علينا أن نحب الله ليس فقط من كل القلب ومن كل الفكر ومن كل النفس بل أيضاً من كل القوة. وهذا يتناول الاستخدام الواعي الكامل للقوي البدنية. COLAr 318.3
كان المسيح خادما أمينا في الأمور الزمنية كما في الروحية. وفي كل عمله قرّر أن يفعل إرادة أبيه. إنّ أمور السماء والأرض هي مرتبطة معا بربط دقيقة وتحت إشراف المسيح المباشر أكثر ممّا يدركه الكثيرون. فالمسيح هو الذي رسم ترتيبات المسكن الأرضي الأول. وهو الذي أعطي كل المواصفات الخاصة ببناء هيكل سليمان. فذاك الذي كان في حياته الأرضية يشتغل كنجار في قرية الناصرة كان هو المهندس السماوي الذي رسم خطة البناء المقدس حيث كان اسمه سيُمجّد. COLAr 318.4
والمسيح هو الذي منح بناة المسكن حكمة لإتمام أمهر وأجمل صناعة. فقد قال: « اُنْظُرْ. قَدْ دَعَوْتُ بَصَلْئِيلَ بْنَ أُورِي بْنَ حُورَ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا بِاسْمِهِ، وَمَلأْتُهُ مِنْ رُوحِ اللهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَكُلِّ صَنْعَةٍ ... وَهَا أَنَا قَدْ جَعَلْتُ مَعَهُ أُهُولِيآبَ بْنَ أَخِيسَامَاكَ مِنْ سِبْطِ دَانَ. وَفِي قَلْبِ كُلِّ حَكِيمِ الْقَلْبِ جَعَلْتُ حِكْمَةً، لِيَصْنَعُوا كُلَّ مَا أَمَرْتُكَ » (خروج ٣١: ٢-٦). COLAr 319.1
إنّ الله يريد أن خدامه ينظرون إليه، في كل أنواع العمل، كمن قد أعطاهم كل ما يملكون. فكل المخترعات والتحسينات الصحيحة مصدرها منه هو العجيب في المشورة والمبدع في العمل. إنّ لمسةَ يدِ الطبيبِ الماهرة، وسلطانَه على الأعصاب والعضلات، ومعرفتَه لتركيب أعضاء الجسم الدقيق هي حكمة القدرة الإلهية لتُستخدم لخير المتألمين. والمهارة التي بها يستعمل النجار المطرقة، والقوة التي بها يجعل الحداد السندان يدق ويطنّ آتية من الله. لقد استودع لدي الناس وزنات وهو ينتظر أنّهم ينظرون إليه في طلب المشورة. فكل ما نفعله في أيّ قسم من أقسام العمل نكون يريد هو أن يدير أفكارَنا حتى يمكننا أن نعمل عملا كاملا. COLAr 319.2
إنّ الدين والعمل ليسا شيئين منفصلين، فهما واحد. فيجب أن تتدخل ديانة الكتاب في كلّ ما نعمله أو نقوله. يجب أن تتّحد الوسائل البشرية في الأعمال الزمنية كما في الأعمال الروحية. فيجب أنّها تتّحد في كلّ المطالب البشرية في الأعمال الميكانيكية والزراعية والمشاريع التجارية والعلمية. وأن يكون هناك تعاون في كلّ ما يشمله النشاط المسيحي. COLAr 319.3
ولقد أعلن الله المبادئ التي بها وحدها يمكن تحقيق هذا التعاون. فيجب أن يكون مجده هو الباعث لكل من يعملون معه. وأن نعمل كلّ عملنا بدافع المحبة لله والتوافق مع إرادته. COLAr 320.1
إنّه أمر جوهري أن نفعل إرادة الله ونحن نقيم بناء كما عندما نشترك في خدمة دينية تماما. وإذا كان العمال قد ادخلوا المبادئ السليمة في تكوين أخلاقهم ففي إقامة كل بناء سينمون في النعمة والمعرفة. COLAr 320.2
ولكن الله لن يقبل أعظم المواهب ولا أجلّ الخدمات ما لم توضع الذات على المذبح ذبيحة حيّة مستهلكة، فينبغي أن يكون الأصل مقدسا وإلاّ فلن يكون هنالك ثمر مقبول لدى الله. COLAr 320.3
ولقد جعل الرب دانيال ويوسف مدبريَن ذكيّيَن. وقد أمكنه أن يستخدمهما لأنهما لم يعيشا لإرضاء ميولهما بل لإرضاء الله. COLAr 320.4
وفي حالة دانيال يوجد لنا درس نتعلمه. فهي تكشف لنا أنّ رجل الأعمال ليس بالضرورة رجلاً صارما في سياسته. فيمكنه أن يتعلّم من الله عند كل خطوة. إنّ دانيال إذ كان رئيساً لوزراء مملكة بابل كان نبياً لله يقتبل نور الوحي الإلهي. إنّ الساسة العالميين الطموحين مصوّرون في كلمة الله كالعشب الذي ينمو وزهر العشب الذي يذبل. ومع ذلك فالرب يريد أن يكون في خدمته رجال أذكياء، رجال مؤهلون لمختلف فروع العمل. فتوجد حاجة إلى رجال أعمال يدخلون مبادئ الحق السامية في كل صفقاتهم وأعمالهم. ويجب أن تكمل مواهبهم بأكمل درس وتدريب. فإذا احتاج الناس في أيّ فرع من فروع العمل أن يستثمروا الفرص المعطاة لهم ليصيروا حكماء وكفاة فإنّما هم الذين يستخدمون مقدرتهم في بناء ملكوت الله في عالمنا. وإننّا نعرف عن دانيال انّه في كلّ أعماله ومشاريعه عندما فُحِصَ فحصاً دقيقاً جدّا لم يوجد خطأٌ ولا عيب. لقد كان نموذجاً لما يمكن أن يكون كل رجل أعمال. إن تاريخه يرينا ما يمكن أن يتمّ بواسطة رجل يكرّس قوى عقله وجسمه وعضلاته وقلبه وحياته لخدمة الله. COLAr 320.5