(يعتمد هذا الفصل على ما جاء في متى ١٣: ٣١، ٣٢؛ مرقس ٤: ٣٠-٣٢؛ لوقا ١٣: ١٨، ١٩).
يمكننا أن نتعلم دروساً ثمينة في البيت وفي المدرسة من عمل إلقاء البذار ونمو النبات من البذرة. ليتعلم الأولاد والشباب أن يميزوا في الأشياء الطبيعية عمل العوامل الإلهية، وحينئذ يمكنهم أن يدركوا بالإيمان منافع غير منظورة. فإذ يفهمون عمل الله العجيب في تدبير احتياجات أسرته الكبيرة وكيف أنه يجب علينا أن نتعاون معه فسيزيد إيمانهم بالله وسيتحققون أكثر من قدرته في حياتهم اليومية. COLAr 75.1
إنّ الله قد خلق البذرة كما خلق الأرض بكلمته. فبكلمته أعطاها القوة على النمو والتكاثر. قال: « لِتُنْبِتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلاً يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى الأَرْضِ. وَكَانَ كَذلِكَ … وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ » (تكوين ١: ١١، ١٢). ونفس هذه الكلمة هي التي لا تزال تجعل البذار ينمو. فكل بزرة تخرج أوراقها الخضراء لتستقبل الشمس تعلن عن القدرة الصانعة المعجزات في تلك الكلمة التي نطق بها ذاك الذي: « قَالَ فَكَانَ. هُوَ أَمَرَ فَصَارَ » (مزمور ٣٣: ٩). COLAr 75.2
لقد علم المسيح تلاميذه أن يصلوا قائلين: « خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ » (متى ٦: ١١). وإذ أشار إلى الأزهار قدم لهم هذا التأكيد: « فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ … يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ؟ » (متى ٦: ٣٠). والمسيح لا يزال يعمل على إجابة هذه الطلبة وليثبت هذا التأكيد. توجد قوة غير منظورة تعمل على الدوام كخادم للإنسان يقدم له الطعام والكساء. إنّ الرب يستخدم عوامل كثيرة لجعل البذرة التي يبدو أنّها قد طرحت بعيداً، نبتة حية. وبهذه النسبة هو يعدّ كل ما يلزم لإكمال الحصاد. لنسمع الآن الأقوال الجميلة التي كتبها المرنم: COLAr 76.1
« تَعَهَّدْتَ الأَرْضَ وَجَعَلْتَهَا تَفِيضُ. تُغْنِيهَا جِدًّا. سَوَاقِي اللهِ مَلآنَةٌ مَاءً. تُهَيِّئُ طَعَامَهُمْ لأَنَّكَ هكَذَا تُعِدُّهَا. أَرْوِ أَتْلاَمَهَا. مَهِّدْ أَخَادِيدَهَا. بِالْغُيُوثِ تُحَلِّلُهَا. تُبَارِكُ غَلَّتَهَا. كَلَّلْتَ السَّنَةَ بِجُودِكَ، وَآثارُكَ تَقْطُرُ دَسَمًا » (مزمور ٦٥: ٩-١١). COLAr 76.2
إنّ العالم المادي هو تحت سلطان الله. والطبيعة تطيع نواميسها. فكل شيء يتحدث عن إرادة الخالق ويعمل بها. فالسحاب وإشراق الشمس والطلّ والمطر والرياح والعواصف، كل هذه تحت رقابة الله وتطيع أوامره طاعة كاملة ثابتة. فبالطاعة لشريعة الله تنبثق نبتة القمح من الأرض « أَوَّلاً نَبَاتًا، ثُمَّ سُنْبُلاً، ثُمَّ قَمْحًا مَلآنَ فِي السُّنْبُلِ » (مرقس ٤: ٢٨). فهذه ينمّيها الرب في وقتها المناسب لأنّها لا تقاوم عمله. فهل يمكن أنّ الإنسان المجبول على صورة الله المزوّد بالعقل وقوة النطق هو وحده لا يقدّر هبات الله ويعصى إرادته؟ وهل الخلائق العاقلة وحدها هي التي تسبّب التشويش في عالمنا؟ COLAr 76.3
