الفصل الثامن عشر
الكرازة بين الوثنيين
(يعتمد هذا الفصلعلى ماورد في أعمال 14 : 1- 26).
انتقل بولس وبرنابا من أنطاكية بيسيدية لى أيقونة , وفي هذا المكان كمان في أنطاكية بدءا خدمتهما في مجمع بني شعبهما . وقد كللت خدماتهما بنجاح ملحوظ إذ «آمن جمهور كثير من اليهود واليونانيين» (عدد 1) . ولكن في أيقونة كما في باقي الأماكن التي خدم فيها الرسولان نجد أن «اليهود غير المؤمنين غرواوأفسدوا نفوس الأمم على الإخوة» ( عدد2)AR 157.1
ومع ذلكفإن الرسولين لم يتحولا عن خدمتهما لأن كثيرين كانوا يقبلون إنجيل المسيح. ففي وجه المقاومة والحسد والتعصب ظلا يقومان بعملهما «يجاهران بالرب» والرب نفسه «كان يشهد لكلمة نعمته ، ويعطي أن تجرى آيات وعجائب على أيديهما» (عدد 3), فهذه البراهين على رضى الله واستحسانه كان لها تأثير قوي على أولئك الذين كانت عقولهم مفتوحة للاقتناع وتكاثر عدد المهتدين إلى الإنجيل AR 157.2
هذا وإن الشهرة المتزايدة التي كانت للرسالة التي حملها الرسولان ملأت قلوب اليهود غير المؤمنين بالحسد والكراهية فأصروا على إيقاف خدمات بولس وبرنابا في الحال . فبواسطة البلاغات الكاذبة والمبالغ فيها جعلواالسلطات تخشى أن تكون المدينةكلها مهددة بخطرالتحريض على الثورة. وقد أعلنوا أن عدد كبيرا من الناس التصقوا بالرسولين وأوعزوا أن ذلك سببه المقاصد السرية والنوايا الخطرة .AR 157.3
فكان من نتائج هذه الاتهامات أن أوقف الرسولانمرارا أمام السلطات . ولكن دفاعهما كان واضحا ومعقولا جداوشرحهمالما قد علما به كان هادئا وشاملا بحيث انحاز كثيرون إلى جانبهما . ومع أن الولاة كانوا متحيزين ضدهما بسبب البلاغات الكاذبة التي سمعوها عنهما فإنهم لم يجرؤوا على إدانتهما . ولم يسعهم إلا الاعتراف بأن تعاليم بولس وبرنابا جعلت الناس قوما صالحين ومواطنين حريصين على السير بموجب القوانين ، وأن أخلاقأهل المدينةوالنظام المتسبب فيها لابد ان تتحسن وتصير الى حال أفضل لو قبل الناس تعاليم الرسولين. AR 158.1
و عن طريق المقاومة التي اصطدم بها الرسولان بشهرة عظيمة. وقد رأى اليهود أن جهودهم التي بذلوها لتعطيل عمل المعلمين الجديدين كان من نتائجها زيادة عدد معتنقي العقيدة الجديدة. «فانشق جمهور المدينة ، فكان بعضهم مع اليهود ، وبعضهم مع الرسولين» ( عدد4).AR 158.2
وقد اغتاظ رؤساء اليهود غيظا شديدا بسبب تطور الأمور بهذا الشكل بحيث قرروا الوصول إلى أغرا ضهم عن طريق الظلم والقسوة . فإذ أثارواأحط أهواء الرعاع الصخابين الجهلة وغضبهم فقد أفلحوا في إحداث شغبنسبوه إلى تعليم الرسولين . وبواسطة هذه التهمة الكاذبة كانوا يرجون الحصول على معونة من الحكام في تنفيذ غرضهم. وقد عزموا على ألا يعطوا الرسولين فرصة تبرئة نفسيهما وأن يتدخل الرعاع لرجم بولس وبرنابا ، وهكذا يبطلون خدماتهما .AR 158.3
إن أصدقاء الرسولين ، وإن كانوا من غير المؤمنين ، حذروهما من نوايا اليهود ومؤامراتهم الخبيثة وألحوا عليهما بألا يعرضانفسيهما للرعاع الهائجين من غير داع بلأن يهربا لحياتهما . وتبعا لذلك رحل بولس وبرناباعن أيقونة سرا تاركين الإخوة المؤمنين ليضطلعوا بأعباء العمل وحدهم إلى حين. ولكنهما لم يرحلا عنهم إلى غير عودة ، فلقد قصدا أن يعودا إليهم بعدما تخف حدة الاهتياج ، لتكملة العمل الذي بدءا به .AR 159.1
