذا كان الإيمان حقيقياً. COLAr 288.2
لا يكفي كوننا نؤمن بأن يسوع لم يكن محتالا وان ديانة الكتاب ليست خرافاتِ مصنّعة. فقد تؤمن بأن اسمَ يسوع هو الاسمُ الوحيد تحت السماء الذي به ينبغي أن نخلُص، ومع ذلك فقد لا نجعله مخلصنا الشخصي بالإيمان. فلا يكفي كوننا نؤمن بنظرية الحق، ولا يكفي كوننا نعترف بإيماننا بالمسيح وأن تُسجل أسماؤنا في سجلات الكنيسة: « وَمَنْ يَحْفَظْ وَصَايَاهُ يَثْبُتْ فِيهِ وَهُوَ فِيهِ. وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِينَا: مِنَ الرُّوحِ الَّذِي أَعْطَانَا ». « وَبِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا قَدْ عَرَفْنَاهُ: إِنْ حَفِظْنَا وَصَايَاهُ » (١يوحنا ٣: ٢٤؛ ٢: ٣) هذا هو البرهان الحقيقي على التجديد. فمهما يكن اعترافنا فهو لا يساوي شيئاً ما لم يظهر المسيح في أعمال البرّ. COLAr 288.3
والحق ينبغي أن يُغرس في القلب. ويجب أن يسيطر على العقل وينظم العواطف. والخلق كله يجب أن يُطبع بالأقوال الإلهية. وينبغي أن كل حرف وكل نقطة من كلمة الله تتدخل في الأعمال اليومية. COLAr 290.1
إنّ من يصير شريكا في الطبيعة الإلهية لابد أن يكون في وفاق مع مقياس الله العظيم للبرّ، أي شريعته المقدسة. هذا هو القياس الذي عليه يقيس الله أعمال الناس. وهذا سيكون محكَّ الخلق في يوم الدين. COLAr 290.2
كثيرون يدّعــون أنّه بموت المسـيح أُلغِيَ الناموس، ولكنهم بهذا يناقضـون نفس كلام المسـيح إذ قال: « لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ... إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ » (متى ٥: ١٧، ١٨). إنّ المسيح قد بذل حياته لكي يكفّر عن تعدّي الإنسان على الناموس. فلو أمكن تغيير الناموس أو طرحه جانبا لما كانت بالمسيح حاجة لأن يموت. فبحياته على الأرض أكرم شريعة الله وبموته ثبّته. ولقد بذل نفسه ذبيحة لا لينقض شريعة الله ولا ليخلق مقياسا أدني، بل لكي يحفظ العدل ولكي يتبرهن ثبات الشريعة ولكي تظلّ وطيدة إلى الدهر. COLAr 290.3
لقد ادّعى الشيطان انّه يستحيل على الإنسان أن يحفظ وصايا الله، الحقيقة هي أننا لا يمكننا إطاعتها بقوتنا الذاتية. ولكن المسيح جاء في صورة إنسان وبطاعته الكاملة برهن على أنّه إذا اتحدت البشرية بالألوهية يمكن إطاعة كل وصايا الله. COLAr 290.4
« أَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ » (يوحنا ١: ١٢). فهذا السلطان ليس في الإنسان بل هو سلطان الله. فمتى قبل أي إنسان المسيح فهو يقبل القوة ليحيا في المسيح. COLAr 290.5
إنّ الله يطلب من أولاده أن يكونوا كاملين. فشريعته هي صورةٌ طبق الأصل لصفاته وهي مقياس كل خلُق. فهذا المقياس اللامحدود مقدّمٌ للجميع لكيلا يكون هناك أيّ خطأ فيما يختص بنوع الناس الذين يقبلهم الله لكي يكوّنوا ملكوته. فقد كانت حياة المسيح على الأرض تعبيرا كاملا لشريعة الله. وعندما يصير من يدّعون انّهم أولاد الله كالمسيح في صفاتهم فسيكونون مطيعين لوصايا الله. وحينئذ يمكن للرب أن يثق بهم ليكونوا ضمن من سيكوّنون أسرة السماء. فإذ يتسربلون بثوب بر المسيح المجيد يكون لهم مكان في وليمة الملك. ولهم حق الانضمام إلى جموع المغتسلين بالدم. COLAr 291.1
