وقف شعب إسرائيل وأحقاؤهم مشدودة وأحذيتهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم ساكتين متهيبين متوقعين ومنتظرين أمر الملك لهم بالخروج ، وقبل بزوغ نور النهار كانوا سائرين في طريقهم . في أثناء وقوع الضربات على مصر إذ أضرم إعلان قدرة الله نار الإيمان في قلوب أولئك العبيد ، وألقى الرعب في قلوب مضطهديهم بدأ أولئك الإسرائيليون يتجمعون في جاسان . فبالرغم من أن ذلك الهروب كان مفاجئا فإن تدبيرا كان قد أعد لأجل تنظيم وضبط تلك الجموع التي بدأت تتحرك ، إذ كانوا قد انقسموا إلى جماعات تحت قيادة بعض القادة المعينين . AA 242.1
فارتحلوا وهم ( نحو ست مئة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد . وصعد معهم لفيف كثير أيضا ) (خروج 12 : 34 - 39) وبين ذلك الجمع لم يكن يرى فقط أولئك الذين آمنوا بإله إسرائيل ، بل أيضا جمع غفير ممن رغبوا في النجاة من الضربات ، والذين رغبوا في اتباع تلك الجمعو المتيقظة ، مدفوعين بدافع الاهتياج والفضول . هذا الفريق كان دائما معطلا وشركا لإسرائيل . AA 242.2
وأخذ الشعب أيضا معهم غنما وبقرا ومواشي وافرة جدا . هذه كانت أملاك الإسرائيليين الذين لم يبيعوا ممتلكاتهم للملك كما قد فعل المصريون . كان يعقوب وبنوه قد أحضروا معهم غنمهم وبقرهم إلى مصر حيث تزايد عددها كثيرا ، وقبيل رحيلهم عن مصر طلبوا ، بناء على تعليمات موسى ، تعويضا عن أعمالهم التي لم يأخذوا عنها أجرا . وكان المصريون يتوقون إلى التخلص منهم بحيث لم يرفضوا لهم طلبا ، فرحل أولئك العبيد مزودين بغنائم كثيرة من ظالميهم . AA 242.3
إن ذلك اليوم كان ختام التاريخ الذي سبق فأعلن لإبراهيم في رؤيا نبوية قبل ذلك بعدة قرون ، حيث قال له الله : ( أن نسلك سيكون غريبا في أرض ليس لهم ، ويستعبدون لهم . فيذلونهم أربع مئة سنة . ثم الأمة التي يستعبدون بها أنا أدينها ، وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة ) (تكوين 15 : 13 ، 14) وها قد انهت الأربع مئة سنة . ( وكان في ذلك اليوم عينه أن الرب أخرج بني إسرائيل من أرض مصر بحسب أجنادهم ) (خروج 12 :40 ، 41 ، 51 — 13 : 19) وعند رحيلهم عن مصر حمل الإسرائليون معهم ميراثا ثمينا هو عظام يوسف التي ظلت أمدا طويلا تنتظر إتمام وعد الله ، والتي بقيت طوال سنين العبودية المظلمة مذكرة بخلاص إسرائيل . AA 242.4
ولكن بدلا من اتباع الطريق المباشر إلى كنعان والذي يخترق بلاد الفلسطينيين وجههم الرب إلى الجنوب ، إلى شواطئ البحر الأحمر . ( لأن الله قال : لئلا يندم الشعب إذا رأوا حربا ويرجعوا إلى مصر ) . (خروج 13 : 17 ، 18 ، 20 — 22) فلو أنهم حاولوا اختراق أرض الفلسطينيين لأوقفوهم عن التقدم لأن الفلسطنيين لاعتبارهم إياهم عبيدا هاربين من سادتهم لا يترددون في إثارة الحرب عليهم ، ولم يكن الإسرائيليون متأهبين لمقاتلة ذلك الشعب القوي المحارب ، ولم يكن عندهم غير القليل من معرفة الله والإيمان به ، وكان يمكن أن يرتعبوا وتثبط هممهم . لم يكونوا مسلحين ولا متمرنين على الحرب . كانوا منقبضي النفس وفاتري الهمة بسبب طول سني العبودية . وكان يعرقلهم أولادهم ونساؤهم وغنمهم وبقرهم ، فإذ هداهم الرب في طريق بحر سوف أعلن أنه إله الرأفة كما أنه إله الدينونة . AA 243.1