في كل عصر وقطر دعي رسل الله لمواجهة المقاومة المرةمن أولئك الذين اختاروابإصرار أن يرفضوا نور السماء وعن طريق التحريف والتشويه والكذب ، كثيرا ماانتصر أعداء الإنجيل انتصارا ظاهريا مزعوماإذ أغلقوا الابواب التي بواسطتها كان يمكن لرسل الله ان يصلوا الى الناس . ولكن هذه الابواب لايمكن ان تظل موصدة إلى الأبد، ففي غالب الأحيان عندما عاد خدام الله بعد وقت الاستئناف عمله كان الله يعمل لأجلهم بقوة حيث استطاعوا أن يقيموا نصبا تذكاريا لمجد اسمه تعالى.AR 159.2
فإّذ طرد الرسولان من أيقونية بسبب عنف الاضطهاد ذهبا إلى لسترة ودربة في ليكاؤنية . وكانت غالبية سكان هاتين المدينتين من الوثنيين المتعلقين بالخرافات ، ولكن كان يوجد بينهم قوم رغبوا في سماع رسالة الانجيلوقبولها . وقدقصد الرسولان أن يخدما في تينك المدينتين وما جاورهما من مدن ذلك الاقليم على أمل أنيتجنبا تعصب اليهود واضطهادهم.AR 159.3
ولم يكن يوجد مجمع لليهود في لسترة مع أن قليلين من اليهود كانوا يعيشون في تلكالمدينة. وكان كثيرونمن سكان لسترة يعبدون في هيكل مخصص للاله جوبيتر . فعندما أتى بولس وبرنابا إلى المدينة وجمعا حولهما أهل لسترى وشرحا لهم حقائق الانجيل البسيطة حاول كثيرون ان يربطوا هذه التعاليم باعتقادهم الخرافي في عبادة جوبيتر .AR 159.4
وقد حاول الرسولان أن يقدما لعبادي الأوثان هؤلاء معرفة الله الخالق وابنه مخلص الجنس البشري . ففي البدء وجها انتباه الناس إلى أعمال الله العجيبة- الشمس والقمر والنجوم وتعاقب الفصولفي نظام بديع إذ يجيئ كل في أوانه المحدد له، والجبال الشاهقة المكللة بالثلوج ، والأشجار الباسقة وغير ذلك من عجائبالطبيعة المختلفة التي تبرهن على مهارة وحكمة تفوق إدراك الإنسان . وعن طريق أعمال الله القديرهذه قاد الرسولان أفكار الوثنيين إلى التأمل في سيد المسكونة العظيم .AR 160.1
فبعدما أوضحا هذه الحقائق الأساسية عن الخالق تحدث الرسولان مع أهل لسترة عن ابن الله الذي نزل من علياء السماء إلى عالمنا لأنه أحب بنيالإنسان , فتكلما عن حياته وخدمته ورفضه من قبل الذين أتى ليخصلهم ، كما تحدثا عن محاكمته وصلبه وقيامته وصعوده إلى السماء حيث يقوم بدور الشفيععن الإنسان. وهكذا كرز بولس وبرنابابالإنجيلفي لسترة بروح الله وقوته. AR 160.2
وذات مرة إذ كان بولس يخبرالناس عن عمل المسيح كشافي المرضى والمتاملين رأى بين سامعيه رجلا مقعدا ظل مثبتا عينيه في الرسولوقد قبل كلامه وآمن به . وقد املأ بولس عطفا على ذلك الرجل المتألم ورأى ال «له إيمانا ليشفى» (عدد 9 ). فأمام ذلك الجمع من عابدي الأوثان أمر بولس ذلك المقعد أن يقف على رجليه منتصبا . حتى تلكاللحظة كان الرجل لايستطيع إلا الجلوس فقط. ولكن هالآن أطاع على الفور أمرالرسول بولس ولأول مرة في حياته وقف منتصباعلى قدميه . فمع مجهود الإيمان الذي بذله كي يقف ، سرت في جسمه القوة ووثب ذاك الذي كان مقعدا «وصار يمشي» (عدد 10).AR 160.3
