Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents

أعما لالرُّسل

 - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    الفصل السادس والخمسون

    جزيرة بطمس

    كان قد مر ما يزيد على نصف قرن من تنظيم الكنيسة المسيحية، وفي غضون تلك المدة ظلت رسالةالإنجيل نصطدم بمقاومة مستمرة. إن أعداء الإنجيل لم يتراخوا قد في جهودهم وأخيرا أفلحوا في تعبئة قوة الإمبراطور الروماني ضد المسيحيين.AR 515.1

    وفي الاضطهاد الرهيب الذي تبع ذلك عمل الرسول يوحنا الشيء الكثير لكي يثبت ويقوي إيمان المؤمنين، فقدم شهادة لم يستطع خصومه أن يجادلوا فيها، وقد أعانت هذه الشهادة إخوته على مواجهة التجارب التي حلت بهم بشجاعة وولاء، وعندما بدا أن إيمان المسيحيين بدأ قد بدا يترنح ويضعف أمام المقاومة العنيفة التي اضطروا لمواجهتها، كان خادم يسوع المحنك ذاك يردد بقوة وفصاحة قصة AR 515.2

    المخلص المصلوب والمقام. لقد احتفظ بإيمانه بكل ثبات. ومن بين شفتيه كانت دائما تخرج نفس الرسالة المفرحة القائلة: «الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، ولمسته ايدينا، من جهة كلمة الحياة ... الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به» (1 يوحنا 1: 1 — 3).AR 515.3

    لقد عاش يوحنا عمرا طويلا. وقد شهد خراب أورشليم وتدمير الهيكل الفخم. فذاك الذي عاش أكثر من كل التلاميذ الباقين والذي كان مرتبطا بالمخلص برباط الحب الوثيق كان لرسالته تأثير كبير في إعلان حقيقة كون يسوع هو المسيا فادى العالم، ولم يمكن لأحد أن يشك في إخلاصه، وبواسطة تعاليمه رجع كثيرون عن عدم إيمانهم.AR 515.4

    وقد امتلأت قلوب رؤوس اليهود بالعداوة المرة ضد يوحنا بسبب ولائه الثابت لعمل المسيح. وقد أعلنوا أن كل جهودهم ضد المسيحيين لن تجديهم فتيلا طالما بقيت شهادة يوحنا ترن في آذان الشعب. فلكي تنسى معجزات يسوع وتعاليمه ينبغي‘سكات هذا الصوت الجريء .AR 516.1

    ولذلك استدعي يوحنا إلى روما ليكون يحاكم لأجل إيمانه. وهناك حرفت تعاليم الرسول وزورت أمامالسلطات ، وتقدم شهود زور واشتكوا عليه بأنه يعلم بهرطقات وضلالات دينية تدعو الى العصيان على الحكومة. وكان أعدائه يرجون أنه بناء على هذه التهم سيحكم عليه بالموت.AR 516.2

    وقد أجاب يوحنا عن نفسه بطريقة واضحة ومقتنعة وببساطة وإخلاص جعلا لكلامه تأثيرا عظيما. وقددهش سامعوه من حكمته وفصاحته. ولكن بقدر ما كانت شهادته مقنعة بقدر ما زادت عداوة خصومه ومقاوميه . وقد استشاط الإمبراطور دومتيانوس غضبا. فلم يستطع في البراهين التي أدلى بها ذلك المدافع الأمين عن المسيح، ولا أن يباري القوة المرافقة لكلام الحق الذي نطق به. ومع ذلك عقد العزم على إسكات صوته.AR 516.3

    وقد ألقى يوحنا في قدر كبيرة فيها زيت يغلى ولكن الرب حفظ حياة خادمه الأمين. كما حفظ حياة الفتيةالعبرانيين الثلاثة في أتون النار، وعندما قيلت هذه الكلمات : هكذا يهلك كل من يؤمنون بذلك المحتال يسوع الناصري، أعلن يوحنا قائلا: إن سيدي قد احتمل بصبر كل ما أمكن للشيطان وملائكته أن يبتكرون لإذلاله وتعذيبه. لقد بذل حياته ليخلص العالم. وإني قد أكرمت إذ سمح لي بأن أتألم لأجله. أنا إنسان ضعيف وخاطئ . أما المسيح فكان أمينا قدوسا بلا عيب ولا دنس. فهو لم يعمل خطية ولا وجد في فمه مكر.AR 516.4

    كان لهذه الأقوال تأثيرها فأخرج يوحنا من القدر بأيدي الرجال أنفسهم الذين ألقوه فيه.AR 517.1