في كل ما يعمل على إعالة الإنسان نرى اتفاقاً بين العمل الإلهي والمجهود البشري. لا يمكن أن يكون هناك حصاد ما لم تقم يدُ الإنسان بدورها في إلقاء البذار. ولكن بدون العوامل التي يقدمها الله في إرسال الشمس والأمطار والطل والسحاب لا يمكن أن يكون هناك حصاد. وهذا ينطبق على كل عمل أو حرفة وكل فروع الدرس والعلم. وكذلك الحال في الشؤون الروحية في تكوين الخُلُق وكل فروع العمل المسيحي. علينا دور يجب أن نحصل على القوة الإلهية لتتّحد معنا، وإلاّ فإنّ جهودنا تصير إلى العبث. COLAr 77.1
وكلما ينجز الإنسان عملاً سواء في الدائرة الروحية أو الزمنية عليه أن يذكر دائما أنّه إنّما يفعل ذلك بالتعاون مع خالقه. فمن اللازم لنا جداً أن ندرك اعتمادنا على الله. إنّنا نجعل ثقتنا في الإنسان أكثر مما يلزم، ونعتمد على الاختراع البشري أكثر مما يجب. أمّا ثقتنا بالقدرة التي نجد الله على أتم استعداد لأن يمنحنا إياها فهي أقلّ بكثير مما يجب: « فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللهِ » (١كورنثوس ٣: ٩). إنّ الدور الذي يقوم به العامل البشري هو أقل بما لا يقاس، أما إذا اقترن بألوهية المسيح فإنّه يستطيع كل شيء بالقوة التي يمنحه المسيح إياها. COLAr 77.2
إنّ النمو التدريجي للنبات من البذرة هو درس منظور في تربية الأولاد. إنّه يكون « أَوَّلاً نَبَاتًا، ثُمَّ سُنْبُلاً، ثُمَّ قَمْحًا مَلآنَ فِي السُّنْبُلِ ». إنّ ذاك الذي قدّم هذا المثل خلق البذرة الصغيرة وأودع فيها خواصها الحيوية ورسم النواميس التي تحكم نموها. هذا، وأن الحقائق التي يعلمنا إياها هذا المثل صارت حقيقة حية في حياته. وفي كلتا طبيعتيه الجسدية والروحية اتبع النظام الإلهي في النمو ممثلاً في النبات كما يريد أن يفعل كل شاب. ومع أنه كان جلال السماء وملك المجد فقد صار طفلا في بيت لحم، وقد ظل وقتا يمثل الطفل القاصر تحت رعاية أمه. وفي صباه كان يعمل أعمال صبي مطيع. كان يتكلم ويعمل بحكمة الصبي لا بحكمة الرجل، مكرما أبويه ومنفذا رغباتهما في التعاون طبقاً لمقدرته كصبي. ولكن في كل دور من أدوار نموه كان كاملاً بجمال حياته البريئة الطبيعية البسيطة. أن السفر المقدس يقول عنه في طور الصبا: « وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، مُمْتَلِئًا حِكْمَةً، وَكَانَتْ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ ». أما عن شبابه فيقول الكتاب: « وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ، عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ » (لوقا ٢: ٤٠، ٥٢). COLAr 77.3
إنّ عمل الوالدين والمعلمين يُقترح هنا. فيجب عليهم أن يهدفوا إلى تهذيب ميول الشباب حتى في كل دور من أدوار حياتهم يمثلون ويصَّورون الجمـال الطبيعي اللائق بذلك الـدور إذ يتفتحـون تفتحــاً طبيعيــاً كما تفعـل الأغراس في الحديقة. COLAr 78.1
