قوة الخلق قوامها أمران — قوة الإرادة، و قوة ضبط النفس. كثيرون من الشبيبة يعتقدون، خطأ، أن العاطفة القوية غير المنضبطة هي قوة الخلق، و الحقيقة هي أن الذي تتحكم فيه عواطفه هو إنسان ضعيف. أما عظمته و نبله الحقيقيان فيقاسان بقوته على إخضاع مشاعره لا بقوة مشاعره على السيطرة عليه. إن الرجل الأقوى هو ذاك الذي رغم شعوره بالإهانة يضبط انفعاله و يسامح أعداءه. SM 434.1
لقد أعطانا الله قوى عقلية و أدبية، غير أن الإنسان هو الباني لأخلاقه إلى حد ما، و يوماً بعد يوم يقترب البناء من الإنجاز. و كلمة الله تهيب بنا أن ننتبه إلى كيفية البناء لنرى أن بناءنا مؤسس على صخر الدهور، و أنه لآت الوقت الذي يظهر فيه عملنا كما هو. هوذا الآن وقت ينمّي فيه الكل ما وهبهم الله من قوى حتى يشكلوا أخلاقاً تنفع في هذه الحياة الدنيا و الحياة الأسمى الآتية. SM 434.2
إن الإيمان بالمسيح مخلصاً شخصياً يتيح للأخلاق قوة و رسوخاً، و الذين عندهم الإيمان المخلّص بالمسيح هم متعقلون يذكرون أن عين الله هليهم و أن ديان كل الناس يزن الآن قيمهم الخلقية، و أن الكائنات السماوية ترقب لترى نوع ما يشكلون من صفات. SM 435.1
إن السبب في أن الشبيبة يقعون في أخطاء شنيعة هو أنهم لم يتعلموا ممن تقدموهم في السن. و الطلاب لا يسعهم أن يحملوا على محمل العبث و السخرية ما يوجهه إليهم الوالدون و المعلمون من تحذيرات و تعليمات، بل ينبغي أن يراعوا كل درس، مدركين في الوقت نفسه حاجتهم إلى تعليم أعمق من أي تعليم يقدر أن يلقنهم إياه أي كائن بشري. حين يحل المسيح في القلب بالإيمان يصبح روحه قوة تطهر النفس و تنعشها. فالحق في القلب لن يفشل في خلق التأثير المصلح للحياة... SM 435.2
ليذكر أولئك الطلاب المغتربون عن أوطانهم الذين ليسوا تحت تأثير والديهم المباشر أن عين أبيهم السماوي هي عليهم. إنه محب للشبيبة، عليم باحتياجاتهم و تجاربهم. يرى فيهم إمكانيات هائلة و يود أن يساعدهم على بلوغ أسمى الأهداف إذا هم أدركوا حاجتهم و التمسوا منه العون. SM 435.3
أيها الطلاب، إن صلوات والديكم تصعد إلى الله من أجلكم ليل نهار. و يوماً فيوماً تتجه قلوبهم بالاهتمام المحب نحوكم، فاصغوا إلى توسلاتهم و إلى تحذيراتهم و اعزموا أن تسعوا ما وسعكم السعي لأن تسمو فوق ما يكتنفكم من شر. لستم تقدرون أن تدركوا مقدار ما يسعى به العدو من مكر و مخاتلة ليفسد عقولكم و عاداتكم و يغرس فيكم مبادئ فاسدة. SM 436.1
قد لا ترون خطراً حقيقياً في اتخاذ الخطوة الأولى نحو الطيش و طلب المسرات، و تظنون أن بإمكانكم عمل ما هو مستقيم حين ترغبون في تغيير مسلككم بالسهولة نفسها التي بها أسلمتم نفوسكم لفعل الخطأ. إن هذا الخطأ مبين. كثيرون، إذا اختاروا عشراء أشراراً قد اقتيدوا خطوة خطوة، من طريق الفضيلة إلى مسالك العصيان و الانغماس في الملذات التي ظنوا في وقت ما أن من غير الممكن لهم السلوك فيها. SM 436.2
إن الطالب الذي يستلم للتجربة يضعف تأثيره الخيّر المصلح، و الذي يصبح بتصرفاته عميلاً لخصم النفوس لا بد له من أن يقدم لله حساباً عن الدور الذي لعبه بصيرورته حجر عثرة في طريق الآخرين. لماذا يربط الطلاب أنفسهم بالمرتد الأكبر؟ لماذا ينبغي أن يصبحوا عملاءه في تجريب الآخرين. لماذا لا يتعلمون، بالأحرى، أن يساعدوا و يشجعوا زملاءهم الطلاب و معلميهم؟ أن مساعدتهم معلميهم على النهوض بأعبائهم و مواجهة مربكاتهم التي يجعلها الشيطان ثقيلة و شاقة بشكل مثبط للعزائم إنما هو امتياز لهم. بإمكانهم أن يشيعوا جواً بهجاً منعشاً، و بإمكان كل طالب أن ينعم بفكرة كونه يتبع خطوات المسيح، مظهراً الإحترام للآخرين، مجتهداً و مطيعاً، يأبى أن يتخلى لعدو الجميع العظيم عن أقل ما يمكن من طاقته أو تأثيره ما هو جيد و بنّاء. SM 436.3
إن الطالب الذي يجل الحق بإخلاص نية و يتفهم الواجب، يقدر أن يفعل الكثير لجذب زملائه الطلاب إلى المسيح. و الشبيبة الذين ارتبطوا بالمسيح ليسوا متمردين صعبي المرأس، و لا تهمهم مسألة مسراتهم و مشتهياتهم، و حيث أنهم وحدوا أنفسهم مع المسيح بالروح فهم واحد معه في العمل. ينبغي للطلاب الكبار في مدارسنا أن يذكروا أن في إمكانهم أن يشكلوا عادات و تصرفات الطلاب الأصغر منهم سناً، كما ينبغي أن يبذلوا قصارى جهدهم في كل فرصة تسنح لهم في هذا المجال. ليعزم هؤلاء الطلاب أنهم لن يسلموا زملاءهم إلى يدي العدو عن طريق تأثيرهم. SM 437.1
إن يسوع سيساعد كل الذين يتكلون عليه. و كل المرتبطين بالمسيح ينعمون بالسعادة، يسلكون حيث يقودهم المخلص، صالبين من أجله الجسد مع الأهواء و الشهوات. لقد وضعوا رجاءهم في المسيح، و لن تقوى عواصف الأرض على جرفهم عن الأساس الركين. SM 437.2