إن الإنسان الذي دخل إلى الوليمة ولم يكن عليه لباس العرس يصوّر حالة كثيرين في عالمنا اليوم. فهم يدّعون انّهم مسيحيون ويطالبون بحقهم في بركات الإنجيل وامتيازاتِه ومع هذا فهم لا يحسّون بالحاجة إلى تغيير أخلاقهم. إنّهم لم يحسّوا قط بتوبة حقيقية عن الخطية. وهم لا يدركون حاجتَهم إلى المسيح أو ممارسة الإيمان به. ولم ينتصروا على ميلهم الموروث أو المغروس فيهم لفعل الشرّ. ومع ذلك فهم يظنون انّهم في أنفسهم صالحون صلاحا كافيا ويستندون على استحقاقاتِهم بدلا من الاتكال على المسيح والثقة به. فكمن يسمعون الكلمة يحضرون الوليمة وليس عليهم لباس العرس أي ثوب برّ المسيح. COLAr 291.2
كثيرون ممن يدعون أنفسهم مسيحيين هم مجرد رجال أخلاق وآداب عالمية. لقد رفضوا الهبة التي هي وحدها تمكنهم من إكرام المسيح بتمثيله للعالم. إنّ عمل الرُّوح الْقُدُس عمل غريب بالنسبة إليهم. إنّهم ليسوا عاملين بالكلمة. فالمبادئ السماوية التي تميز من هم متحدون بالمسيح عمن هم متحدون بالعالم يكاد يمسي من الصعب تمييزها. فالمعترفون بأنهم تلاميذ المسيح ما عادوا شعبا منفصلا خاصا. فالحد الفاصل غير واضح المعالم. فالشعب نفسه يتبع العالم، في تصرفاته وعاداته وأنانيته والكنيسة تعبر إلى العالم في عصيانها للشريعة، في حين كان يجب أن يعبر العالم إلى الكنيسة في إطاعة الشريعة. وفي كل يوم ترجع الكنيسة إلى العالم. COLAr 291.3
كل هؤلاء ينتظرون أن يخلصوا بموت المسيح بينما هم يرفضون أن يحيوا حياتَه حياةَ التضحية. إنّهم يمجدون غنى النعمة المجانية ويحاولون أن يستروا أنفسهم بمظهر البر آملين أن يخفوا النقائص في خلقهم، ولكن جهودهم لن تجديهم نفعا في يوم الله. COLAr 292.1
إنّ بر المسيح لن يخفي خطية واحدة محبوبة. قد يكون إنسان كاسرا للشريعة في قلبه، ومع ذلك فإذا لم يرتكب عملا واحدا من أعمال العصيان العلني قد يعتبره العالم حائزا على نصيب كبير من الاستقامة والنزاهة. ولكن شريعة الله تفحص أعماق القلب وسرائره. فكل عمل يحكم عليه بالبواعث التي تدفع الإنسان لعمله. فقط ما يتفق مع مبادئ شريعة الله هو الذي يثبت في يوم الدين. COLAr 292.2
الله محبة. وقد برهن على محبته في عطية المسيح. عندما « بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ » لم يمنع شيئاً عن خاصته التي اقتناها (يوحنا ٣: ١٦). لقد وهب كل السماء التي منها يمكننا أن نستمد القوة والمقدرة حتى لا يصدنا خصمنا العظيم أو يغلبنا. ولكن محبة الله لا تجعله يتسامح مع الخطية. إنّه لم يتسامح مع الشيطان عندما أخطأ. وكذلك الخطية. ولن يتسامح معها في حياة أي واحد من بني الإنسان. ولن يتغاضى عن خطايانا أو يغتفر لنا مواطن النقص في أخلاقنا. فهو ينتظر منا أن ننتصر باسمه. COLAr 292.3
والذين يرفضون هبة برّ المسيح إنما يرفضون سجايا الخلق التي تؤهلهم لأن يكونوا أبناء الله وبناته. إنّهم يرفضون الشيء الوحيد الذي يستطيع دون سواه أن يعطيهم الصلاحية للحصول على مكان في وليمة العرس. COLAr 292.4
نجد في المثل أنّ الرجل عندما سأله الملك قائلا: « كَيْفَ دَخَلْتَ إِلَى هُنَا وَلَيْسَ عَلَيْكَ لِبَاسُ الْعُرْسِ؟ » سكت. وكذلك سيكون الحال في يوم الدينونة العظيم. قد يتسامح الناس مع النقض البادي في أخلاقهم أمّا في ذلك اليوم فلن يقدّموا عذرا. COLAr 293.1