( وارتحلوا من سكون ونزلوا في إيثام في طرق البرية . وكان الرب يسير أمامهم نهارا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق ، وليلا في عمود نار ليضيء لهم . لكي يمشوا نهارا وليلا . ولم يبرح عمود السحاب نهارا وعمود النار ليلا من أمام الشعب ) . والمرنم يقول : ( بسط سحابا سجفا ، ونارا لتضيء الليل ) (مزمور105 : 39 — 1 كورنثوس 10 : 1 ، 2) لقد كان أمام أنظارهم دائما على قائدهم غير المنظور ، ففي النهار هداهم عمود السحاب في رحلاتهم أو انبسط كخيمة فوق ذلك الجمهور ، ووقاهم من الحرارة المحرقة . قد أفادتهم الرطوبة المنبعثة في تلك السحابة وأنعشتهم في تلك البرية اليايبسة من العطش . وفي الليل تحولت السحابة إلى عمود نار أنار محلتهم وكان مذكرا دائما لهم بحضور الله معهم . AA 243.2
في فصل من أجمل الفصول المعزية الواردة في نبوات إشعياء إشارة إلى عمود السحاب والنار كدليل على رعاية الله لشعبه في صراعه العظيم الأخير مع قوات الشر ، حيث جاء : ( يخلق الرب على كل مكان من جبل صهيون وعلى محفلها سحابة نهارا ، ودخانا ولمعان نار ملتهبة ليلا ، لأن على كل مجد غطاء . وتكون مظلة للفيء نهارا من الحر ، ولملجأ ولمخبأ من السيل ومن المطر ) (إشعياء 4 : 5 ، 6) . AA 243.3
ساروا في ذلك القفر الصحراوي الموحش ، فبدأوا يتساءلون إلى أين تنتهي طريقهم . لقد بدا عليهم الإعياء في ذلك الطريق المكرب ، وبدأ الخوف يتسلل إلى بعض القلوب خشية مطاردة المصريين لهم ، ولكن السحابة تقدمت في سيرها فتبعوها ، ثم أن الرب أمر موسى أن يميل بالشعب إلى مضيق صخري ليعسكروا بجوار البحر ، وقد أعلن له الرب أن فرعون سيجد في مطاردتهم ولكن الله سيتمجد في خلاصهم . AA 244.1
انتشر الخبر في مصر بأن بني إسرائيل بدلا من الانتظار لعبادة الله في البرية كانوا يجدون في سيرهم نحو بحر سوف . وأخبر فرعون مشيروه بأن عبيده قد هربوا ولن يعودوا ، وقد تأسف شعب مصر على جهلهم في الاعتقاد أن موت أبكارهم كان سببه قوة الله ، فبعدما أفاق عظماؤهم من خوفهم نسبوا الضربات إلى عوامل طبيعية ، فصرخوا مرة قائلين : ( ماذا فعلنا حتى أطلقنا إسرائيل من خدمتنا ؟ ) (خروج 14 : 5 — 6) . AA 244.2
فجمع فرعون جيوشه ( وأخذ ست مئة مركبة منتخبة وسائر مركبات مصر ) فأخذ فرسانا وقوادا ومشاة ، وسار الملك نفسه في طليعة الجيش المهاجم ، بصحبة عظماء مملكته . ولكي يضمنوا رضى الآلهة ويتأكدوا ومن نجاح خطتهم سار الكهنة معهم . لقد أراد الملك أن يلقي الرعب في قلوب الإسرائيليين بكونه يقيم عرضا عظيما لقواته ، وقد خاف المصريون لئلا يكون خضوعهم لإله إسرائيل ، ذلك الخضوع الذي أكرهوا عليه مدعاة سخرية الأمم الأخرى بهم ، ولكن إذا كانوا الآن يخرجون بجيش عظيم يكون مظهرا لقوتهم ويعيدون الهاربين إلى عبوديتهم فإنهم سيستعيدون مجدهم وكرامتهم ، كما يستعيدون خدمة أولئك العبيد . AA 244.3
كان العبرانيون معسكرين بجوار البحر الذي بدت مياهه كأنها حاجز عظيم يستحيل عليهم اجتيازه ، بينما اعترض طريقهم المتجه إلى الجنوب جبل وعر . وفجأة أبصروا من بعيد وميض أسلحة وجلبة مركبات تتحرك تكشف عن طليعة جيش عظيم . وعندما اقتربت تلك القوات رؤيت كل جيوش مصر جادة في مطاردتهم لهم فامتلأت قلوب بني إسرائيل رعبا . وصرخ بعضهم إلى الرب ، بينما أسرع السواد الأعظم منهم إلى موسى يبثونه تذمراتهم قائلين : ( هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا لنموت في البرية ؟ ماذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر ؟ أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر قائلين : كف عنا فنخدم المصريين ؟ لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية ) (خروج 14 : 10 - 22) . AA 244.4
