Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents

الاباء والانبياء

 - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    الفصل الخامس والعشرون—الخروج

    وقف شعب إسرائيل وأحقاؤهم مشدودة وأحذيتهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم ساكتين متهيبين متوقعين ومنتظرين أمر الملك لهم بالخروج ، وقبل بزوغ نور النهار كانوا سائرين في طريقهم . في أثناء وقوع الضربات على مصر إذ أضرم إعلان قدرة الله نار الإيمان في قلوب أولئك العبيد ، وألقى الرعب في قلوب مضطهديهم بدأ أولئك الإسرائيليون يتجمعون في جاسان . فبالرغم من أن ذلك الهروب كان مفاجئا فإن تدبيرا كان قد أعد لأجل تنظيم وضبط تلك الجموع التي بدأت تتحرك ، إذ كانوا قد انقسموا إلى جماعات تحت قيادة بعض القادة المعينين .AA 242.1

    فارتحلوا وهم ( نحو ست مئة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد . وصعد معهم لفيف كثير أيضا ) (خروج 12 : 34 - 39) وبين ذلك الجمع لم يكن يرى فقط أولئك الذين آمنوا بإله إسرائيل ، بل أيضا جمع غفير ممن رغبوا في النجاة من الضربات ، والذين رغبوا في اتباع تلك الجمعو المتيقظة ، مدفوعين بدافع الاهتياج والفضول . هذا الفريق كان دائما معطلا وشركا لإسرائيل .AA 242.2

    وأخذ الشعب أيضا معهم غنما وبقرا ومواشي وافرة جدا . هذه كانت أملاك الإسرائيليين الذين لم يبيعوا ممتلكاتهم للملك كما قد فعل المصريون . كان يعقوب وبنوه قد أحضروا معهم غنمهم وبقرهم إلى مصر حيث تزايد عددها كثيرا ، وقبيل رحيلهم عن مصر طلبوا ، بناء على تعليمات موسى ، تعويضا عن أعمالهم التي لم يأخذوا عنها أجرا . وكان المصريون يتوقون إلى التخلص منهم بحيث لم يرفضوا لهم طلبا ، فرحل أولئك العبيد مزودين بغنائم كثيرة من ظالميهم . AA 242.3

    إن ذلك اليوم كان ختام التاريخ الذي سبق فأعلن لإبراهيم في رؤيا نبوية قبل ذلك بعدة قرون ، حيث قال له الله : ( أن نسلك سيكون غريبا في أرض ليس لهم ، ويستعبدون لهم . فيذلونهم أربع مئة سنة . ثم الأمة التي يستعبدون بها أنا أدينها ، وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة ) (تكوين 15 : 13 ، 14) وها قد انهت الأربع مئة سنة . ( وكان في ذلك اليوم عينه أن الرب أخرج بني إسرائيل من أرض مصر بحسب أجنادهم ) (خروج 12 :40 ، 41 ، 51 — 13 : 19) وعند رحيلهم عن مصر حمل الإسرائليون معهم ميراثا ثمينا هو عظام يوسف التي ظلت أمدا طويلا تنتظر إتمام وعد الله ، والتي بقيت طوال سنين العبودية المظلمة مذكرة بخلاص إسرائيل .AA 242.4

    ولكن بدلا من اتباع الطريق المباشر إلى كنعان والذي يخترق بلاد الفلسطينيين وجههم الرب إلى الجنوب ، إلى شواطئ البحر الأحمر . ( لأن الله قال : لئلا يندم الشعب إذا رأوا حربا ويرجعوا إلى مصر ) . (خروج 13 : 17 ، 18 ، 20 — 22) فلو أنهم حاولوا اختراق أرض الفلسطينيين لأوقفوهم عن التقدم لأن الفلسطنيين لاعتبارهم إياهم عبيدا هاربين من سادتهم لا يترددون في إثارة الحرب عليهم ، ولم يكن الإسرائيليون متأهبين لمقاتلة ذلك الشعب القوي المحارب ، ولم يكن عندهم غير القليل من معرفة الله والإيمان به ، وكان يمكن أن يرتعبوا وتثبط هممهم . لم يكونوا مسلحين ولا متمرنين على الحرب . كانوا منقبضي النفس وفاتري الهمة بسبب طول سني العبودية . وكان يعرقلهم أولادهم ونساؤهم وغنمهم وبقرهم ، فإذ هداهم الرب في طريق بحر سوف أعلن أنه إله الرأفة كما أنه إله الدينونة .AA 243.1