أن الكنائس المعترفة بالمسيح في هذا العصر قد سمت إلى أعلى حدود الامتيازات. فقد أعلن الرب لنا بنور متزايد على الدوام. وامتيازاتنا هي أعظم بكثير من امتيازات شعب الله قديما. فإننا فضلا عن كوننا نملك النور العظيم المُسلّم لإسرائيل فإنّ لنا زيادة على ذلك البرهان المتزايد للخلاص العظيم المُعطى لنا بواسطة المسيح. فما كان لليهود صورا ورموزا صار حقيقة لنا. كانت عندهم شهادة العهد القديم وتاريخه أمّا نحن فلنا العهد الجديد أيضا. وعندنا يقين المُخَلِّص الذي قد أتى والذي صلب وقام والذي من فوق قبر يوسف المفتوح أعلن قائلا: « أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ » (يوحنا ١١: ٢٥). إنّ المسيح معلن لنا في العظات ونسمع اسمه يتردد في التسابيح. وها هي الوليمة الروحية مرتبة أمامنا بوفرة وغنى. وثوب العرس الذي أُعدّ لنا بثمن لا يمكن تقديره يُقدّم مجانا لكل نفس. وهاهم رسل الله يقدّمون لنا برّ المسيح، والتبرير بالإيمان والمواعيد العظمى والثمينة في كلمة الله، والقدوم بسعة إلى الآب بالمسيح وتعزية الروح، واليقين الراسخ بالحياة الأبدية في ملكوت الله. فما الذي كان الله يستطيع أن يعمله لأجلنا ولم يعمله في إعداد العشاء العظيم والوليمة السماوية؟ COLAr 293.2
وفي السماء يقول الملائكة الخادمون: لقد قمنا بالخدمة التي كُلفنا بها. فقد صددنا جيش الملائكة الأشرار. وقد أدخلنا الصفاء والنور إلى نفوس الناس، إذ أنعشنا عقولهم بمحبة الله في يسوع المسيح. وقد تأثرت قلوبهم تأثراً عميقا بالشعور بالخطية التي صلبت ابن الله. وقد تبكتوا. وقد رأوا الخطوات التي تُتخذ في التجديد، وقد أحسّوا بقوة الإنجيل، وصارت قلوبهم رقيقة عندما رأوا عذوبة محبة الله. وشاهدوا جمال صفات المسيح. ولكنّ كل هذا كان عبثا بالنسبة لكثيرين. فلم يريدوا التنازل عن عاداتهم وأخلاقهم. لم يريدوا أن يخلعوا ثياب الأرض ليلبسوا حلة السماء. لقد أسلموا قلوبهم للطمع. وقد أحبوا عشرة العالم أكثر مما أحبوا إلههم. COLAr 294.1
وسيكون يوم الحكم النهائي يوما رهيبا. إنّ يوحنا الرسول يصفه في رؤيا نبوية فيقول: « ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشًا عَظِيمًا أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ، الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ! وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ، وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ » (رؤيا ٢٠: ١١، ١٢). COLAr 294.2
وستكون ذكرى الماضي محزنة في ذلك اليوم الذي فيه يواجه الناس الأبدية. وستعرض الحياة بجملتها كما كانت تماما. ولن تبدو مسرات الناس وغناه وكراماته ذات أهمية تذكر. وسيرى الناس حينئذ أنّ البرّ الذي احتقروه هو وحده الذي له قيمته. وسيرون أنّهم قد صاغوا أخلاقهم تحت تأثير إغراءات الشيطان الخادعة. والثياب التي اختاروها هي وسام ولائهم للمرتدّ الأعظم الأول. وحينئذ سيرون عواقب اختيارهم. وسيعرفون معنى التعدي على وصايا الله. COLAr 294.3
ولن يكون هنالك إمهال في المستقبل فيما هم يستعدون للأبدية. ولكن علينا أن نلبس ثوب برّ المسيح في هذه الحياة. هذه هي فرصتنا الوحيدة لصوغ أخلاقنا للذهاب إلى الوطن الذي قد أعده المسيح لمن يطيعون وصاياه COLAr 295.1
إنّ أيام إمهالنا تسرع إلى نهايتها. فالنهاية قريبة. وقد أُعطيَ لنا هذا الإنذار: « فَاحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ الْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ بَغْتَةً » (لوقا ٢١: ٣٤). احترس لئلا يجدك ذلك اليوم غير مستعد. احترس لئلا توجد جالسا في وليمة الملك وليس عليك لباس العرس. COLAr 295.2
« فِي سَاعَةٍ لاَ تَظُنُّونَ يَأْتِي ابْنُ الإِنْسَانِ ». « طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَ يَمْشِيَ عُرْيَانًا فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ » (متى ٢٤: ٤٤؛ رؤيا ١٦: ١٥). COLAr 295.3