«فالجموع لما رأوا مافعل بولس ، رفعوا صوتهم بلغة ليكأونية قائلين إن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا».وقد كان هذا البيان متوافقامع أحد تقاليدهم الذي يقول إن الآلهة أحيانا تزور الأرض. فدعوا برنابا زفس أبو الآلهة بسبب منظره الوقور وجلال هيئته والرقة والإحسان المرتسمين على محياه. أما بولس فاعتقدوا أنه هرمس «إذ كان هو المتقدم في الكلام» ( عدد 11 ، 12) وغيورا ونشطا وفصيحا في كلام الإنذار والنصح . AR 161.1
فإذ أراد أهل لسترة أن يبرهنوا على شكرهم ألحوا على كاهن زفس بأن يقدم الإكرام للرسولين فأتى «بثيران وأكاليل عند الأبواب مع الجموع ، وكان يريد أن يذبح» (عدد 13). أما بولس وبرنابا اللذان كانا ينشاد الاعتكاف والراحة قلم يكونا عالمين بهذه الاستعدادات . ومع ذلك فسرعان ما استرعت انتباههما أصوات الموسيقى الحماسية الصادرة عن جمع غفير ممن قد أتوا إلى البيت الذي كان يقيمان فيه . فعندما تحقق الرسولانمن سبب هذه الزيارةوالاهتياج الذي صاحبها : «مزقا ثيابهما واندفعا الى الجمع» (عدد 14)على أمل ان يمنعا أية إجراءات أخرى. AR 161.2
وبصوت عال مجلجل ارتفع فوق هتاف الجمع طلب بولس من الناس أن يعيروه التفاتهم ، فإذ سكن الشعبفجأة قال : «أيها الرجال، لماذا تفعلون هذا ؟ نحن أيضا بشر تحت آلام مثلكم ، نبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيلإلى الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل مافيها ، الذي في الأجيال الماضية ترك جميع الأمم يسلكون في طرقهم . مع أنه لم يترك نفسه بلا شاهد ، وهو يفعل خيرا يعطينا من السماء أمطارا وأزمنة مثمرة ، ويملأ قلوبنا طعاما وسرورا» (عدد 15 — 17).AR 161.3
وبالرغم من الإنكار القاطع الذي صرح به الرسولان بأنهما ليسا من الآلهة وبالرغم من محاولة بولس أن يوجه عقول الناس إلى الإله الحقيقي الذي له وحده تليق العبادة والسجود فقد بدأ وكأنه يستحيل منع أولئك الوثنيين عن عزمهم في تقديم ذبائح كان عندهم اعتقاد راسخ بأن هذه الرجلين هما آلهة ، وقد بلغ حماسهم جدا عظيما بحيث لم يريدوا الاعتراف بخطئهم . والكتاب يقول أنهما : «وبقولهما هذا كفا الجموع بالجهد عن أن يذبحوا لهما» ( عدد 18).AR 161.4
وقد احتج أهل لسترة قائلين إنهم قد شاهدوا بعيونه القوة المعجزية التي أجراها الرسولان ورأوا الرجل المقعد الذي لم يقو على سير من قبل ، يفرح ويتهلل بالصحة والقوة الكاملتين اللتين أعطيتا له . إنما فقط بعد الإقناع الكثير من جانب الرسول بولس والشرح الحريص عن رسالته هو وبرنابا على أنهما فقط نائبان عن إله السماء وعن ابنه الشافي العظم ، أمكن اقناع الجموع بالكف عن إتمام غرضهم . AR 162.1