    ( وارتحلوا من سكون ونزلوا في إيثام في طرق البرية . وكان الرب يسير أمامهم نهارا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق ، وليلا في عمود نار ليضيء لهم . لكي يمشوا نهارا وليلا . ولم يبرح عمود السحاب نهارا وعمود النار ليلا من أمام الشعب ) . والمرنم يقول : ( بسط سحابا سجفا ، ونارا لتضيء الليل ) (مزمور105 : 39 — 1 كورنثوس 10 : 1 ، 2) لقد كان أمام أنظارهم دائما على قائدهم غير المنظور ، ففي النهار هداهم عمود السحاب في رحلاتهم أو انبسط كخيمة فوق ذلك الجمهور ، ووقاهم من الحرارة المحرقة . قد أفادتهم الرطوبة المنبعثة في تلك السحابة وأنعشتهم في تلك البرية اليايبسة من العطش . وفي الليل تحولت السحابة إلى عمود نار أنار محلتهم وكان مذكرا دائما لهم بحضور الله معهم .AA 243.2

    في فصل من أجمل الفصول المعزية الواردة في نبوات إشعياء إشارة إلى عمود السحاب والنار كدليل على رعاية الله لشعبه في صراعه العظيم الأخير مع قوات الشر ، حيث جاء : ( يخلق الرب على كل مكان من جبل صهيون وعلى محفلها سحابة نهارا ، ودخانا ولمعان نار ملتهبة ليلا ، لأن على كل مجد غطاء . وتكون مظلة للفيء نهارا من الحر ، ولملجأ ولمخبأ من السيل ومن المطر ) (إشعياء 4 : 5 ، 6) .AA 243.3

    ساروا في ذلك القفر الصحراوي الموحش ، فبدأوا يتساءلون إلى أين تنتهي طريقهم . لقد بدا عليهم الإعياء في ذلك الطريق المكرب ، وبدأ الخوف يتسلل إلى بعض القلوب خشية مطاردة المصريين لهم ، ولكن السحابة تقدمت في سيرها فتبعوها ، ثم أن الرب أمر موسى أن يميل بالشعب إلى مضيق صخري ليعسكروا بجوار البحر ، وقد أعلن له الرب أن فرعون سيجد في مطاردتهم ولكن الله سيتمجد في خلاصهم .AA 244.1

    انتشر الخبر في مصر بأن بني إسرائيل بدلا من الانتظار لعبادة الله في البرية كانوا يجدون في سيرهم نحو بحر سوف . وأخبر فرعون مشيروه بأن عبيده قد هربوا ولن يعودوا ، وقد تأسف شعب مصر على جهلهم في الاعتقاد أن موت أبكارهم كان سببه قوة الله ، فبعدما أفاق عظماؤهم من خوفهم نسبوا الضربات إلى عوامل طبيعية ، فصرخوا مرة قائلين : ( ماذا فعلنا حتى أطلقنا إسرائيل من خدمتنا ؟ ) (خروج 14 : 5 — 6) .AA 244.2

    فجمع فرعون جيوشه ( وأخذ ست مئة مركبة منتخبة وسائر مركبات مصر ) فأخذ فرسانا وقوادا ومشاة ، وسار الملك نفسه في طليعة الجيش المهاجم ، بصحبة عظماء مملكته . ولكي يضمنوا رضى الآلهة ويتأكدوا ومن نجاح خطتهم سار الكهنة معهم . لقد أراد الملك أن يلقي الرعب في قلوب الإسرائيليين بكونه يقيم عرضا عظيما لقواته ، وقد خاف المصريون لئلا يكون خضوعهم لإله إسرائيل ، ذلك الخضوع الذي أكرهوا عليه مدعاة سخرية الأمم الأخرى بهم ، ولكن إذا كانوا الآن يخرجون بجيش عظيم يكون مظهرا لقوتهم ويعيدون الهاربين إلى عبوديتهم فإنهم سيستعيدون مجدهم وكرامتهم ، كما يستعيدون خدمة أولئك العبيد .AA 244.3

    كان العبرانيون معسكرين بجوار البحر الذي بدت مياهه كأنها حاجز عظيم يستحيل عليهم اجتيازه ، بينما اعترض طريقهم المتجه إلى الجنوب جبل وعر . وفجأة أبصروا من بعيد وميض أسلحة وجلبة مركبات تتحرك تكشف عن طليعة جيش عظيم . وعندما اقتربت تلك القوات رؤيت كل جيوش مصر جادة في مطاردتهم لهم فامتلأت قلوب بني إسرائيل رعبا . وصرخ بعضهم إلى الرب ، بينما أسرع السواد الأعظم منهم إلى موسى يبثونه تذمراتهم قائلين : ( هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا لنموت في البرية ؟ ماذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر ؟ أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر قائلين : كف عنا فنخدم المصريين ؟ لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية ) (خروج 14 : 10 - 22) .AA 244.4