انزعجت نفس موسى كثيرا لضعف إيمان شعبه بالله رغم أنهم شاهدوا مرارا مظاهر قدرته في الدفاع عنهم . كيف يتهمونه بأنه هو السبب في ذلك الخطر الذي يتهددهم مع أنه قد اتبع أمر الرب تماما ؟ صحيح أنه لم يكن رجاء في نجاتهم ما لم يتداخل الله لإنقاذهم ، ولكن حيث قد جيء بهم إلى ذلك المركز الحرج نتيجة لإطاعته أمر الرب فإن موسى لم يكن يخشى سوء العاقبة ، ولذلك نطق في مسامعهم بذلك القول الواثق الهادئ : ( لا تخافوا ، قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم ، فإنه كما رأيتم المصريين اليوم ، لا تعودون ترونهم أيضا إلى الأبد . الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ) . AA 245.1
إن أمر ضبط صفوف إسرائيل للانتظار أمام الرب لم يكن أمرا سهلا ، فإذ كان ينقصهم التدريب والنظام وضبط النفس صاروا عنفاء ، وفقدوا التعقل والاتزان ، لقد كانوا يتوقعون أنهم سيسقطون سريعا في أيدي ظالميهم ، فارتفعت أصوات عويلهم وصراخهم إلى عنان السماء . لقد تبعوا عمود السحاب العجيب كإشارة عن الله لهم بالتقدم في سيرهم . ولكنهم الآن بدأوا يتساءلون ما إذا لم يكن ذلك العمود نذيرا بكارثة هائلة ستحل بهم ، لأنه ألم يقدهم إلى الجانب الخطأ من الجبل ، إلى طريق لا يمكن عبورها ؟ ولذلك فقد بدا ملاك الله لعقولهم المخدوعة كما لو كان نذيرا بمصيبة هائلة ستحل بهم . AA 245.2
أما الآن وقد اقترب المصريون منهم ، وكانوا ينتظرون أن يسقطوا في أيديهم فرائس سهلة المنال فقد ارتفع عمود السحاب بجلال في الجو ومر فوق الإسرائيليين ثم هبط ووقف بينهم وبين جيوش مصر . فكان هنالك سور من الظلام فصل بين شعب إسرائيل ومطارديهم . فلم يستطيع المصريون مشاهدة محلة العبرانيين فاضطروا للتوقف عن السير . ولكن إذ زادت ظلمة الليل صار عمود السحاب نورا عظيما أضاء على العبرانيين وغمر كل محلتهم بنور كنور النهار . AA 245.3
حينئذ عاد الرجاء إلى قلوب بني إسرائيل . ورفع موسى إلى الله صوته ( فقال الرب لموسى : ما لك تصرخ إليّ ؟ قل لبني إسرائيل أن يرحلوا . وارفع أنت عصاك ومد يدك على البحر وشقه ، فيدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على الياسبة ) . AA 246.1
يقول المرنم في وصف عبور نبي إسرائيل في البحر على اليابسة : ( في البحر طريقك ، وسبلك في المياه الكثيرة ، وآثارك لم تعرف . هديت شعبك كالغنم بيد موسى وهارون ) (مزمور 77 : 19 ، 20) فلما رفع موسى عصاه انشقت المياه وسار ‘سرائيل في وسط البحر على اليابسة وكان الماء سورا لهم على الجانبين ، وإن النور من عمود الله الذي من نار قد أضاء على اللجج المزبدة فأنار الطريق التي شقت كأخدود عظيم وسط مياه البحر ، والتي اختفت في عتمة الشاطئ الأبعد . AA 246.2
( وتبعهم المصريون ودخلوا وراءهم . جميع خيل فرعون ومركباتهم وفرسانه إلى وسط البحر . وكان في هزيع الصبح أن الرب أشرف على عسكر المصريين في عمود النار والسحاب ، وأزعج عسكر المصريين ) (خروج 14 : 23 ، 24) إن تلك السحابة العجيبة استحالت إلى عمود من نار أمام عيونهم المندهشة . ثم دمدمت الرعود ولمعت البروق ( سكبت الغيوم مياها ، أعطت السحب صوتا . أيضا سهامك طارت . صوت رعدك في الزوبعة . البروق أضاءت المسكونة . ارتعدت ورجفت الأرض ) (مزمور 77 : 17 ، 18) . AA 246.3