إالا أن خدمات بولس وبرنابا في لسترة أوقفت فجأة بسبب خبث اليهود الذين أتوا من «أنطاكية وإيقونية» (عدد 19) الذين إذ علموا بنبأ نجاح الرسولين في عملهما بين أهل ليكأونية عقدوا العزم على تعقبهما واضطهادهما . فإذ وصل هؤلاء اليهود إلى لسترة فسرعان مانجحوا في أن يلهبوا قلوب شعب المدينة بالعداوة التي تحكمت في نفوسهم . وبكلام التشويه والتحريف والوشاية أمكن إقناع أولئك الذين منذ قليل كانوا يعتبرون بولس وبرنابا كائنات إلهية ، بأن الرسولين أردأ من المجرمين والقتلة ويستحقانن الموت .AR 162.2
إن الخيبة التي مني بها أهل لسترة في حرمانهممن امتاز تقديم الذبائحللرسولين مهدت لهم الطريق لأن ينقلبوا ضد بولس وبرنابا بحماس شبيه بالحماس الذي هتفوا به لهمها على أنهما آلهة فإذ حرضهم اليهود دبروا خطة للهجوم على الرسولين بالقوة. وقد أوصاهم اليهود بألا يسمحوا لبولس بفرصة للكلام مدعين بأنهم إن منحوه تلك الفرصة فسوف يخدع الشعب بتأثيره الساحر .AR 162.3
وسرعان مانفذت المؤامرات الاجرامية التي دبرهاأعداء الانجيل. فإن أهل ليكأونية إذ خضعوا لقوة الشر سيطر عليهم غضب شيطاني ، وإذ قبضوا على بولس رجموع بلا رحمة . وقد ظن الرسول أن نهايته قد دنت، وعاد إلى ذهنه بكل جلاء مشهد استشهاد استفانوس والدور القاسي الذي قام هو به في ذلك الحين . فإذ كان مصابا برضوض وكان مغشيا عليهمن فرط الألم سقط إلى الأرض ، وحينئذ فالرجال الهائجون: «جروه خارج المدينة ، ظانين أنه قد مات» (عدد19)AR 163.1
ففي هذه الساعة المظلمة الشاقة ظلجماعة المسلمين في لسترة الذين بواسطة خدمة بولس وبرنابا اهتدوا إلى الإيمان بيسوع ، ظلوا مخلصين وأمناء . فالمقاومة غير المعقولة اوالاضطهاد القاسيالذي لجأ إليه الأعداء كان من نتائجه تثبيت إيمان هؤلاء الإخوة المكرسين . والآن ففي مواهجة الخطر والاحتقار برهوا على ولائهم بأن اجتمعوا وهم محزونين حولجسد ذاك الذي كانوا يظنون أنه قد مات .AR 163.2
وكم كانت دهشتهم عظيمة ، إذ فيما كانوا يولون عليه في حزن عظيم رفع الرسول رأسه وهب واقفا على قدميه، وعلى شفتيه تسابيح الشكر لله . لقد اعتبر المؤمنون إعادة الحياة إلى خادم الرب هذا معجزة أجريت بقدرة الله وبدا كأنها تصادق على إيمانهم الجديد وتختمه بختم السماء ، وقد فرحوا فرحا لاينطق بهوسبحوا الله بإيمان متجدد.AR 163.3
وقد كان بين من اهتدوا في لسترةوالذين كانوا شهود عيان لآلام بولس ، شاب كان مزمعا أن يصير فيما بعد خادما بارزا للمسيح، وكان مزمعا أن يشترك مع الرسول في التجارب والأفراح التي ستكون من نصيبه في خدمته كرائد في الحقول الشاقة . كان هذا الشاب يدعى تيموثاوس . فعندما سحب بولس إلى خارج المدينة كان هذا الشاب واحدا ممكن وقفوا إلى جانب جسده الممد الذي كان يبدوا وكأن نسمة الحياة قد فارقته ، ورآه يقوم مريض الجسم وملطخا بالدم ، ولكن كان فهمه مملوءا تسبيحا لله لأنه سمح له أن يتألم لأجل المسيح.AR 163.4
وفي اليوم التالي بعدما رجم بولس رجع الرسولان إلى دربة حيث بارك الله خدماتهما وقبل كثيرون المسيح مخلصا. ولكن «بشرا في تلك المدينة وتلمذاكثيرين» (عدد 21) فإنه لا أبلوس ولا برنابا قنعا بأن يخدما في أي مكان آخر بدون أن يشددا أولا إيمان المهتدين الذين قد اضطرالتركهم إلى حين في الأماكن التي خدما فيها منذ عهد قريب . فإذ لم تكن ترهبهما المخاطر «رجعا إلى لسترة وايقونية وانطاكية ، يشددان انفس التلاميذ ويعظانهم أن يثبتوا في الايمان» (عددا 21 ، 33) .كان كثيرون قد قبلوا بشارة الانجيل معرضينأنفسهم للتعيير والمقاومة . فأراد الرسولان أن يثبتا هؤلاء في الايمان حتى يدوم العمل الذي بدئ به . AR 164.1