إنّ الأولاد الطبيعيين غير المتصنعين هم أكثر الأولاد جاذبية. وليس من الحكمة أن نبدي نحوهم اهتماما خاصا، ولا أن نكرر أقوالهم الماهرة الدالة على الذكاء على مسمع منهم. فينبغي ألا نشجعهم على الغرور بالإشادة بجمالهم أو أقوالهم أو أعمالهم. كما لا ينبغي إلباسهم الملابس الغالية الثمن أو المزركشة. هذا يغذّي ويشجع الكبرياء فيهم ويوقظ الحسد في صدور أترابهم. COLAr 78.2
ينبغي أن يتهذب الصغار في بساطة كبساطة الصغار وينبغي تربيتهم على القناعة بالواجبات المعينة الصغيرة والمسرّات والاختبارات الطبيعية لمن هم في مثل سنهم. والصبا يمثله النبات في المثل. وللنبات جماله الخاص به. فينبغي إلا يُرغم الأولاد على أن ينضجوا قبل الأوان، بل عليهم أن يحتفظوا أطول وقت ممكن بنضارة أيام الصبا وجمالها. COLAr 78.3
ويمكن للأولاد الصغار أن يكونوا مسيحيين وأن يكون لهم اختبار يتناسب وأعمارهم. وهذا هو كل ما ينتظره الله منهم. إنّهم بحاجة إلى أن يتهذبوا في الأمور الروحية، فعلى الوالدين أن يقدموا لهم كل ميزة حتى يمكنهم أن يكِّونوا خلُقهم على صورة خلُق المسيح. COLAr 79.1
في نواميس الله في الطبيعة نجد أن النتيجة تتبع السبب بتأكيد لا يخطئ. إنّ الحصاد سيشهد عن نوع الزرع. والخادم الكسول تدينه أعماله. والحصاد يشهد عليه. وكذلك الحال في الروحيات، فأمانة كل خادم تقاس بنتائج خدمته. وصفة عمله سواء أكان مجتهداً أو كسولاً يظهرها الحصاد. وبهذه الكيفية يتقرر مصيره في الأبدية. COLAr 79.2
وكل بذرة تُزرع تنتج حصادا من نوعها. وهكذا في الحياة البشرية. فكلنا بحاجة إلى أن نزرع بذار الرحمة والعطف والحب لأننا سنحصد ما نزرعه. فكل صفة من صفات الأنانية وحب الذات والاعتداد بالذات، وكل عمل من أعمال الإفراط أو الانغماس سيثمر حصاداً من نوعه. فالذي يعيش لنفسه إنما يزرع للجسد ومن الجسد يحصد فساداً. COLAr 79.3
إنّ الله لا يهلك إنساناً. فالذي يهلَك هو الذي يُهلك نفسه. وكل من يخنق إنذارات الضمير إنما يزرع بذار عدم الإيمان وهذه لابد لها من حصاد. إنّ فرعون قديما إذ رفض أول إنذار من الله بذر بذار العناد فحصد العناد. فالله لم يرغمه على عدم الإيمان. ولكن بذار عدم الإيمان الذي قد زرعه أنتج حصادا من نوعه، وهكذا استمرت مقاومته حتى نظر بأم عينه بلاده الخربة، وإلى جثّة بكره الفاقد الحياة وكل الأبكار في بيته وكل العائلات في أنحاء مملكته إلى أن غطت مياه البحر وغمرت كل فرسانه ومركبـاته ورجـال حـربه. إن تاريخـه هو إيضـاح مـرعب لصــدق هذا القول : « الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا » (غلاطية ٦: ٧). فلو تحقق الناس من هذا لكانوا يتحذرون لأنفسهم عن أي البذار يزرعون. COLAr 79.4
وكما أن البذار الذي يُزرع ينتج حصادا وهذا بدوره يُزرع فإنّ الحصاد يتضاعف. وفي صلاتنا بالغير هذا القانون يثبت صدقه. فكل عمل وكل كَلمة هو بذرة لابد أن تؤتي ثمرها. وكل عمل من أعمال الشفقة والاهتمام، أو الطاعة، أو إنكار الذات سينتج عملا مثله في الآخرين، وعن طريق هؤلاء في آخرين غيرهم. وكذلك كل عمل من أعمال الحسد أو الخبث أو الشقاق هو بذرة ستطلع في « أَصْل مَرَارَةٍ » (عبرانيين ١٢: ١٥) يتنجس به كثيرون. وكم وكم يزيد عدد من يُسمِّمه هؤلاء « الكثيرون ». وهكذا زرع الشر يدوم مدى الحياة ومدى الأبدية. COLAr 80.1