    ومرة أخرى ثقلت يد الاضطهاد على الرسول. فنفى يوحنا بأمر الإمبراطور إلى جزيرة بطمس إذ حكمعليه بذلك : «من أجل كلمة الله، ومن أجل شهادة يسوع المسيح» ( رؤيا 1- 9). وقد ظن أعدائهأنه لن يعود من الناس يحس بتأثير الرسول في تلك الجزيرة النائية، ولا بد من أن يموت تحت ظغطالعناء ووطأة الكر ب والغم والالم.AR 517.2

    لقد اختيرت جزيرة بطمس الصخرية الجدباء الواقعة في بحر إيجة، من قبل الحكومة الرومانية لتكون منفى للمجرمين، أما بالنسبة لخاد الله هذا، فقد صارت تلك البقعة الكئيبة باب السماء، ففي هذا المكان المنقطع عن مشاهد الحياء النشطة الصاخبة، وإذ كان هو بعيدا عن حقل خدمته السابق، كان في صحبته الله والمسيح وملائكته السماء، وقد تلقى منهم التعليمات من أجل الكنيسة علىمدى العصور المستقبلية.وقد أجملت أمامه الحوادث التي كانت مزمعة أن تقع في المشاهد الختامية لتاريخ هذه الأرض، وهناكسجل للرؤى التي أراه إياه الله. فعندما لا يعود صوته قادرا على أن يشهد لذاك الذي قد حبه وخدمه. فإنالرسائل المعطاة له على ذلك الشاطئ المقفر كانت مزمعة أن تخرج كمصباح متقد ملعنة عن قصد الربالأكيد تجاه كل أمة على الأرضAR 517.3

    .وبين جروف بطمس وصخورها كانت ليوحنا شركة مع صانعه. لقد راجع حياته الماضية وإذ فكر في البركات التي قد يصحل عليها ملأ السلام قلبه. لقد عاش عيشة مسيحية فأمكنه أن يقول بأ يمان : «نحننعلم أننا قد انتقلنا من الموت AR 517.4

    إلى الحياة.» (1 يوحنا 3: 14).ولم يكن هذا لينطبق على الإمبراطور الذي قد نفاه والذي كان يستطيع أن ينظر فقط إلى ميادين الحروب والمذابح والبيوت الموحشة،والأرامل والأيتام النائحين، وكل ذلك ثمرة شهوة نفسه الطامعة في التفوق والسيادة.AR 518.1

    إن يوحنا وهو في مسكنه المنعزل ذلك استطاع أن يدرس بتمعن وتدقيق أكثر مما فعل في أي وقتمضى، إعلانات قدرة الله كما سجلت في سفر الطبيعة وفي صفحات الوحي الإلهي. في السنين الماضيةكانت عيناه تقعان على منظر التلال المغطاة بالغابات والوديان اليائعة والسهول ومهارته. أما الآن فقدصار محاطا بمناظر تبدو في في نظر الكثيرين كئيبة لا تثير أي اهتمام، أما بالنسبة لويحنا فكان خلافذلك. ففي حين كانت البيئة المحيطة به موحشة وفقراء، فإن السماء الزرقاء التي ظللته كانت منيرةوجميلة كالسماء التي تظلل مدينته المحبوبة أورشليم. ففي الصخور الوعرة، أسرار الغمر العميق، وفيأمجاد الجلد قرأ دروسا هامة. كان كل شيء في تلك البيئة يحمل رسالة قدرة الله ومجده.AR 518.2

    رأى الرسول في كل ما حوله شهودا على الطوفان الذي غمر الأرض لأن سكانها تجرأوا وتعدوا على شريعة الله. فالصخور التي قذف بها من الغمر العظيم ومن الأرض بسبب انفجار ينابيع المياه، صورتلعقله بجلاء أهوال ذلك الإنسكاب المخيف لغضب الله. ففي صوت المياه الكثيرو— غمر ينادي غمرا —سمع صوت الخالق. فالبحر الذي لكمته واثارته الرياح القاسية صور له غضب الإله الذي أسيء إليه.فالأمواج الهائلة في هيجانها المخيف التي كانت تتوقف عند حدها الذي عيتاه لها يد غير منظورة، تحدثتعن سيطرة قدرة غير محدودة. وبالمقارنة مع ذلك تحقق من ضعف بني الإنسان وجهلهم، الذين منكونهم لا يزيدون عن أن يكونوا دودا يزحف في التراب، فهم يفخرون بحكمتهم المزعومة وقدرتهمالكاذبة ويقسون قلوبهم ضد حاكم الكون كما لو كان الله شخصا نظيرهم. وقد ذكرته الصخور بالمسيح صخر قوته الذي يمكنه أن يحتمي فيه بلا خوف. ومن قلب ذاك الرسول المنفى في جزيرى بطمسالصخرية صعدت آخر اشواق نفسه وصلواته الحارة جدا إلى الله.AR 518.3