أما المصريون فقد ملكهم الارتباك والرعب ، ففي وسط غضب العناصر التي فيها سمعوا صوت الله الغاضب حاولوا التقهقر والهروب إلى الشاطئ الآخر الذي كانوا قد برحوه ، ولكن موسى مد عصاه وإذا بالمياه المتجمعة التي كانت تصفر وتزأر شوقا إلى فريستها ، تندفع وتبتلع الجيش المصري في أعماقها المظلمة . AA 246.4
وببزوغ النهار انكشف لجماهير شعب إسرائيل كل ما تبقى من أعدائهم الأقوياء — الجثث المدرعة مطروحة على الشاطئ . إن ليلة واحدة نقلتهم من حالة الخطر الرهيب إلى النجاة الكاملة . فذلك الجمهور العظيم العاجز - العبيد غير المدربين على القتال ، والنساء والأطفال والماشية ، وأمامهم البحر ، وجيوش مصر القوية تسرع في اللحاق بهم - أولئك المساكين رأوا طريقا مفتوحا أمامهم في وسط الماء ، ورأوا أعدائهم يغرقون في اللحظة التي كانوا ينتظرون فيها الانتحار . إن الرب ( يهوه ) وحده هو الذي أتاهم بالنجاة . فارتفعت قلوبهم إليه وحده في شكر وإيمان . وقد عبروا عن شعورهم بأناشيد الحمد ، واستقر روح الله على موسى فقاد الشعب في تسبيحة الانتصار والشكر ، وكانت من أولى وأسمى وأمجد التسبيحات التي عرفها الناس ، وهي تقول : AA 246.5
)أرنم للرب فإنه قد تعظم . الفرس وراكبه طرحهما في البحر . الرب قوتي ونشيدي ، وقد صار خلاصي . هذا إلهي فأمجده ، إله أبي فأرفّعه . الرب رجل الحرب . الرب اسمه . مركبات فرعون وجيشه ألقاهما في البحر ، فغرق أفضل جنوده المركبية في بحر سوف ، تغطيهم اللجج . قد هبطوا في الأعماق كحجر . يمينك يا رب معتزة بالقدرة . يمينك يا رب تحطم العدو .. من مثلك بين الآلهة يا رب ؟ من مثلك معتزا في القداسة ، مخوفا بالتسابيح ، صانعا عجائب ؟ ترشد برأفتك الشعب الذي فديته . تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك . يسمع الشعوب فيرتعدون .. تقع عليهم الهيبة والرعب . بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر حتى يعبر شعب يا رب . حتى يعبر الشعب الذي اقتنيته . تجيء بهم وتغرسهم في جبل ميزانك ، المكان الذي صنتعه يا رب لسكنك ) (خروج 15 : 1 - 17) . AA 247.1
ارتفع صوت تلك التسبيحة من أفواه جموع إسرائيل الغفيرة كصوت مياه البحر العميقة . واشتركت في إنشادها نساء إسرائيل بقيادة أخت موسى حين خرجت النساء وراء مريم بدفوف ورقص ، وارتفع صوت تلك الترنيمة المفرحة فوق القفر والبحر ، ورددت الجبال صدى كلمات ذلك النشيد حين قال الشعب : ( أرنم للرب فإنه قد تعظم ) . AA 247.2
إن هذه التسبيحة والنجاة التي تخلد الترنيمة ذكراها أحدثت أثرا لا يمحى من عقول الشعب العبراني ، ومن جيل إلى جيل كان الأنبياء ومرنمو إسرائيل يرددونها شهادة على أن الرب هو قوة من يثقون به وخلاصهم ، ولكن هذه التسبيحة ليست وقفا على شعب اليهود وحدهم ، إذ هي تشير إلى الأمام ، إلى الوقت الذي يتم فيه هلاك كل أعداء البر ، وقت النصرة النهائية لشعب الله . إن نبي بطمس يرى جمهور الأبرار اللابسين الثياب البيض الذين أحرزوا النصرة واقفين على ( بحر من زجاج مختلط بنار ) ، ( معهم قيثارات الله ، وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله ، وترنمية الخروف ) (رؤيا 15 : 2 ، 3) . AA 247.3