    انزعجت نفس موسى كثيرا لضعف إيمان شعبه بالله رغم أنهم شاهدوا مرارا مظاهر قدرته في الدفاع عنهم . كيف يتهمونه بأنه هو السبب في ذلك الخطر الذي يتهددهم مع أنه قد اتبع أمر الرب تماما ؟ صحيح أنه لم يكن رجاء في نجاتهم ما لم يتداخل الله لإنقاذهم ، ولكن حيث قد جيء بهم إلى ذلك المركز الحرج نتيجة لإطاعته أمر الرب فإن موسى لم يكن يخشى سوء العاقبة ، ولذلك نطق في مسامعهم بذلك القول الواثق الهادئ : ( لا تخافوا ، قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم ، فإنه كما رأيتم المصريين اليوم ، لا تعودون ترونهم أيضا إلى الأبد . الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ) .AA 245.1

    إن أمر ضبط صفوف إسرائيل للانتظار أمام الرب لم يكن أمرا سهلا ، فإذ كان ينقصهم التدريب والنظام وضبط النفس صاروا عنفاء ، وفقدوا التعقل والاتزان ، لقد كانوا يتوقعون أنهم سيسقطون سريعا في أيدي ظالميهم ، فارتفعت أصوات عويلهم وصراخهم إلى عنان السماء . لقد تبعوا عمود السحاب العجيب كإشارة عن الله لهم بالتقدم في سيرهم . ولكنهم الآن بدأوا يتساءلون ما إذا لم يكن ذلك العمود نذيرا بكارثة هائلة ستحل بهم ، لأنه ألم يقدهم إلى الجانب الخطأ من الجبل ، إلى طريق لا يمكن عبورها ؟ ولذلك فقد بدا ملاك الله لعقولهم المخدوعة كما لو كان نذيرا بمصيبة هائلة ستحل بهم .AA 245.2

    أما الآن وقد اقترب المصريون منهم ، وكانوا ينتظرون أن يسقطوا في أيديهم فرائس سهلة المنال فقد ارتفع عمود السحاب بجلال في الجو ومر فوق الإسرائيليين ثم هبط ووقف بينهم وبين جيوش مصر . فكان هنالك سور من الظلام فصل بين شعب إسرائيل ومطارديهم . فلم يستطيع المصريون مشاهدة محلة العبرانيين فاضطروا للتوقف عن السير . ولكن إذ زادت ظلمة الليل صار عمود السحاب نورا عظيما أضاء على العبرانيين وغمر كل محلتهم بنور كنور النهار .AA 245.3

    حينئذ عاد الرجاء إلى قلوب بني إسرائيل . ورفع موسى إلى الله صوته ( فقال الرب لموسى : ما لك تصرخ إليّ ؟ قل لبني إسرائيل أن يرحلوا . وارفع أنت عصاك ومد يدك على البحر وشقه ، فيدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على الياسبة ) .AA 246.1

    يقول المرنم في وصف عبور نبي إسرائيل في البحر على اليابسة : ( في البحر طريقك ، وسبلك في المياه الكثيرة ، وآثارك لم تعرف . هديت شعبك كالغنم بيد موسى وهارون ) (مزمور 77 : 19 ، 20) فلما رفع موسى عصاه انشقت المياه وسار ‘سرائيل في وسط البحر على اليابسة وكان الماء سورا لهم على الجانبين ، وإن النور من عمود الله الذي من نار قد أضاء على اللجج المزبدة فأنار الطريق التي شقت كأخدود عظيم وسط مياه البحر ، والتي اختفت في عتمة الشاطئ الأبعد .AA 246.2

    ( وتبعهم المصريون ودخلوا وراءهم . جميع خيل فرعون ومركباتهم وفرسانه إلى وسط البحر . وكان في هزيع الصبح أن الرب أشرف على عسكر المصريين في عمود النار والسحاب ، وأزعج عسكر المصريين ) (خروج 14 : 23 ، 24) إن تلك السحابة العجيبة استحالت إلى عمود من نار أمام عيونهم المندهشة . ثم دمدمت الرعود ولمعت البروق ( سكبت الغيوم مياها ، أعطت السحب صوتا . أيضا سهامك طارت . صوت رعدك في الزوبعة . البروق أضاءت المسكونة . ارتعدت ورجفت الأرض ) (مزمور 77 : 17 ، 18) .AA 246.3

    أما المصريون فقد ملكهم الارتباك والرعب ، ففي وسط غضب العناصر التي فيها سمعوا صوت الله الغاضب حاولوا التقهقر والهروب إلى الشاطئ الآخر الذي كانوا قد برحوه ، ولكن موسى مد عصاه وإذا بالمياه المتجمعة التي كانت تصفر وتزأر شوقا إلى فريستها ، تندفع وتبتلع الجيش المصري في أعماقها المظلمة .AA 246.4

    وببزوغ النهار انكشف لجماهير شعب إسرائيل كل ما تبقى من أعدائهم الأقوياء — الجثث المدرعة مطروحة على الشاطئ . إن ليلة واحدة نقلتهم من حالة الخطر الرهيب إلى النجاة الكاملة . فذلك الجمهور العظيم العاجز - العبيد غير المدربين على القتال ، والنساء والأطفال والماشية ، وأمامهم البحر ، وجيوش مصر القوية تسرع في اللحاق بهم - أولئك المساكين رأوا طريقا مفتوحا أمامهم في وسط الماء ، ورأوا أعدائهم يغرقون في اللحظة التي كانوا ينتظرون فيها الانتحار . إن الرب ( يهوه ) وحده هو الذي أتاهم بالنجاة . فارتفعت قلوبهم إليه وحده في شكر وإيمان . وقد عبروا عن شعورهم بأناشيد الحمد ، واستقر روح الله على موسى فقاد الشعب في تسبيحة الانتصار والشكر ، وكانت من أولى وأسمى وأمجد التسبيحات التي عرفها الناس ، وهي تقول : AA 246.5

    )أرنم للرب فإنه قد تعظم . الفرس وراكبه طرحهما في البحر . الرب قوتي ونشيدي ، وقد صار خلاصي . هذا إلهي فأمجده ، إله أبي فأرفّعه . الرب رجل الحرب . الرب اسمه . مركبات فرعون وجيشه ألقاهما في البحر ، فغرق أفضل جنوده المركبية في بحر سوف ، تغطيهم اللجج . قد هبطوا في الأعماق كحجر . يمينك يا رب معتزة بالقدرة . يمينك يا رب تحطم العدو .. من مثلك بين الآلهة يا رب ؟ من مثلك معتزا في القداسة ، مخوفا بالتسابيح ، صانعا عجائب ؟ ترشد برأفتك الشعب الذي فديته . تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك . يسمع الشعوب فيرتعدون .. تقع عليهم الهيبة والرعب . بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر حتى يعبر شعب يا رب . حتى يعبر الشعب الذي اقتنيته . تجيء بهم وتغرسهم في جبل ميزانك ، المكان الذي صنتعه يا رب لسكنك ) (خروج 15 : 1 - 17) .AA 247.1

    ارتفع صوت تلك التسبيحة من أفواه جموع إسرائيل الغفيرة كصوت مياه البحر العميقة . واشتركت في إنشادها نساء إسرائيل بقيادة أخت موسى حين خرجت النساء وراء مريم بدفوف ورقص ، وارتفع صوت تلك الترنيمة المفرحة فوق القفر والبحر ، ورددت الجبال صدى كلمات ذلك النشيد حين قال الشعب : ( أرنم للرب فإنه قد تعظم ) .AA 247.2

    إن هذه التسبيحة والنجاة التي تخلد الترنيمة ذكراها أحدثت أثرا لا يمحى من عقول الشعب العبراني ، ومن جيل إلى جيل كان الأنبياء ومرنمو إسرائيل يرددونها شهادة على أن الرب هو قوة من يثقون به وخلاصهم ، ولكن هذه التسبيحة ليست وقفا على شعب اليهود وحدهم ، إذ هي تشير إلى الأمام ، إلى الوقت الذي يتم فيه هلاك كل أعداء البر ، وقت النصرة النهائية لشعب الله . إن نبي بطمس يرى جمهور الأبرار اللابسين الثياب البيض الذين أحرزوا النصرة واقفين على ( بحر من زجاج مختلط بنار ) ، ( معهم قيثارات الله ، وهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله ، وترنمية الخروف ) (رؤيا 15 : 2 ، 3) .AA 247.3

    ( ليس لنا يا رب ليس لنا ، لكن لاسمك أعط مجدا ، من أجل رحمتك من أجل أمانتك ) (مزمور 115 : 1) . تلك كانت الروح التي تخللت ترنيمة النجاة التي ترنم بها الشعب إسرائيل ، وهي نفس الروح التي ينبغي أن تسكن في قلوب كل من يحبون الله ويتقونه . إن الله لكي يحرر أرواحنا من عبودية الخطية قد صنع لنا خلاصا أعظم من الخلاص الذي صنعه للعبرانيين عند بحر سوف . وكام فعل جمهور العبرانيين كذلك علينا نحن أيضا أن نسبح الرب بقلوبنا وأرواحنا وأصواتنا على ( عجائبه لبني آدم ) إن الذين يعيشون على مراحم الرب ولا ينسون أقل عطية من عطاياه سيسلبون رداء الابتهاج ويسبحون الرب من قلوبهم . إن البركات التي نتناولها من الرب كل يوم ، وفوق الكل موت يسوع لكي يجعل السعادة والسماء في متناول أيدينا ينبغي أن تكون موضوع شكرنا الدائم . أي رأفة وأي محبة لا تبارى أظهرهما الله لنا نحن الخطاة الهالكين في كونه وحدنا بشخصه لنكون له خاصة ( كنزا خاصا ) ! أي ذبيحة قدمها فادينا لكي ندعى أولاد الله ! ينبغي أن نشكر الله ونسبحه لأجل الرجاء الموضوع أمامنا في تدبير الفداء العظيم ، وعلينا أن نسبحه لأجل الميراث السماوي ولأجل مواعيده الثمينة ، ونسبحه لأن يسوع حي يشفع فينا .AA 247.4

    يقول الله خالقنا : ( ذابح الحمد يمجدني ) (مزمور 50 : 23) . إن كل سكان السماء يتحدون في تسبيح الله . فلنتعلم أغنية الملائكة الآن ، حتى يمكننا أن ننشدها حين نجتمع مع تلك الجند النورانية . لنقل مع المرنم : ( أسبح الرب في حياتي ، وأرنم الإلهي ما دمت موجودا (. ( يحمدك الشعوب يا لله . يحمدك الشعوب كلهم ) (مزمور 146 : 2 - 67 : 5) . إن الله في عنايته أتى بالعبرانيين إلى معاقل الجبل قبل البحر حتى يظهر قدرته في نجاتهم ، ويذل كبرياء ظالميهم علانية . كان يمكنه أن يخلصهم بأية وسيلة أخرى ، ولكنه استخدم هذه الوسيلة ليختبر إيمانهم ويقوي ثقتهم به . كان الشعب في أشد حالات الإعياء والرعب ، مع ذلك فلو أنهم تراجعوا حين أمرهم موسى بالتقدم لما فتح الله الطريق أمامهم ، إنما ( بالإيمان اجتازوا في البحر الأحمر كما في اليابسة ) (عبرانيين 11 : 29) . وفي سيرهم حتى وصلوا إلى الماء أظهروا إيمانهم بكلمة الله التي تكلم بها موسى . لقد علموا كل ما كان في قدرتهم أن يعملوه ، وحيئنذ شق عزيز إسرائيل البحر لكي يفتح طريقا لعبورهم .AA 248.1

    إن الدرس العظيم الذي نتعلمه هنا نافع لكل العصور . فحياة المسيحي غالبا ما تحيط بها المخاطر ، ويبدو أنه من الصعب عليه القيام بواجبه . إن الخيال يصور له الهلاك الذي يتهدده من الأمام ، والعبودية وربما الموت من الخلف ، ولكن صوت الله يناديه بوضوح قائلا : ( تقدم ) . وعلينا أن نمتثل لهذا الأمر ، حتى ولو كانت عيوننا عاجزة عن اختراق الظلمة ، ونحس بالأمواج الباردة تتلاطم تحت أقدامنا . فالعراقيل التي تعترض تقدمنا لن تختفي من أمام الروح الكثيرة التوقف والكثيرة الشكوك . إن الذين يؤخرون الطاعة حتى يختفي من أمامهم كل أثر للالتباس ، وحيئنذ لن يكون هنالك خوف من فشل أو هزيمة - هؤلاء لن يطيعوا أبدا . إن عدم الإيمان يهمس قائلا : ( ننتظر حتى تزول كل العوائق وحتى نرى طريقنا واضحا ) أما الإيمان فإنه بكل شجاعة يتقدم وهو يرجو كل شيء ويصدق على كل شيء . والسحابة التي كانت سورا من الظلام من ناحية المصريين كانت نورا سطع بلألائه على جماعة العبرانيين ، منيرا المحلة كلها ، ومنيرا أيضا الطريق أمامهم . وهكذا إن معاملات العناية تجلب على غير المؤمنين الظلمة واليأس ، أما النفس المؤمنة الواثقة فيأتيها النور والسلام . إن الطريق الذي يقودنا الرب فيه يمكن أن يسير بنا عبر الصحراء إلى البحر ولكنه طريق مأمون .AA 248.2

    * * * * *

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents