ثم إنّ الله يستودع المال لدى الناس. فهو يعطيهم قدرة لاصطناع الثروة. هو يروي الأرض بندى السماء وبسيول المطر المنعشة. وهو يمنح النور الذي يملأ الأرض دفئاً محييا أشياء الطبيعة وجاعلاً إياها تزدهر وتثمر. وهو ينتظر أن نعطيه تعويضاً مما له. COLAr 321.1
إنّ أموالنا لم تُعطَ لنا لكي نكرم بها ذواتنا ونمجّدها. إنما علينا كوكلاء أمناء أن نستخدمَها في إكرام الله وتمجيـِده. البعض يظنّون أن ما يخص الله هو جزء صغير من مالهم. فبعدما يفرزون جزءا منه للأغراض الدينية والخيرية يعتبرون أنّ الباقي هو ملكهم لينفقوه في ما يروق لهم. ولكنّهم في هذا مخطئون. فكل ما نملكه هو للرب ونحن مسؤولون أمامه عن كيف نتصرّف فيه. فعند صرف كلّ قرش سيُرى ما إذا كنا نحب الله من كل القلب ونحب القريب كالنفس أم لا. COLAr 321.2
إنّ المال قيمة عظيمة لأنَّه يمكنه أن يصنع خيرا عظيما. والمال إذ يكون في أيدي أولاد الله يصير طعاما للجياع وماء للعطاش وكساء للعراة. وهو حِمى للمظلومين ووسيلة لمعونة المرضى. ولكن المال لن تكون له قيمة أعظم من الرمال إلا إذا استُخدم في تدبير لوازم الحياة وجلب البركة للآخرين وتقدّم ملكوت المسيح. والمال المخزون لا يكون فقط عديم النفع بل هو لعنة. فهو في الحياة الحاضرة شرك للنفس إذ يبعد عواطف الناس بعيداً عن الكنز السماوي. وفي يوم الله العظيم تكون الشهادة عن الوزنات التي لم تستعمل والفرص المهملة سببا في إدانة صاحبه. فالكتاب يقول: « هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ، ابْكُوا مُوَلْوِلِينَ عَلَى شَقَاوَتِكُمُ الْقَادِمَةِ. غِنَاكُمْ قَدْ تَهَرَّأَ، وَثِيَابُكُمْ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ. ذَهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا، وَصَدَأُهُمَا يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ، وَيَأْكُلُ لُحُومَكُمْ كَنَارٍ! قَدْ كَنَزْتُمْ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ. هُوَذَا أُجْرَةُ الْفَعَلَةِ الَّذِينَ حَصَدُوا حُقُولَكُمُ، الْمَبْخُوسَةُ مِنْكُمْ تَصْرُخُ، وَصِيَاحُ الْحَصَّادِينَ قَدْ دَخَلَ إِلَى أُذْنَيْ رَبِّ الْجُنُودِ » (يعقوب ٥: ١-٤). COLAr 321.3
ولكن المسيح لا يُقرّ الإسراف أو الإهمال في استخدام المال. إن قول المسيح: « اجْمَعُوا الْكِسَرَ الْفَاضِلَةَ لِكَيْ لاَ يَضِيعَ شَيْءٌ » (يوحنا ٦: ١٢) موجّه لكل تلاميذه. فالذي يدرك أنّ أمواله هي وزنة معطاة له من الله لابد أن يستخدمها بكلّ حرص وتدبير، ويحسّ أنّ الواجب يقتضيه لأن يوفّر لكي يعطي. COLAr 322.1
كلّما أسرفنا في إنفاق مالنا في المظاهرة وتدليل الذات كلّما قلّ ما نقدمه لإشباع الجياع وكساء العراة. فكل قرش ينفق دون داعٍ يُحرَمُ من ينفقه فرصةً ذهبيةً لعمل الخير. إنّ هذا سلب لكرامة الله ومجده اللذين يجب أن يُقدّما له عن طريق استثمار وزناته المُسَلّمَةَ لنا. COLAr 322.2