يُقال عن كنوز الإنجيل أنها مخفية. إنّ من هم حكماء في أعين أنفسهم المنتفخين بتعليم الفلسفة الباطلة لا يفهمون جمال تدبير الفداء وسرّه وقوته. كثيرون لهم عيون ولا يبصرون ولهم آذان ولا يسمعون ولهم عقول ولكنهم لا يفطنون إلى الكنز المخفي. COLAr 94.3
ربما مرّ إنسان بالمكان الذي كان الكنز مخفيّا تحته. وربما جلس ليستريح تحت شجرة وهو في فقره المدقع دون أن يدري شيئا عن الثروة المخبوءة في جذورها. كذلك كانت الحال مع اليهود. فالحق أودع بين أيدي الشعب العبراني ككنز من الذهب. إنّ التدبير اليهودي الذي كان يحمل طابع السماء، كان المسيح قد رسمه بنفسه. كانت حقائق الفداء العظيمة محجوبة بالرموز والأمثلة، ومع ذلك فعندما جاء المسيح لم يعرف اليهود ذاك الذي كانت كل الرموز تشير إليه. كانت كلمة الله بين أيديهم، ولكنّ التقاليد التي سُلمت من جيل إلى جيل والتفاسير البشرية للكتاب أخفت عنهم الحق كما هو في يسوع. وقد ضاع المعنى الروحي للكتب المقدسة. لقد كانت خزانة كل معرفة مفتوحة أمامهم ولكنّهم لم يعرفوها. COLAr 94.4
إنّ الله لا يخفي حقه عن الناس. ولكنهم بتصرفهم يجعلونه غامضا على أنفسهم. لقد أعطى المسيح للشعب اليهودي البراهين الوافرة على أنّه مسيّا، ولكن تعليمه كان يتطلب تغييرا حاسما في حياتهم. وقد رأوا أَنَّهُمْ لو قبلوا المسيح فلابد لهم من أن يتخلّوا عن مبادئهم المحبوبة وتقاليدهم وأعمالهم الأنانية الشريرة. إنّ قبول الحق الأبدي الثابت يتطلب تضحية. لذلك رفضوا الاعتراف بأعظم البراهين القاطعة التي قدمها الله لتوطيد الإيمان بالمسيح. لقد اقرّوا بأنهم يؤمنون بأسفار العهد القديم ومع ذلك فقد رفضوا الشهادة المتضمنة فيها عن حياة المسيح وصفاته. كانوا يخافون من الاقتناع لئلا يتجددوا ويضطروا للتخلي عن آرائهم السابقة. كان بينهم كنز الإنجيل، الطريق والحق والحياة ولكنهم رفضوا أعظم عطية يمكن أن تهبها السماء. COLAr 95.1
« وَلكِنْ مَعَ ذلِكَ آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنَ الرُّؤَسَاءِ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّهُمْ لِسَبَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِهِ، لِئَلاَّ يَصِيرُوا خَارِجَ الْمَجْمَعِ » (يوحنا ١٢: ٤٢). هذا ما يقوله الكتاب. لقد اقتنعوا، وآمنوا بأن يسوع هو ابن الله، ولكنّ الاعتراف به لم يكن متوافقا مع رغائبهم وطموحهم. فلم يكن عندهم الإيمان الذي كان يمكن أن يضمن لهم الكنز السماوي. فقد كانوا يطلبون كنزاً أرضياً. COLAr 95.2
والناس اليوم يطلبون كنوز الأرض بكل اجتهاد وشوق. وعقولهم مشحونة بأفكار الأنانية والطموح. ففي سبيل الحصول على الغنى الأرضي أو الكرامة أو السلطان يضعون مبادئ الناس وتقاليدهم ومطاليبهم فوق مطاليب الله ولذلك تخفى عليهم كنوز كلمته. COLAr 96.1
« وَلكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا » (١كورنثوس ٢: ١٤). COLAr 96.2
« وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ » (٢كورنثوس ٤: ٣، ٤). COLAr 96.3