( ليس لنا يا رب ليس لنا ، لكن لاسمك أعط مجدا ، من أجل رحمتك من أجل أمانتك ) (مزمور 115 : 1) . تلك كانت الروح التي تخللت ترنيمة النجاة التي ترنم بها الشعب إسرائيل ، وهي نفس الروح التي ينبغي أن تسكن في قلوب كل من يحبون الله ويتقونه . إن الله لكي يحرر أرواحنا من عبودية الخطية قد صنع لنا خلاصا أعظم من الخلاص الذي صنعه للعبرانيين عند بحر سوف . وكام فعل جمهور العبرانيين كذلك علينا نحن أيضا أن نسبح الرب بقلوبنا وأرواحنا وأصواتنا على ( عجائبه لبني آدم ) إن الذين يعيشون على مراحم الرب ولا ينسون أقل عطية من عطاياه سيسلبون رداء الابتهاج ويسبحون الرب من قلوبهم . إن البركات التي نتناولها من الرب كل يوم ، وفوق الكل موت يسوع لكي يجعل السعادة والسماء في متناول أيدينا ينبغي أن تكون موضوع شكرنا الدائم . أي رأفة وأي محبة لا تبارى أظهرهما الله لنا نحن الخطاة الهالكين في كونه وحدنا بشخصه لنكون له خاصة ( كنزا خاصا ) ! أي ذبيحة قدمها فادينا لكي ندعى أولاد الله ! ينبغي أن نشكر الله ونسبحه لأجل الرجاء الموضوع أمامنا في تدبير الفداء العظيم ، وعلينا أن نسبحه لأجل الميراث السماوي ولأجل مواعيده الثمينة ، ونسبحه لأن يسوع حي يشفع فينا . AA 247.4
يقول الله خالقنا : ( ذابح الحمد يمجدني ) (مزمور 50 : 23) . إن كل سكان السماء يتحدون في تسبيح الله . فلنتعلم أغنية الملائكة الآن ، حتى يمكننا أن ننشدها حين نجتمع مع تلك الجند النورانية . لنقل مع المرنم : ( أسبح الرب في حياتي ، وأرنم الإلهي ما دمت موجودا (. ( يحمدك الشعوب يا لله . يحمدك الشعوب كلهم ) (مزمور 146 : 2 - 67 : 5) . إن الله في عنايته أتى بالعبرانيين إلى معاقل الجبل قبل البحر حتى يظهر قدرته في نجاتهم ، ويذل كبرياء ظالميهم علانية . كان يمكنه أن يخلصهم بأية وسيلة أخرى ، ولكنه استخدم هذه الوسيلة ليختبر إيمانهم ويقوي ثقتهم به . كان الشعب في أشد حالات الإعياء والرعب ، مع ذلك فلو أنهم تراجعوا حين أمرهم موسى بالتقدم لما فتح الله الطريق أمامهم ، إنما ( بالإيمان اجتازوا في البحر الأحمر كما في اليابسة ) (عبرانيين 11 : 29) . وفي سيرهم حتى وصلوا إلى الماء أظهروا إيمانهم بكلمة الله التي تكلم بها موسى . لقد علموا كل ما كان في قدرتهم أن يعملوه ، وحيئنذ شق عزيز إسرائيل البحر لكي يفتح طريقا لعبورهم . AA 248.1
إن الدرس العظيم الذي نتعلمه هنا نافع لكل العصور . فحياة المسيحي غالبا ما تحيط بها المخاطر ، ويبدو أنه من الصعب عليه القيام بواجبه . إن الخيال يصور له الهلاك الذي يتهدده من الأمام ، والعبودية وربما الموت من الخلف ، ولكن صوت الله يناديه بوضوح قائلا : ( تقدم ) . وعلينا أن نمتثل لهذا الأمر ، حتى ولو كانت عيوننا عاجزة عن اختراق الظلمة ، ونحس بالأمواج الباردة تتلاطم تحت أقدامنا . فالعراقيل التي تعترض تقدمنا لن تختفي من أمام الروح الكثيرة التوقف والكثيرة الشكوك . إن الذين يؤخرون الطاعة حتى يختفي من أمامهم كل أثر للالتباس ، وحيئنذ لن يكون هنالك خوف من فشل أو هزيمة - هؤلاء لن يطيعوا أبدا . إن عدم الإيمان يهمس قائلا : ( ننتظر حتى تزول كل العوائق وحتى نرى طريقنا واضحا ) أما الإيمان فإنه بكل شجاعة يتقدم وهو يرجو كل شيء ويصدق على كل شيء . والسحابة التي كانت سورا من الظلام من ناحية المصريين كانت نورا سطع بلألائه على جماعة العبرانيين ، منيرا المحلة كلها ، ومنيرا أيضا الطريق أمامهم . وهكذا إن معاملات العناية تجلب على غير المؤمنين الظلمة واليأس ، أما النفس المؤمنة الواثقة فيأتيها النور والسلام . إن الطريق الذي يقودنا الرب فيه يمكن أن يسير بنا عبر الصحراء إلى البحر ولكنه طريق مأمون . AA 248.2
* * * * *