بعد حلول الشعب في سيناء حالا دعي موسى لمقابلة الله في الجبل ، فجعل يتسلق وحده ذلك الطريق الصاعد الوعر ، واقترب من السحابة التي دلت على مكان حضور الرب ( يهوه (. كان بنو أسرائيل مزمعين أن يدخلوا في علاقة خاصة قريبة بالله العلي ، وأن يتحدوا مع ككنيسة وأمة تحت حكم الله . وهذه الرسالة التي أمر الرب موسى أن يبلغها الشعب : AA 261.1
( أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين . وآنا حملتكم على آجنحة النسور وجئت بكم إليّ فالآن إن سمعتم لصوتي ، وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب . فإن لي كل الأرض . وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة ) (انظر خروج 19) . AA 261.2
عاد موسى إلى المحلة وإذ استدعى شيوخ إسرائيل ردد على مسامعهم رسالة الله فكان جوابهم ( كل ما تكلم به الرب نفعل ) وهكذا دخلوا في عهد مقدس مع الله وقطعوا على أنفسهم عهدا أن يقبلوه سيدا عليهم ، وبموجب هذا العهد صاروا ، بمعنى خاص ، رعايا تحت سلطانه . AA 261.3
بعد ذلك صعد قائدهم إلى الجبل مرة أخرى ، فقال له الرب : ( ها أنا آت إليك في ظلام السحاب لكي يسمع الشعب حينما أتكلم معك ، فيؤمنوا بك أيضا إلى الأبد ) حين كانت تصادفهم في الطريق صعوبات كانوا يعمدون إلى التذمر على موسى وهارون وكانوا يتهمونهما بأنهما يقودان جماهيير إسرائيل إلى الهلاك . لذلك أراد الرب أن يكرم موسى أمامهم لكي يقودهم ذلك إلى الثقة بإرشاداته . AA 261.4
ولقد أراد الرب أن يجعل فرصة النطق بالشريعة منظر جلال رهيب ليكون ذلك متمشيا مع صفة الشريعة السامية ، وكان لا بد للشعب من أن يقتنع أن كل ما يتعلق بعبادة الله وخدمته ينبغي أن ينظر إليه بكل وقار واحترام . وقد قال الرب لموسى ( اذهب إلى الشعب وقدسهم اليوم وغدا ، وليغسلوا ثيابهم ، ويكونوا مستعدين لليوم الثالث . لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب على جبل سيناء ) ففي أثناء هذه الأيام كان ينبغي للجميع أن يشغلوا وقتهم في الاستعداد المقدس للظهور أمام الله ، وأن تكون أشخاصهم وثيابهم مطهرة من كل نجاسة . وإذ يشير موسى إلى خطاياهم كان لا بد لهم من تكريس نفوسهم للتذلل والصوم والصلاة ، لكي تتطهر قلوبهم عن الإثم . AA 261.5
تمت كل الاستعدادات طبقا للأوامر ، وإطاعة لأمر آخر أشار موسى عليهم بإقامة حدود حول الجبل حتى لا يتعدى إنسان أو بهيمة ذلك النطاق المقدس ، فالذي يتطاول ويمس الجبل فجزاؤه الموت في الحال . AA 262.1
وفي صبيحة اليوم الثالث إذ اتجهت أنظار الشعب نحو الجبل رأوا قمته مغطاة بسحابة ثقيلة زادت سوادا وكثافة وانحدرت إلى أسفل حتى لفت الجبل كله بظلمة وغموض رهيب ، وحينئذ سمع صوت كصوت بوق يدعو الشعب لملاقاة الله ، ثم قادهم موسى إلى أسفل الجبل ، ومن الظلمة الداجية لمعت البروق بينما سمع صوت هزيم الرعود التي رددت صداها البجال المجاورة . ( وكان جبل سيناء كله يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار ، وصعد دخانه كدخان الأتون ، وارتجف كل الجبل جدا ) وكان ( مجد الرب كنار آكلة على رأس الجبل ) أمام عيون ذلك الجمهور المجتمع ( فكان صوت البوق يزداد اشتدادا جدا ) وكانت علائم حضور الرب مرعبة جدا بحيث ارتجفت خوفا كل جماعة إسرائيل وسقطوا على وجوههم أمام الرب ، بل حتى موسى نفسه صرخ قائلا : ( أنا مرتعب ومرتعد ) (عبرانيين 12 : 21) . AA 262.2
أما الآن فانقطعت الرعود ، ولم يعد صوت البوق يسمع وسكتت الأرض ، فكانت هنالك فترة صمت رهيب ، وحيئنذ سمع صوت الرب ، وإذ تكلم الرب من وسط الضباب المحيط به حين وقف على الجبل محاطا بحاشية من الملائكة أعلن شريعته . وإن موسى حين وصف ذلك المنظر قال : ( جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من سعير ، وتلألأ من جبل فاران ، وأتى من ربوات القدس ، وعن يمينه نار شريعة لهم . فأحب الشعب . جميع قديسيه في يدك ، وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك ) (تثنية 33 : 2 ، 3) . AA 262.3
إن الرب قد أعلن نقسه ليس فقط في ذلك الجلال الرهيب ، جلال القاضي والمشترع ، بل كالحارس الرحيم لشعبه ، فقال : ( أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية ) (خروج 20 : 2) . فذاك الذين قد عرفوه كمرشدهم ومنقذهم ، والذي قد أخرجهم من مصر فاتحا لهم طريقا في وسط البحر والذي أغرق فرعون بجيوشه ، والذي أعلن نفسه ، مبرهنا على أنه أعظم من كل آلهة مصر — هو الذي يكلمهم الآن معلنا شريعته . AA 262.4
إن الشريعة لم تعلن في هذا الوقت لأجل فائدة العبرانيين دون سواهم ، لقد أكرمهم الله بأن جعلهم حراسا وحفاظا على شريعته ، ولكن كان ينبغي أن تعتبر كأمانة مقدمة عندهم لأجل كل العالم . إن الوصايا العشر تلائم كل بني الإنسان ، وقد أعطيت لأجل تعليم الجميع وحكم الجميع . إن الوصايا العشر التي هي مختصرة وشاملة وذات سلطان تشمل واجبات الإنسان نحو الله ونحو إخوته بني الإنسان ، وهي كلها مبنية على مبدأ المحبة كأساس ( تحب الرب إلهك من كل قلبك ، ومن كل نفسك ، ومن كل قدرتك ، و من كل فكرك ، وقريبك مثل نفسك ) (لوقا 10 : 27 ، تثنية 6 : 4 ، 5 لاوين 19 : 18) في الوصايا العشر نجد هذه المبادئ مذكورة بأسباب ومنطبقة على أحوال الإنسان وظروفه . AA 263.1
( لا يكن له آلهة أخرى أمامي ) (خروج 20 : 3 — 17) . AA 263.2
إن الرب السرمدي الذاتي الوجود غير المخلوق ، الذي هو نفسه أصل الكل وعلة وجود الكل وعائل الكل ، وهو وحده الذي يحق أن يقدم له أعظم إكرام وعبادة . والإنسان منهي عن أن يعطي لأي شخص أو أي شيء آخر المكان الأول من محبته أو عواطفه أو خدمته . فكل ما نحبه مما يجعلنا نقلل من محبتنا لله أو يعطل خدمتنا التي يجب أن نقدمها له نجعله بذلك إلها لنا . AA 263.3
( لا تصنع لك تمثالا منحوتا ، ولا صورة ما مما في السماء من فوق ، وما في الأرض من تحت ، وما في الماء من تحت الأرض . تسجد لهن ولا تعبدهن ) . AA 263.4
إن الوصية الثانية تنهانا عن عبادة الإله الحقيقي بواسطة التماثيل أو الصور ، إن أمما وثنية كثيرة ادعت أن تماثيلها كانت مجرد رموز أو صورا يعبد بها الله ، ولكنه تعالى أعلن أن مثل هذه العبادة خطية . إن محاولة تشبيه الإله السرمدي بأشياء مادية يحط من تفكير الإنسان عن الله . والعقل إذ ينحرف عن كمال الرب غير المحدود لا بد من أن ينجذب إلى المخلوق دون الخالق . وحيث قد انحطت أفكاره عن الله فلا بد أن ينحط هو نفسه . AA 263.5
( أنا الرب إلهك إله غيور ) إن العلاقة الوثيقة المقدسة بين الله وشعبه ممثلة في صورة زواج . فلكون عبادة الأوثان هي زنى روحي فإن غضب الرب عليها يليق بأن يدعى غيرة . AA 264.1
( أفتقد ذنوب الأباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيّ ) . لا مفر للأبناء من أن يقاسوا من جراء نتائج أخطاء آبائهم ، ولكنهم لا يعاقبون على جرائم آبائهم إلا إذا شاركوهم في خطاياهم ، ومع ذلك فمن المألوف أن الأولاد يسيرون في أثر خطوات آبائهم . فالأبناء يشاركون آباءهم في خطيتهم بالوراثة والقدوة . إن الأميال الخاطئة والشاهية المفسدة والأخلاق المنحلة ، وكذلك الأمراض الجسدية والانحطاط - كل هذه تنتقل كمثيرات من الأب إلى ابنه إلى الجيل الثالث والرابع . هذا الحق الخطر ينبغي أن يكون رادعا قويا يمنع الناس من السير في طريق الخطية. AA 264.2
( وأصنع إحسانا إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي ) إن الوصية الثانية إذ تنهانا عن عبادة الآلهة الكاذبة تحتم علينا ، ضمنا ، أن نعبد الإله الحقيقي ، وهو يعد بأنه يصنع إحسانا لكل الأمناء ، ليس فقط إلى الجيل الثالث والرابع كما هدد بالغضب مبغضيه ، بل إلى ألوف الأجيال . AA 264.3
( لا تنطق باسم الرب إلهك باطلا ، لأن الرب لا يبرئ من نطق اسمه باطلا ) . AA 264.4
إن هذه الوصية لا تنهانا فقط عن الأقسام الكاذبة والحلف العادي ، ولكنها تنهانا أيضا عن استخدام اسم الله بكيفية طائشة في عدم مبالاة ، بدون توقير لذلك الاسم المخوف . إننا نهين الله حين نذكر اسمه بدون توقير في أحاديثنا العادية ، وحين نستشهد به في الأمور التافهة ، وحين نكرر اسمه مرارا بدون تفكير . ( قدوس ومهوب اسمه ) (مزمور 111 : 9) . ينبغي لكل الناس أن يتألموا في جلاله وطهارته وقداسته حتى ينطبع على القلب شعور بصفاته السامية ، وينبغي أن ينطقوا باسمه القدوس بكل خشوع ووقار . AA 264.5
( اذكر يوم السبت لتقدسه . ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك ، وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك . لا تصنع عملا ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك . لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والبحر وكل ما فيها ، واستراح في اليوم السابع . لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه ) . AA 264.6
إن السبت لم يذكر هنا على أنه تشريع جديد بل على أن أساسه قد وضع عند بدء الخليقة . فينبغي أن يذكر ويحفظ كتذكار لعمل الخالق . وإذ أشار إلى الله كصانع السماوات والأرض فهو يميز بين الله والآلهة الكاذبة . فالذين يحفظون اليوم السابع يبرهنون بهذا على أنهم عبدة الرب يهوه ( . وهكذا نرى أن السبت هو علامة ولاء الإنسان لله ما وجد على الأرض من يعبدونه . إن الوصية الرابعة هي الوصية الوحيدة بين الوصايا العشر التي ذكر فيها اسم المشترع ولقبه ، وهي الوصية الوحيدة التي ترينا بسلطة من أعطيت الشريعة ، وهكذا هي تشتمل على ختم الله مضافا إلى شريعته ، برهانا على قانونيتها وقوتها الملزمة . AA 264.7
لقد أعطى الله للناس ستة أيام فيها يمارسون أعمالهم . وهو يطلب منهم أن يعملوا أعمالهم في ستة أيام العمل . ثم أن أعمال الضرورة والرحمة مسموح بها في يوم السبت ، إذ يجب العناية بالمتألمين والمرضى في كل الأوقات . أما الأعمال التي لا ضرورة لها فينبغي الامتناع عنها امتناعا باتا . ( إن رددت عن السبت رجلك ، عن عمل مسرتك يوم قدسي ، ودعوت االسبت لذة ، ومقدس الرب مكرما ، وأكرمته عن عمل طرقك وعن إيجاد مسرتك ) (إشعياء 58 : 13) ثم أن النهي لا ينتهي عند هذا الحد ، بل يقول النبي ( والتكلم بكلامك ) فأولئك الذين يتحدثون عن العمل أو شؤون التجارة أو يرسمون خططهم في يوم السبت هم معتبرون في نظر الله كأنهم يمارسون أعمالهم أو يعقدون صفقاتهم التجارية فعلا . فلكي نقدس السبت ينبغي ألا نسمح لعقولنا أن تفكر في أي شيء عالمي . ثم أن الوصية تشمل كل من في داخل أبوابنا ، فكل سكان البيت عليهم أن يلقوا جانبا أشغالهم الدنيوية في أثناء الساعات المقدسة ، وعلى الجميع أن يتحدوا في إكرام الله بخدمة طوعية في يومه المقدس. AA 266.1
( أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهلك ) . AA 266.2
الآباء يستحقون قدرا من المحبة والاحترام لا يستحقه أي شخص آخر . إن الله نفسه الذي وضع عليهم مسؤولية الاهتمام بالنفوس المسلمة لهم كعهدة بين أيديهم ، رسم أنه في بكور حياة الأولاد ، ينوب الوالدون عن الله أمام أولادهم ، فذلك الذي يرفض السلطة الأبوية الشرعية إنما يرفض سلطان الله . والوصية الخامسة لا توجب على الأولاد أن يقدموا لوالديهم الإكرم والخضوع والطاعة وحسب ، بل أيضا أن يقدموا لهم المحبة والرقة ، ويخففوا من همومهم ويحرصوا على سمعتهم ويعزوهم في شيخوختهم ، كما تحتم أيضا تقديم الإكرام للخدام والحكام وكل من قد قلدهم الله السلطان . AA 266.3
يقول الرسول : ).. هي أي وصية بوعد ) (إفسس 6 : 2) . وقد كانت هذه الوصية المصحوبة بالوعد ، بالنسبة إلى بني إسرائيل الذين كانوا ينتظرون دخول كنعان بعد قليل ، ضمانا للمطيعن بالعمر الطويل في تلك الأرض الشهية . ولكن لها معنى أوسع ، إذ هي تشمل كل إسرائيل الله وتعدهم بالحياة الأبدية على الأرض حينما تتحرر من لعنة الخطية . AA 267.1
( لا تقتل ) . AA 267.2
كل أعمال الظلم التي تفضي إلى تقصير العمر ، وروح العداء والانتقام ، أو الاندفاع في تيار الضغب الذي يؤدي إلى إيقاع الأذى والعدوان على الغير ، أو حتى يجعلنا نتمنى لهم الضرر لأن ( كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس ) (1 يوحنا 3 : 15) والإهمال الأناني في رعاية المحتاجين أو المتألمين ، وكل انغماس وكل حرمان لا لزوم له ، والإفراط في العمل الذي يفضي إلى الإضرار بالصحة — كل هذه الأمور تعتبر ، إلى حد كبير أو صغير ، نقضا للوصية السادسة. AA 267.3
( لا تزن) . AA 267.4
هذه الوصية لا تنهى فقط عن الأعمال النجسة بل تنهى أيضا عن الأفكار والرغبات الشهوانية وكذلك الأعمال التي تثيرها . الطهارة مطلوبة ليس فقط في الحياة الخارجية بل أيضا في النيات الخفية وانفعالات القلب . إن المسيح الذي علمنا عن حقوق شريعة الله البعيدة المدى أعلن أن الفكر الشرير والنظرة الشهوانية كلاهما خطية كالفعل غير المشروع . AA 267.5
( لا تسرق ) . AA 267.6
إن الخطايا العلنية والسرية متضمنة كلها في هذا النهي . إن الوصية الثامنة تنهى عن سرقة الناس والمتاجرة بالعبيد ، وتنهى أيضا عن حروب الغزو . إنها تحرم اللصوصية والسرقة ، وتتطلب الاستقامة الكاملة في أدق تفاصيل شؤون الحياة ، وتنهى عن الاحتيال في التجارة ، وتتطلب إيفاء الديون والأجور العادلة . وهي تعلن أن كل محاولة لاستغلال جهل الآخرين أو ضعفهم أو سوء حالهم تسجل في أسفار السماء على أنها احتيال . AA 267.7
( لا تشهد على قريبك شهادة زور ) . AA 267.8
الكلام الكاذب في أي أمر ، وكل محاولة لمخاتلة القريب هي متضمنة هنا . إن نية الخداع هي ما تقرر الكذب . يمكن أن يكذب الإنسان بنظرة العين أو بحركة اليد أو بتعبير على الوجه كما يكذب بالكلام فعلا . وكل مبالغة مقصودة وكل تلميح أو تنويه يقصد به أن يحمل تأثيرا مخطئاً أو مبالغا فيه ، وحتى تقرير الحقائق بكيفية مضللة هو كذب . هذه الوصية تحرم كل مسعى للإضرار بسمعة قريبنا بالتحريف أو سوء الظن ، بالافتراء أو النميمة ، وحتى حجز الحق وكبته عن قصد ، الأمر الذي ينتج عنه ضرر للغير ، وهو نقض للوصية التاسعة . AA 268.1
)لا تشته بين قريبك . لا تشته امرأة قريبك ، ولا عبده ، ولا أمته ، ولا ثوره ، ولا حماره ، ولا شيئا مما لقريبك ) . AA 268.2
إن الوصية العاشرة تضرب على أصل كل الخطايا ، فهي تحرم الرغبة أو الشهوة الأنانية التي تنشأ عنها الأعمال الخاطئة ، فذلك الذي ، امتثالا لشريعة الله ، يتمنع عن التمادي حتى في الاشتهاء الخاطئ لما يملكه إنسان آخر لن يكون مجرما في ارتكاب خطأ نحو بني جنسه . AA 268.3
هذه هي الوصايا العشر التي سمعت من وسط الرعود والنار ، في عرض عجيب لقدرة المشترع العظيم وجلاله . لقد قرن الله إعلان شريعته بإظهار قدرته ومجده حتى لا ينسى شعبه هذا المنظر أبدا ، ولتنطبع في أذهانهم آثار التوقير العظيم لواضع الشريعة ، خالق السماء والأرض . كما كان يريد أن يرى كل الناس قدسية شريعة الله وأهميتهما ودوامها . AA 268.4
أما بنو إسرائيل فقد شملهم الرعب العظيم . إن قوة كلمات الله الرهيبة بدت أعظم مما تستطيع قلوبهم المرتجفة أن تحتمله ، لأنه إذ بسطت أمامهم شريعة الله ، شريعة الحق والاستقامة تحققوا هول الخطية وشر آثامهم في نظر الله القدوس أكثر مما فعلوا قبلا . لقد تقهقروا بعيدا عن الجبل خوفا منهم ورهبة . وصرخ الجميع إلى موسى قائلين : ( تكلم أنت معنا فنسمع ، ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت ) فأجابهم قائدهم بقوله : ( لا تخافوا، لأن الله إنما جاء لكي يمتحنكم ، ولكي تكون مخافته أمام وجوهكم حتى لا تخطئوا ) (خروج 20 : 19 — 21) . ومع ذلك فقد وقف الشعب من بعيد شاخصين برعب إلى ذلك المنظر . ( أما موسى فاقترب إلى الضباب حيث كان الله ) . AA 268.5
إن عقول الشعب إذ كانت عمياء ومنحطة بسبب العبودية والوثنية لم تكن مهيأة لأن تقدر ، التقدير الكامل ، مبادئ وصايا الله العشر البعيدة المدى . فكلي تفهم مطاليب الوصايا العشر وتنفذ أعطيت وصايا إضافية لشرح الوصايا العشر وتطبيقها . وقد سميت هذه الشرائع أحكاما ، لأنها صيغت بحكمة وعدالة غير محدودة ، ولأن القضاة كان عليهم أن يحكموا بموجبها . وهي ، على خلاف الوصايا العشر ، سلمت خاصة لموسى الذي كان عليه أن يبلغها للشعب . AA 268.6
وأول تلك الشرائع هي الخاصة بالعبيد ، كان المجرمون في العصور القديمة يباعون أحيانا عبيدا بأمر القضاة ، وفي بعض الحالات كان الدائنون يبيعون المدينين ، وكان الفقر يدفع بعض الناس لأن يبيعون أنفسهم أو أولادهم . ولكن العبراني لم يكن ليباع عبدا مدى الحياة . فقد كانت مدة خدمته كعبد لا تتجاوز ست سنين ، وفي السنة السابعة كان يطلب حرا . أما سرقة الرجال والقتل العمد والتمرد على سلطة الآباء فكان قصاصها الموت ، وكان يسمح لهم في الاحتفاظ بالعبيد من غير الإسرائيليين ولكن كان يجب المحافظة على حياتهم وأشخاصهم ، فمن قتل عبدا كان لا بد من أن يتحمل القصاص ، فإذ أوقع عليه سيده أي أذى حتى لو كان كسر سن من أسنانه كان يلتزم بأن يطلقه حرا . AA 269.1
لقد كان الإسرائيليون أنفسهم عبيدا منذ عهد قريب . فالآن بعد ما صار لهم الحق في اقتناء العبيد كان عليهم أن يتحرسوا من مراعاة روح القسوة والاغتصاب التي كانوا قد قاسوا الأمرين منها على أيدي المسخرين المصريين . إن ذكرى عبوديتهم المريرة كان يجب أن تجعلهم يضعون أنفهسم في مكان العبيد ، وتقودهم إلى الشفقة والرأفة ، وأن يعاملوا الغير كما يريدون أن يُعاملوا هم . AA 269.2
وقد روعيت حقوق الأرامل والأيتام بكيفية خاصة ، وفرض على الشعب أمر الشفقة والعطف عليهم في عجزهم فيقول الرب : ( إن أسأت إليه فإني إن صرخ اليّ أسمع صراخه ، فيحمى غضبي وأقتلكم بالسيف فتصير نساؤكم أرامل ، وأولادكم يتامى ) (خروج 22 : 23 ، 24) أما الغرباء الذين أرادو أن يتحدوا مع إسرائيل فكان لا بد من حمياتهم من الظلم والعنف . ( ولا تضايق الغريب فإنكم عارفون نفس الغريب ، لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر ) (خروج 23 : 9) . AA 269.3
وقد حرم علهيم أخذ ربا من الفقراء . إن ثوب الفقير أو غطاءه إذا أخذ كرها ينبغي أن يعاد إليه في وقت الغروب . والمتهم في سرقة كان عليه أن يعوض ضعف ما سرقه . وقد فرض الشعب إكرام القضاة والحكام ، وقدم للقضاة إنذارا بألا يعوجوا القضاء بكونهم يساعدون في نجاح قضية كاذبة أو أن يقبلوا رشوة ، كما حرم على الناس الافتراء والسعي بالوشاية ، أما أعمال الشفقة فقد فرضت على الشعب حتى مع الأعداء . AA 269.4
وعاد الرب يذكرهم مرة أخرى بوجوب تقديس السبت ، وقد عينت لهم الأعياد السنوية . وفي أثناء هذه الأعياد كان على كل الرجال أن يجتمعوا أمام الرب ويقدموا لlkه تقدمات شكرهم وباكورات ثمار إنعاماته التي قد أغدقها عليهم . وقد أبان لهم الغرض من كل تلك الأنظمة ، فلم يكن الدافع إليها مجرد فرض سلطة استبدادية ، ولكن الغرض منها جميعها كان غير إسرائيل ، ولقد قال الله : ( وتكونون لي أناسا مقدسين ) (خروج 22 : 31) مستأهلين لأن يعترف بهم الله القدوس . AA 270.1
وكان على موسى أن يسجل هذه الشرائع ويحفظها بكل حرص لتكون أساس الشريعة القومية ، مع الوصايا العشر التي قد وضعت الشرائع الأخرى لشرحها ، والتي هي شرط إتمام مواعيد الله لإسرائيل . وهذه هي الرسالة التي قدمها لهم الرب . ( ها أنا مرسل ملاكا أمام وجهك ليحفظك في الطريق ، وليجئ بك إلى المكان الذي أعددته . احترز منه واسمع لصوته ولا تتمرد عليه ، لأنه لا يصفح عن ذنوبكم ، لأن اسمي فيه . ولكن إن سمعت لصوته وفعلت كل ما أتلكم به ، أعادي أعداءك ، وأضايق مضايقيك ) (خروج 23 : 20 - 22) وطوال سني تجوال إسرائيل كان المسيح ممثلا في عمود السحاب وعمود النار قائد لهم . وعندما كانت هنالك رموز تشير إلى مخلص آت كان هنالك أيضا مخلص حاضر وهو الذي كان يصدر أوامره لموسى ليبلغها للشعب ، والذي وضع أمامهم على أنه المجرى الوحيد للبركة . AA 270.2
وبعد نزوله من الجبل ( جاء موسى وحدث الشعب بجميع أقوال الرب وجميع الأحكام ، فأجاب جميع الشعب بصوت واحد وقالوا : كل الأقوال التي تكلم بها الرب نفعل ) (أنظر خروج 24) فهذا التعهد مع كلام الرب الذي جعلهم تحت التزام الطاعة كتبه موسى في كتاب . AA 270.3
وتبع ذلك المصادقة على العهد . فقد بني مذبح عند أسفل الجبل وأقيم إلى جواره اثنا عشر عمودا ( لأسباط إسرائيل الإثني عشر ) شهادة على قبولهم للعهد . وأصعد المحرقات فتيان بني إسرائيل الذين كانوا قد اختيروا للقيام بهذه الخدمة . AA 270.4
وبعدما رش موسى دم الذبائح على المذبح ( أخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب ) وهكذا تكررت شروط العهد بكل وقار ، وكان للشعب الحرية الكاملة للاختيار بين الامتثال وعدم الامتثال لتلك الشروط . كانوا في البداءة قد وعدوا بأن يطيعوا صوت الرب ، ولكنهم كانوا منذ ذلك الحين قد سمعوا الشريعة وهي تعلن على مسامعهم ، وقد فصلت مبادئها أمامهم لكي يعرفوا فحوى مشتملات ذلك العهد الذي طلب منهم الامتثال له . ومرة أخرى أجاب الشعب بالإجماع قائلين : ( كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له ) (انظر خروج 24) ( لأن موسى بعدما كلم جميع الشعب بكل وصية بحسب الناموس ، أخذ دم ... ورش الكتاب نفسه وجميع الشعب ، قائلا : هذا هو دم العهد الذي أوصاكم الله به ) (عبرانيين 9 : 19 ، 20) . AA 271.1
أجريت الترتيبات الآن لتثبيت الأمة المختارة تثبيتا كاملا تحت سلطان الرب ملكا لهم ، وسمع موسى أمر الرب قائلا له : ( اصعد إلى الرب أنت وهارون وناداب وأبيهو ، وسبعون من شيوخ إسرائيل ، واسجدوا من بعيد . ويقترب موسى وحده إلى الرب ) فبينما سجد الشعب في أسفل الجبل فهؤلاء الرجال المختارون صعدوا فوقه . لقد كان على الشيوخ السبعين أن يساعدوا موسى في حكم إسرائيل ، ووضع الرب عليهم روحه ، وأكرمهم بأن أراهم لمحة من قدرته وعظمته ، ( ورأوا إله إسرائيل ، وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف ، وكذات السماء في النقاوة ) إنهم لم يروا اللاهوت بل رأوا مجد حضوره . ما كان يمكنهم قبل ذلك أن يحتملوا منظر كهذا ، ولكن إظهار قدرة الله ملأهم هيبة وقادهم إلى التوبة . لقد ظلوا يتأملون في مجده وطهارته ورحمته حتى أمكهم الاقتراب أكثر إلى ذاك الذي كان موضوع تأملاتهم . AA 271.2
دعي موسى ( ويشوع خادمه ) لملاقاة الله ، وحيث أنهما كانا سيقضيان بعض الوقت هناك فقد عين ذلك القائد ، هارون وحور يساعدهما الشيوخ لينوبوا عنه في أثناء غيابه ( فصعد موسى إلى الجبل ، فغطى السحاب الجبل ، وحل مجد الرب على جبل سيناء ) فغطى السحاب الجبل مدة ستة أيام علامة على حضور الله الخاص ، ومع ذلك فلم يكن هناك إعلان لذاته أو تبليغ لإرادته ، وفي خلال هذه المدة ظل موسى منتظرا دعوى إلى حضرة العلي ، وقد أمره الرب قائلا : ( صعد إليّ إلى الجبل ، وكن هناك ) ومع أن صبر موسى وطاعته كانا يجتازان في امتحان فهو لم يتضجر من السهر ولا بارح مكانه . إن فترة الانتظار هذه كانت له فرصة استعداد وامتحان دقيق لنفسه . حتى خادم الله المحبوب هذا لم يستطع الاقتراب مباشرة إلى الرب واحتمال مظاهر مجده ، فلقد كان بحاجة إلى ستة أيام ليكرس نفسه لله بفحصه لقلبه وبالتأمل والصلاة قبلما أمكنه التأهب للاتصال المباشر بخالقه . AA 271.3
وفي اليوم السابع الذي وافق يوم سبت دعي موسى إلى السحابة وانفتحت السحابة أمام عيون كل إسرائيل وكان منظر مجد الرب كنار آكلة ، ( ودخل موسى في وسط السحاب وصعد إلى الجبل . وكان موسى في الجبل أربعين نهارا وأربعين ليلة ) إن الأربعين يوما التي قضاها موسى في الجبل مع الله لم تشمل ستة أيام الاستعداد . في أثناء الستة الأيام كان يشوع مع موسى وكانا كلاهما يأكلان من المن ويشربان من ( الجدول الذي كان ينبع من الجبل ) ولكن يشوع لم يدخل في السحابة مع موسى بل ظل في الخارج وكان يأكل ويشرب كل يوم وهو منتظر عودة موسى ، ولكن موسى ظل صائما مدة الأربعين يوما . AA 272.1
إن موسى في أثناء بقاءه في الجبل تلقى تعليمات من الله بشأن بناء مقدس يتجلى فيه الرب بكيفية خاصة ، إذ يقول ( فيصنعون لي مقدسا لأسكن في وسطهم ) (خروج 25 : 8) هكذا أمر الله . وللمرة الثالثة ذكر أمر الله الخاص بتقديس يوم السبت ، فلقد أعلن الرب قائلا : ( هو بيني وبين بني إسرائل علامة إلى الأبد ) ( لتعلموا أني أنا الرب الذي يقدسكم ، فتحفظون السبت لأنه مقدس لكم ... إن كل من صنع فيه عملا تقطع تلك النفس من بين شعبها ) (خروج 31 : 17 ، 13 ، 14) وكان موسى قد تلقى أوامر من الرب بأن يسرع بإقامة خيمة لأجل خدمة الله ، والآن كان يمكن أن يستنتج الشعب ، لأن غايتهم من هذا العمل هي مجد الله ، ولحاجتهم القصوى إلى مكان للعبادة ، أنه يسمح لهم بأن يقوموا بهذا لعمل في يوم السبت ، فلكي يحال بينهم وبين ارتكاب ذلك الخطأ أعطي لهم الإنذار أنه حتى نفسه قدسية ذلك العمل الخاص واضطرارهم للقيام به لله خاصة بأسرع ما يمكن — كل هذا ينبغي ألا يسوقهم إلى نقض يوم الراحة المقدس . AA 272.2
كان شعب إسرائيل سيكرمون منذئذ بحضور ملكهم ، فلقد قال تعالى : ( وأسكن في وسط بني إسرائيل وأكون لهم إلها ) ( وأجتمع هناك ببني إسرائيل فيقدس بمجدي ) (خروج 29 : 45 ، 43) هذا هو التأكيد الذي أعطي لموسى . وكرمز لسلطان الله وكبيان شامل لإرادته أعطيت لموسى نسخة من الوصايا العشر مكتوبة بإصبع الله نفسه على لوحي حجر (تثنية 9 : 10 ، خروج 32 : 15 ، 16) لكي يوضعا بكل إكرام وتقدير في المقدس الذي بعدما يقام سيكون مركز عبادة الأمة . AA 272.3
لقد رفع الله شأن بني إسرائيل من أمة من العبيد إلى أن صاروا أرفع من كل الشعوب ، وخاصة لملك الملوك . فصلهم عن العالم ليستأمنهم على وديعة مقدسة ، إذ أودع بين أيديهم شريعته ، وقصد أنه عن طريقهم يحفظ معرفة ذاته بين الناس ، وهكذا كان نور السماء سيشرق على عالم مكتنف بالظلام ، وكان سيرتفع صوت يدعو الناس من كل الشعوب لأن يتركوا عبادة الأوثان ليعبدوا الله الحي . فإذا برهن بنو إسرائيل على أمانتهم على الوديعة المسلمة لهم فسيصيرون قوة في العالم . وسيكون الرب حصنهم ويرفعهم فوق كل الأمم الأخرى ، وعن طريقهم سيعلن نوره وحقه ، وسيثبتون إلى جانب سلطته الحكيمة المقدسة كمثال لسمو عبادته فوق كل أشكال العبادة الوثنية . AA 273.1
* * * * *