إنّ السخاء في الأمور الزمنية والروحية هو درس نتعلمه من إلقاء البذار. إنّ الرب يقول : « طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الزَّارِعُونَ عَلَى كُلِّ الْمِيَاهِ » (إِشَعْيَاء ٣٢: ٢). « هذَا وَإِنَّ مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ » (٢كورنثوس ٩: ٦). إنّ الزارع على كل المياه معناه التوزيع المستمر لهبات الله ومعناه العطاء كلما تطلَّب عمل الله أو حاجات البشرية مساعدتنا. وهذا السخاء لا ينتهي إلى الفقر لأن « مَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ ». إنّ الزارع يزيد من حنطته حين يلقيها في الأرض. وهكذا الحال مع من هم أمناء في توزيع هبات الله. فبالتوزيع يزيدون من بركاتهم. والله قد وعدهم بالكفاية حتى يداوموا على العطاء: « أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلاً جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ » (لوقا ٦: ٣٨). COLAr 80.2
وهنالك معنى آخر ينطوي عليه مثل الزرع والحصاد. فإذ نوزع على الناس هبات الله الزمنية وبركاته فإن البرهان على حبنا وعطفنا يوقظ في نفوس من يتناولون عطايانا روح الشكر والحمد لله. وتكون تربة القلب مهيأة لقبول بذار الحق الروحي. والذي يقدم البذار للزرع سيجعل البذار ينبت ويحيا ويثمر للحياة الأبدية. COLAr 81.1
إنّ المسيح بواسطة إلقاء البذار في الأرض يصور لنا ذبيحة نفسه لفدائنا فقد قال: « إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ » (يوحنا ١٢: ٢٤). وهكذا موت المسيح سينتج ثمراً لملكوت الله. وطبقاً لناموس المملكة النباتية سينتج عن موته حياة. COLAr 81.2
وكل الذين يريدون أن يأتوا بثمر كعاملين مع المسيح ينبغي لهم أولا أن يقعوا في الأرض ويموتوا. فيجب أن تلقى الحياة في أتلام حاجة العالم. ينبغي القضاء على حب الذات واهتمامات الذات. ولكنّ ناموس التضحية هو ناموس حفظ النفس.إنّ البذرة إذ تُدفن في الأرض تأتي بثمر، وهذا بدوره يزرع أيضاً. وهكذا يتضاعف الحصاد. فالزارع يحفظ حنطته عندما يُلقي بها في التربة. وهكذا في حياة الإنسان فالعطاء هو الحياة. فالحياة التي ستدوم هي الحياة التي تُبذل بكل سخاء في خدمة الله والناس. فالذين يضحون بحياتهم في هذا العالم لأجل المسيح سيحفظونها للحياة الأبدية. COLAr 81.3
إنّ البذرة تموت لكي تطلع لحياة جديدة. في هذا لنا درس نتعلمه عن القيامة. فكل من يحبون الله سيحيون ثانية في جنة عدن السماوية. لقد قال الله عن الجسـد الذي يُدفن ليتعفن في القبر: « يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضَعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ » (١كورنثوس ١٥: ٤٢، ٤٣). COLAr 82.1
هذا قليل من الدروس الكثيرة التي يعلمها مثل الطبيعة الحي عن الزارع والبذار. فإذ يحاول الوالدون والمعلمون أن يعلّموا هذه الدروس يجب أن يكون ذلك بطريقة عملية. فليعدّ الأولاد التربة بأنفسهم ويزرعوا البذار. وإذ يدأبون في عملهم يمكن للأب أو الأم أو المعلم أن يوضح حديقة القلب بالبذار الجيد أو الرديء المزروع هناك، وأنه كما يجب إعداد الحديقة ليُلقى فيها بذار الحق. وبما أن البذار يلقى في جوف الأرض فهو يعلمنا درساً عن موت المسيح، وإذ ينبثق النبات يمكن استمرار المطابقة بين الزرع الطبيعي والزرع الروحي. COLAr 82.2
ويجب تعليم الشباب على هذا المنوال. فيجب أن يتعلموا أن يحرثوا الأرض. وقد يكون من المستحسن لو تكون حول كل مدرسة أرض زراعية مُلحقة بها، مثل هذه الأرض يجب اعتبارها على أنها الفصل المدرسي الذي يملكه الله. وأشياء الطبيعة يجب أن يُنظر إليها على أنها كتاب الدرس الإلهي الذي يجب على أولاده أن يدرسوه، ومنه يمكنهم أن يحصلوا على المعرفة الخاصة بتهذيب النفس. COLAr 82.3
وعند حرث الأرض، وتهذيبها وإخضاعها يمكن تعلم دروس باستمرار. إنّه لا يوجد من يفكر في الإقامة في قطعة أرض خام منتظراً أنها تنضج له ثمراً في الحال. ولكن يجب عليه أن يبذل الاجتهاد والمثابرة على العمل في معالجة التربة تمهيدا لإلقاء البذار. وهذا يصدق على العمل الروحي في القلب البشري. والذين يرغبون في الاستفادة من حرث الأرض ينبغي لهم أن يخرجوا وقلوبهم عامرة بكلمة الله. وسيجدون أن الأرض المتروكة في القلب قد شُقت وكُسرت بتأثير الرُّوح الْقُدُس اللطيف المخضع. وما لم يُبذل مجهودّ متعبُُ ومضنٍ في الأرض فلن تنتج حصاداً. وكذلك الحال مع تربة القلب إذ ينبغي أن يعمل روح الله فيه لينقيه ويهذبه قبلما يمكنه أن يثمر لمجد الله. COLAr 83.1
والأرض لا تعطي غناها متى عمل فيها الناس باندفاع متقطِّع. فهي بحاجة إلى اهتمام وتفكير كل يوم. فينبغي حرثها مراراً كثيرة حرثاً عميقاً، مع الاهتمام باقتلاع الأعشاب الغريبة التي تتغذى من البذار الجيد المزروع. وهكذا فالذين يحرثون ويزرعون يستعدون للحصاد. ولا حاجة بأحدٍ منهم أن يقف في الحقل في وسط حطام آمالهم المنهارة. COLAr 83.2
إنّ بركة الرب تحل على الذين يشتغلون في الأرض هكذا والذين يتعلمون دروسا روحية من الطبيعة. إنّ العامل إذ يزرع الأرض لا يعرف إلا القليل عن الكنوز التي تُفتح له. وفي حين ينبغي له ألاّ يحتقر التعليم الذي يحصل عليه من العقول التي كان لها الاختبار ومن المعلومات التي يمكن لذوي العقول الفطنة أن يقدّموها فعليه أن يجمع دروسا لنفسه وهذا جزء من تدريبه. وفلاحة التربة ستبرهن على أنّها تهذيب للنفس. COLAr 83.3
إنّ ذاك الذي يجعل البذار يطلع والذي يحرسه نهاراً أو ليلاً والذي يمنحه القوة على النمو هو علّة وجودنا وملك السماء وهو لا يزال يبذل رعاية واهتماما أعظم لأجل أولاده. وفي حين يزرع الزارع البشري البذار لإعالة وإسناد حياتنا الأرضية، فإنّ الزارع السماوي الإلهي يغرس في النفس البذار الذي سيثمر للحياة الأبدية. COLAr 84.1