ومن بين العوامل الهامة لنموا المهتدين الجدد روحيا حرص الرسولين على إحاطتهم بنظام الإنجيلكحارس وواق . وسرعان مانظمت كنائس في كل الأماكن في ليكأونية . AR 164.2
كان هذا متفقا مع خطة الإنجيل وهي توحيد كل المؤمينن بالمسيح في جسد واحد. وبيسيدية حيث كان يوجد مؤمنون . وقد أقيم موظفون في كل كنيسة وساد النظام واستتب كل شيئ لإدارة كل الشؤون الخاصة لخير المؤمنين الروحي .AR 164.3
وكان بولس حريصا على اتباع هذه الخطة في كل خدمته . فكل الذين قبلواالمسيح مخلصا بفضل جهوده في أي مكان ، نظموا في هيئة كنيسة في الوقت المناسب . وكان الاجراءيتبع حتى عندما كان المؤمنون قليلي العدد . وهكذا تعلم المسيحيون أن يعين بعضهم بعضا متذكرين وعد الرب القائل : «لأنه حيثما اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي فهناك اكون في وسطهم» ( متى 18 : 20):AR 164.4
ولم ينس بولس الكنائس التي أسست هكذا. فالاهتمام بهذه الكنائس كان يشغل تفكيره باستمرار كحمل يزداد ثقلا مع الوقت.فمهما كانت جماعة المؤمنين صغيرة ، فقد كانت مع ذلك موضوع اهتمامه الدائم . كان بكل رقة ومحبة يسهر على الكنائس الصغرى متحققا أنها في حاجة إلى رعاية خاصة كي يثبت أعضاؤها في الحق ويتعلموا أن يبذلوا جهودا غيورة منكرة لذاتها لأجل من حولهم .AR 165.1
إن بولس وبرنابا في كل خدماتهما الكرازية حرصا على أن يتبعا مثال المسيح في التضحية الطوعية والعمل الغيور الأمين لأجل النفوس. وإذ كانا يقضين وغيورين لم يتبعا ميولهما أو راحتهما الشخصية بل بحرص وصلاةونشاط لايهدا جعلا يبذران بذار الحق .... ومع إلقاء بذار الكلمة حرص الرسولان على أن يقدما لكل من اختار أن يقف إلى جانبالإنجيل ، إرشادات عملية لاتقدر بثمن . إن هذه الروح ، روح الغيرة ومخافة الله ، تركت تأثيراباقيا على عقول التلاميذ الجدد فيما يختص بأهمية رسالة الانجيل . AR 165.2
وعندما كان يهتدي الرجال المقتدرون الموهوبون كما في أمر تيموثاوس ، كان بولس وبرنابا يجتهدان بكل غيرة كي يبنيا لهم ضرورة العمل في الكرم . وعندما كان الرسولان ينتقلان من هناك إلى مكان آخر فإن ايمان أولئك الرجال لم يكن يضعف بل كان يتقوى ويزداد, كانوا يتلقون التعليم بكل أمانة في طريق الرب وتعلموا كيف يقومون بخدمات منكرة لذاتها بغيرة ومواظبة لأجل خلاص بني جنسهم . فهذا التدريب الحريص للمهتدين الجدد كان عاملا هاما في النجاح العظيم الذي واكب بولس وبرنابا وهما يكرزان بالإنجيل في البلدان الوثنية. إن الرحلة الكرازية الأولى كانت موشكة على الانتهاء . فإذ استودع الرسولان الكنائس المنظمة حديثا بين يدي الربذهبا إلى بمفيلية , «وتكلما بالكلمة في برجة ، ثم نزلا إلىأتالية . ومن هناك سافرا في البحر إلى انطاكية» (عدد 25 ، 26).AR 165.3