لقد تكلم الرب على لسان موسى قائلا: « لاَ تُبْغِضْ أَخَاكَ فِي قَلْبِكَ... لاَ تَنْتَقِمْ وَلاَ تَحْقِدْ عَلَى أَبْنَاءِ شَعْبِكَ، بَلْ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ » (لاويين 19: 17، 18). والحقائق التي قدمها المسيح كانت هي نفس ما علم به الأنبياء، ولكنها أمست غامضة بسبب قساوة القلب ومحبة الخطية. ArMB 28.2
وقد كشفت أقوال المُخَلِّص لأذهان سامعيه هذه الحقيقة وهي أنّهم وهم يدينون الآخرين كمتعدّين كانوا هم أنفسهم مذنبين مثلهم سواء بسواء لأنهم كانوا يضمرون في أنفسهم الضغينة والكراهية. ArMB 28.3
كانت بلاد باشان عبر البحر من المكان الذي كانوا مجتمعين فيه، وكانت إقليما منعزلا كانت ممرّاته الضيقة الموحشة بين الجبال ملاذا مناسبا يلجأ إليه المجرمون من كل الأوصاف. وكانت أخبار السلب والقتل التي ارتُكبت هناك لا تزال مائلة في أذهان الشعب وكثيرون كانوا متحمسين في فضح أولئك الأشرار. ولكن في نفس الوقت كانوا هم أنفسهم شديدي الغضب ومتخاصمين، وكانوا يضمرون أشدّ الكراهية لمضطهديهم الرومان، وأحسّوا أن لهم الحرية في أن يبغضوا كلّ الشعوب الأخرى ويحتقروهم، بل حتى مواطنيهم الذين لم يوافقوهم في كل شيء من آرائهم. وفي كل هذا كانوا ينقضون الشريعة القائلة: « لاَ تَقْتُلْ ». ArMB 28.4
إنّ روح الكراهية والانتقام منشأها الشيطان، وقد قاده ذلك إلى أن يقتل ابن الله. فكل من يضمر الضغينة أو القسوة إنّما يضمر نفس تلك الروح، وثماره للموت. إنّ العمل الشرير يكمن في فكرة الانتقام، كما يكمن النبات في البذرة. « كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ » (1 يوحنا 3: 15). ArMB 28.5
« مَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا (أيها الفتى المغرور) يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ » (متى 5: 22) إنّ الله إذ بذل ابنه لأجل فدائنا برهن لنا على مقدار القيمة العظيمة التي بها يقدّر كل نفس بشرية، وهو لا يبيح لأيّ إنسان أن يتكلم باحتقار عن أيّ إنسان آخر. لابدّ أنّنا نرى في مَنْ حولنا أخطاءَ وضعفاتٍ ولكن الله يعتبر كل نفس مُلكَه الخاص ـ مُلكَه بحقّ الخلق وملكَه بحقّ مضاعف حيث قد اشتُريَتْ بدم المسيح الثمين. لقد خلق الجميع على صورته، وحتى أحطّ الناس يجب معاملـتهم بالاحـترام والـرقّة. إنّ الله سيعـتبرنا مسؤولين حتى عن الكلـمة التي نطقـنا بها باحتقار لنفس واحـدة وضـع المسـيح حياته لأجلها. ArMB 28.6
« من يميزك وأي شيء لك لم تأخذه وان كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ » (1 كورنثوس 4: 7). « مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ» (رومية 14: 4). ArMB 28.7
« وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ» (متى 5: 22). إن كلمة « أَحْمَق » استعملت في العهد القديم لتشير إلى إنسان مرتدّ أو من قد انغمس في الشرّ. ويسوع يقول إنّ من يدين أخاه كمرتد أو محتقر لله يبرهن على أنّه هو نفسه مستحق لنفس الدينونة. ArMB 28.8
والمسيح نفسه إذ كان يخاصم الشيطان محاجّاً عن جسد موسى « لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ » (يهوذا 9). فلو فعل هذا لجعل نفسه في مستوى الشيطان، لأنّ التشكّي أو الاتهـام هو من بين أسلحـة الشــرير. فالكتاب يدعوه بأنّه « الْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا » (رؤيا 12: 10). ويسوع لم يُرِدُ أن يستخدم أيّ ســلاح من أسلحــة الشــيطان بل واجهـه بالقـول: « لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ » (يهوذا 9). ArMB 29.1
وهو مثـَلُنا في ذلك. فعندما نشتبك في حرب أو خصام مع أعداء المسيح فينبغي ألاّ نقـول شيئا بروح الانتقـام أو ما يبدو أنّه اتهـام أو تعيير. فالذي يقف كليما لله ينبغي ألاّ ينطق بكـلام لم يُرِد حتى مـلكُ السماءِ أن يقوله وهو يتخـاصم مع الشـيطان. بل علينا أن نترك أمر الحكم والإدانة لله. ArMB 29.2