مهما يكن مبلغ مهارة الطبيب وأمانته فإن في عمله، كما يبدو، كثيراً من المفضلات والهزائم . فكثيرا ما يفشل عمله في إنجاز ما يصبو إلى إنجازه . ومع أن المرضى يستردون صحتهم فقد لا يكون ذلك ذا نفع حقيقي لهم ولا للعالم . كثيرون تُسترد لهم الصحة فقط ليعودوا إلى تكرار الانغماس في ما جلب عليهم المرض قبلاً. وينقسم الشوق واللهفة الماضية يعودون الانغماس في الشهوات والجهالات من جديد. فعمل الطبيب لأجلهم يبدو وكأنه جهد ضائع. KS 74.5
لقد جاز المسيح في نفس هذا الاختبار، ومع ذلك فهو لم يكف عن بذل جهوده لأجل نفس واحدة متألمة. فمن بين البرص العشرة الذين قد طهروا لم يقدّر هذه الهبة غير رجل واحد وكان سامرياً غريب الجنس. فلأجل ذلك الرجل الواحد شفي المسيح العشرة . فإذا لم يظفر الطبيب بقسط من التقدير أعظم مما ظفر به المخلص قلين علم درساً من الطبيب الأعظم. لقد قيل عن المسيح إنه «لا يكل ولا ينكسر»، «من تعب نفسه يرى ويشبع» (إشعياء 42 : 4 : ۱۱:۵۳ ). KS 74.6
لو أن نفساً واحدة أرادت قبول إنجيل نعمة المسيح لكان الرب يسوع قد اختار حياة التعب والاتضاع وموت العار لكي يخلص تلك النفس ، ولو أن إنسانا واحدا يتسامى ويصل إلى حياة النيل والكرامة وصار أهلاً لأن يضئ في مواطن الريب بواسطة جهودنا ألا يكون ذلك سبباً كافياً لأجله تفرح ؟ KS 75.1
إن واجبات الطبيب شاقة ومتعبة. ولكي يتممها بأعظم نجاح فهو بحاجة إلى مزاج قوى وصحة جيدة. فالرجل الضعيف والسقيم لا يستطيع مواصلة العمل المضني الخاص بدعوة الطبيب . والذي تعزز قوة ضبط النفس الكاملة لا يمكنه أن يكون صالحاً لمعالجة كل أنواع الأمراض . KS 75.2
إن الطبيب إذ يُحرم في غالب الأحيان من النوم، ويُهمل حتى في تناول الطعام، ويكون منقطعا إلى حد كبير عن تمتعت المجتمع والامتيازات الدينية فإن حياته تبدو أنها مكتنفة بظلام دائم. في الآلام والأحزان التي يشاهدها والمرضى الذين يعتمدون عليه وهم متلهفون إلى معونته، واتصاله بالمحزون - كل ذلك يستقيم قلبه ويكاد يلاشي ثقته بالإنسانية. KS 75.3
وفي المعركة التي يخوضها الطبيب ضد المرض والموت يبذل قواه إلى أقصى حدود الاحتمال . وإن رد الفعل الناتج عن هذا الإجهاد العظيم فيه أختيار قاسي لخلقه إلى أبعد حد. وحينئذ تشتد التجربة إلى أقصى حدود قوتها. إن الطبيب أكثر من كل إنسان يحترف أية مهنة أخرى، بحاجة إلى ضبط النفس وطهارة الروح والإيمان الذي يتمسك بالسماء. فالأجل غيره ولأجل نفسه لا يمكنه إغفال القانون الجسدي. فالتهور في العادات الجسدية يؤدي إلى التهور في الآداب . KS 75.4