    إن تاريخ يوحنا يقدم لنا مثالا مدهشا للطريقة التي يستطع الله بها أن يستخدم الخدام الطاعنين في السن.فعندما نفس سوحنا إلى جزيرة بطمس ظن كثيرون أن خدمته قد انتهت، إذ كان كقصبة مرضوضة قديمةموشكة على السقوط في أي وقت. ولكن الرب رأة أنه من الأفضل أن يستخدمه أيضا. ومع أنه قد نفس بعيداعن مشاهد خدمته الأولى فهو لم يكف عن الشهادة للحق. فحتى في بطمس أمكنه أن يكتسباصدقاء ومهتدين. لقد كانت رسالته رسالة الفرح إذ ركز بمخلص مقام هو في الأعالي يشفع في شعبه AR 519.1

    إلى أن يعود ليأخذهملنفسه. ويعدما شاخ يوحنا في خدمة سيده وصلته من السماء اخبار أكثر مما قد وصله مدى سنى حياته الأولى ينبغي أن نكن أرق المشاعر والاعتبار والتقدير للذين قد ارتبط اهتمام حياتهم بعمل الله. فهرلاء الخدامالطاعنون في السن وقفوا أمناء في وسط الأعاصير والتجارب قد تكون لهم ضعفاتهم ولكن مع ذلك فإنهميملكون مواهب تؤهلهم لأن يتبوأوا مكانهم في همل الله. ومع أنهم قد أدركوا الضنى وصاروا عاجزين عن تحمل أعباء اثقل كالتي حملها الشباب ويجب أن يحملوها، فإن المشورة التي يمكنهم تقديمها لهاأعظم قيمة.AR 519.2

    ربما يكونون قد ارتكبوا بعض الأخصاء، ولكنهم تعلما من فشلهم أن يتجنبوا الأخطاء والمخاطر، أفليسوالذلك أهلا لأن يقدموا نصيحة حكيمة؟ لقد احتملوا المحن والتجاب ومع أنهم قد فقدوا جانيا من نشاطهمفالرب لا يلقى بهم جانيا. بل هو يمنحهم نعمة وحكمة خاصتين.AR 520.1

    أولئك الذي حدموا سيدهم عندما كانت الخدمة شاقة وقاسية، والذين احتملوا الفقر وظلوا أمناء في الوقت الذي كان فيه الواقفون إلى جانب الحق قليلين، ينبغي إكرامهم وإحترامهم. إن الرب يرغب أن يحصلالخدام الشباب على الحكمة والقوة والنضج بمعاشرتهم لهؤلاء الرجال الأمناء. ليتحقق الشباب أن وجوده مثل هؤلاء الخدام بينهم هو فضل وبركة لا تقدر. فليعطوهم مكان الكرامة في مجامعهم.AR 520.2

    إن الذين قد أنفقوا حياتهم في خدمة المسيح إذ تقترب خدمتهم الأرضية من نهايتها، فإن الروح القدسسيحثهم كي يسردوا الاختبارات التي حصلوا عليها والتي لها صلة بعمل الله. إن سفر معاملات اللهالعجيبة مع شعبه، وصلاحه العظيم في إنقاذه إياهم من التجربة ينبغي ترديدها للحديثي العهد بالإيمان.فالله يريد أن يقف الخدام المتقدمون في الأيام والمختبرون في مكانهم وأن يقوموا بنصيبهم في إنقاذالرجال والنساء حتى لا يجرفهم تبار الشر القوي إلى الأسفل. إنه يرغب أن يظلوا حاملين سلاحهم حتىيأمرهم هو بإلقائه جانبا.AR 520.3

    إننا نجد في اختبار يوحنا الرسول تحت الاضطهاد درسا عجيبا لتقوية المسيحي وتعزيته.إن الله لا يمنعالأشرار من التآمر ولكنه يجعل مكايدهم تعمل لخير أولئك الذين يحتفظون بإيمانهم وولائهم في وسطالتجارب والحروب. كثيرا ما يضطلع خادم الإنجيل بأعباء خدمته في وسط عواصف الاضطهاد والمقاومة المرة والتعييرات الظالمة. ففي مثل هذه الطروف ليذكر أن الاختيار الذي سيحصل عليه وهوفي أتون التجربة والآلام والضيقات يساوي كل الألم الذي يتطلبه. وهكذا يقرب الله أولاده إليه لكي يريهمضعفهم وقوته. إنه يعلمهم الاستناد عليه. وهكذا يعدهم لمواجهة الاحتمالات والطوارئ وليملأوا مراكزذات مسؤوليات وليتمموا الغرض العظيم الذب لأجله أعطيت لهم القوة.AR 520.4

    في كل العصور عرض شهود الله المعنيون أنسفهم للعار والاضطهاد لأجل الحق. لقد افترى على يوسفواضطهد لأنه ظل محتفظا بفضيلته واستقامته. وداود الرسول المختار من الله طورد كالفريسة أمامأعدائه. ودانيال طرح في جاب الأسود لأنه أمينا في ولائه للسماء. وأيوب جرد من أملاكه الأرضيةوكان مبتليا في جسده بحيث اشمأز منه الأقرباء والصدقاء، مع ذلك فقد ظل متمسكا بكماله. ولم يكنممكنا منع إرمياء من النطق بالكلام الذي وضعه الله في فمه ليتكلم به، وقد أثارت شهادته الملك والأمراءإلى حد جعلهم يطرحونه في جب كربه.وقد رجم استفانوس لأنه كرز بالمسيح المصلوب. وثد طرح بولس في السجن وضرب بالعصى ورجم أخيرا قتل لأنه كان رسولا أمينا لله إلى الأمم. ويوحنا نفى إلىجزيرة بطمس. «من لأجل كلمة الله، ومن أجل شهادة يسوع المسيح.»AR 521.1

    هذه الأمثلة على ثبات الناس تشهد لأمانه مواعيد الله —وحضورهم الدائم ونعمته العاضدة ، وهي تشهدأيضا على قوة الإيمان على الصمود أمام قوات العالم. إن عمل الإيمان ه الاستناد على الله في أحلكالساعات، والإحساس بأن الب السماوى هو الذي يدير الدفة حتى عندما تمر النفس في تجارب مرةوعندما تصدمها العواصف. إن عين الإيمان هي وحدها التي تستطيع أن ترى ما رواء الزمن الحاضرلتقدر الغنى الأبدي تقديرا صائبا.AR 521.2

    إن يسوع لا يقدم لتابعيه رجاء في الحصول على مجد العالم وغناه، أو أن يحيوا حياة خالية من التجارب.ولكنه بدلا من ذلك يدعوهم لأن يتبعوه في طريق إنكار الذات واحتمال العار. إن ذلك الذي قد أتى ليفتديالعالم احتمل مقاومة قوات الشر مجتمعة. ففي تحالف قاس ظالم اتحد الناس والملائكة الشرار في محاربةرئيس السلام. فكل كلمة قالها وكل عمل أظهر إشفاقا إلهيا، فعدم تشبهه بالعالم اثار ضده أمر العداء.AR 522.1

    وهكذا ستكون الحال مع كل من يعيشون بالتقوى في المسيح يسوع فالإضطهاد والعار ينتظران كل منيسكن في قلوبهم روح المسيح. نعم إن صفة الاضطهاد تتغير بمرور الزمن، ولكن المبدأ—الروح الذييكمن ورائه — هو ذاته الذي قتل مختاري الرب منذ أيام هابيل، ولم يتغير.AR 522.2

    ففي كل العصور اضطهد الشيطان شعب الله. لقد عذبهم وقتلهم ولكنهم انتصروا بموتهم. لقد شهدوا لقوةذاك الذي هو اقوى من الشيطان. يمكن للأشرار أن يعذبوا الجسد ويقتلوه ولكنهم لا يستطيعون أن يمسوا الحياء المستترة مع المسيح في الله. يمكنهم أن يحسبوا الرجال والنساء داخل أسوار السجن ولكنهم لايستطيعون أن يقيدوا الروح.AR 522.3

    وعن طريق التجارب والاضطهاد يعلن مجد الله وصفاته في مختاريه. إن المؤمنين بالمسيح الذييبغضهم العالم ويضطهدهميتهذبون ويتدربون في مدرسة المسيح. فهم يسيرون على الرض في طرقضيقة ويتطهرون ويتنقون في أتون الألم، وهم يتبعون المسيح في حروب قاسية، ويتحملون إنكار الذاتويختبرون مرارة الفشل، ولكنهم بذلك يتعلمون شر الخطية وشقائها فينظرون إليها باشمئزاز. فإذيصبرون شركاء المسيح في آلامه يمكنهم أن ينظروا من خلال الظلام إلى المجد قائلين : «فإني احسب أن الآم الزمان الحاضر لا تقاس بالمسجد العتيد أن يستعلن فينا» ( رومية 8 : 18).AR 522.4

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents