Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents

الأنبياء والملوك

 - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    الفصل التاسع— إيليّا التشبي

    (إعتمد هذا الفصل على ما ورد في ملوك الأول 1:17 — 7)

    في أيام آخاب كان يسكن في جبال جلعاد الواقعة شرقي الأردن رجل من رجال الإيمان والصلاة وكان المقصود من خدمته الجريئة التي لم يخش فيها بأس إنسان، توقّف انتشار الارتداد السريع في إسرائيل. وإذ كان إيليا التشبي بعيداً عن كل مدينة ذات شهرة، لم يحتل مركزاً سامياً في الحياة. مع كل ذلك فقد باشر خدمته وهو واثق من قصد الله في تمهيد الطريق أمامه وإعطائه النجاح، كانت رسالته حين جاء إلى الشعب مبكتاً على الخطيئة، بمثابة بلسان جلعاد للنفوس المعذّبة ولكل راغب في الشفاء.AM 97.1

    فإذا رأى إيليا أن الشعب يغوص إلى أعماق الوثنية، انزعجت روحه واحتدم غضبه. لقد عمل الله عظائم مع شعبه وحرّرهم من العبودية، ”وأعطاهم أراضي الأمم .. لكي يحفظوا فرائضه ويطيعوا شرائعه“ (مزمور 44:105، 45).AM 97.2

    لكن مقاصده الرحيمة كادت أن تُنسى. وكان عدم الإيمان يعمل بسرعة على عزل الأمة المختارة عن مصدر قوتها.AM 97.3

    فإذا رأى إيليا هذا الارتداد وهو في معتكفه الجبلي، طغى على قلبه الحزن. وتوسّل في انسحاق نفسه إلى الله كي يوقف الشعب، الذي كان محبوباً لديه قبلئذ، عن التوغل في طريق الشر وأن يفتقدهم بتأديبه وأحكامه إذا لزم الأمر، كي يروا ارتدادهم عن السماء في نوره الحقيقي. كما تاق أن يراهم تائبين ونادمين قبل التوغل بعيداً عن الله كيلا يثيروا سخط الرب عليهم ويضطر إلى إفنائهم.AM 98.1

    وقد أجيبت صلاة إيليا. فالتوسلات والاحتجاجات والإنذارات المتكررة لم تستطع أن تقود الشعب إلى التوبة. وقد حان الوقت الذي فيه ينبغي أن يخاطبهم الله بواسطة أحكامه. وإذ ادّعى عبدة البعل أن خزائن السماء، الطل والمطر، لا تأتي من الرب بل من قوات الطبيعة التي تحكمها، وأنه عن طريق طاقة الشمس الخالقة أخصبت الأرض وأتت ثمارها الوفيرة، فإن لعنة الله كانت ستستقر بثقلها على الأرض التي تدنّست. وكان لابد أن يتبرهن لأسباط الشعب المرتد حماقة الاتكال على قوة البعل لنيل البركات الزمنية. فما لم يرجعوا إلى الله بالتوبة معترفين بأنه هو وحده مصدر كل بركة، لن يكون على الأرض طل ولا مطر.AM 98.2

    وقد أُسند إلى إيليا أمر تبليغ رسالة السماء عن الحكم بالدينونة. وهو لم يطلب أن يكون رسول الرب بل إن كليم الرب كان إيليا. وإذ كان يغار على كرامة الله وعمله، لم يتردد في إطاعة أمر الله، بالرغم أن الطاعة كانت بمثابة دعوة لهلاك سريع بيد الملك الشرير. سافر النبي فوراً ليلاُ ونهاراً حتى وصل السامرة. لم يتوسّل أمام القصر في طلب إذن الدخول، أو انتظر ليدعى رسمياً للمثول في حضرة الملك بل مر في وسط الحراس وكأن أحداً لم يلحظه وإذ كان لابساً ثوباً خشناً اعتاد على لبسه الأنبياء في ذلك العصر، فقد وقف لمدى لحظة أمام الملك الذي علته الدهشة.AM 98.3

    لم يقدّم إيليا اعتذاراً عن وقوفه المفاجئ أمام الملك. لقد أوفده شخص أعظم من ملك إسرائيل ليتكلم. وإذ رفع يده إلى السماء أكّد باسم الإله الحي أن أحكام العلي موشكة أن تحل على الشعب. فقد أعلن قائلاً: ”حي هو الرب الذي وقفت أمامه أنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي“ (1 ملوك 1:17).AM 99.1

    لقد تمكن إيليا من تبليغ رسالته بممارسة إيمان متين بكلمة الله التي لا تخيب. لو لم يثق ضمناُ بالرب الذي كان يخدمه لما تمكّن من الوقوف أمام آخاب. وفي طريقه إلى السامرة مر إيليا بالأنهار الفائضة والتلال الخضراء و الغابات الكثيفة التي بدا وكأن القحط لن يصيبها. وكل ما كانت تقع عليه العين كان مكسواً بالجمال. ربما تساءل النبي كيف يمكن للجداول التي لم تكف عن جريانها أن تعرف الجفاف وكيف يمكن لتلك التلال والأودية أن يصيبها القحط. إلا أنه لم يفسح مجالاً لعدم الإيمان. كان يؤمن تماماُ أن الله سيذل شعبه المرتد، وأن أحكامه كفيلة بأن تقودهم إلى التوبة. لقد صدر حكم السماء وكلمة الله لن تخيب. وإذ قدّم إيليّا رسالته كان يخاطر بحياته بلا خوف وقد وقعت رسالة الدينونة الوشيكة على أذني الملك الشرير وقوع الصاعقة من سماء صافية. وقبل أن أفاق آخاب من دهشته، أو يجد كلاماُ يجيب به، اختفى إيليّا فجأة كما جاء دون أن ينتظر ليشهد أثر رسالته. وقد سار الرب أمامه وأوضح له الطريق قائلاً له: ”اتّجه نحو الشرق واختبئ عند نهر كريث الذي هو مقابل الأردن فتشرب من النهر وقد أمرت الغربان أن تعولك هناك“ (1 ملوك 3:17،4).AM 99.2

    وفتش الملك باجتهاد عن النبي. ولكن العثور عليه لم يكن ممكناً. وغضبت الملكة إيزابل من رسالة النبي القاضية بإغلاق مخزن السماء، ولم تضيع الوقت بل تشاورت بسرعة مع كهنة البعل الذين شاركوها في استنزال اللعنة على النبي وتحدّى غضب الرب. ولكن بالرغم من رغبتهم في العثور على إيليّا الذي نطق بالويل، حكم أيضاُ على جهودهم بالخيبة. ولم يستطيعوا أن يخفوا عن الشعب موضوع الحكم الذي قضى به على الأمة نتيجة ارتدادهم المشين. إن أخبار شجب إيليّا لخطايا الشعب ونبوّته الخاصة بالقصاص الوشيك انتشرت بسرعة في كل أنحاء البلاد. وثارت مخاوف بعض الناس إلا أن رسالة السماء قوبلت بصورة عامّة، بالسخرية والازدراء.AM 100.1

    وكان لكلمات النبي تأثيرها المباشر. فالذين كانوا بادئ ذي بدء يميلون إلى السخرية من فكرة الكارثة، سرعان ما وجدوا أن لديهم فرصة للتفكير الخطير الجاد. إذ بعد شهور قليلة جفّت الأرض ويبست بسبب عدم هطول المطر وامتناع الطل والندى عن إنعاشها فذبل العشب ومات الكلأ. وبمرور الوقت ابتدأ منسوب المياه بالتناقص كما بدأت الجداول بالجفاف وهي التي كانت دائمة الجريان. ومع ذلك فقد حرص رؤساء الشعب على وضع ثقتهم في البعل وقدرته واعتبار نبوة إيليا كلاماً بلا مضمون. وأصر الكهنة أن سيول المطل تهطل بقوة البعل. وألحّوا على الشعب قائلين لا تخافوا إله إيليّا ولا ترتعبوا من كلامه، فالبعل هو الذي يعطينا الحصاد في حينه وهو الذي يلبي حاجة الإنسان والحيوان.AM 100.2

    لقد قدّمت رسالة الله لآخاب، فرصة إيزابل وكهنتها وكل عابدي البعل وعشتروت، لإختبار قوة آلهتهم وإذا أمكن إقامة الدليل الحسي على بطلان أقوال إيليّا. وقد صمدت نبوة إيليّا وحدها ضد تأكيدات المئات من كهنة الأوثان. فإذا كان البعل، يستطيع كسب مطر وطل على الأرض بالرغم من إعلان النبي وجعل مياه الجداول تفيض من جديد وتنعش الأرض، إذن فليعبده ملك إسرائيل وليقل عنه الشعب أنه إله.AM 100.3

    وإذا صمم الكهنة على إبقاء الشعب تحت سلطان خداعهم ظلوا يقدمون الذبائح لآلهتهم ويتوسلون إليها ليلاً ونهاراً لكي تنعس الأرض. وحاولوا تهدئة غضب آلهتهم بأن قدّموا لها ذبائح غالية الثمن. وظلوا ملازمين لمذابح الأوثان بغيرة ومواظبة خليقين بدعوة أفضل من دعوتهم وهم مجتمعين حولها يصلّون بغيرة في طلب انسكاب المطر. وكانت تصعد صرخاتهم وتوسّلاتهم في كل أنحاء البلاد المحكوم عليها بالدينونة. ورغم كل هذه الجهود المضنية لم تظهر في السماء سحابة لتحجب عن العيون أشعة الشمس الحارقة. ولا انسكب مطر لإنعاش الأرض العطشى. وتظل كلمة الرب ثابتة لا يبدلها شيء مما يفعله كهنة البعل.AM 101.1

    ويمر عام ويمتنع المطر عن الهطول وتحترق الأرض كما بنار. ويجف حر الشمس اللافع العشب القليل الباقي. وتنضب ينابيع الماء وتكف مياه الجداول عن الجريان وتستغيث الماشية وقطعان الغنم وهي تجول من مكان إلى آخر في ضيق شديد. أما الحقول التي كانت مزدهرة، فغدت كرمال الصحراء المحرقة، قفزاً، يباباً. وذوت الغياض المكرسة لعبادة الأوثان وتساقطت أوراقها. وتوارث ظلال الأشجار والغابات التي أمست كالهياكل العظمة الشاحبة. وغدا الهواء جافّاً خانقاً وعواصف الغبار تعمي العيون وتكاد تقطع الأنفاس. والمدن والقرى التي كانت ناجحة ومزدهرة أمست أماكن للندب والعويل. وأثر الجوع والعطش تأثيراً سيئاً على الإنسان والحيوان فمات كثيرون ميتات رهيبة واقتربت المجاعة بكل أهوالها مكشرة عن أنيابها.AM 101.2

    ولكن مع كل هذه البراهين على قدرة الله فإن الشعب لم يتُب ولا تعلموا الدرس المنشود. ولم يروا في الذي خلق الطبيعة كائناً مسيطراً على نواميسها وأنه يستطيع أن يجعلها أداة بركة أو هلاك. كانوا متشامخي الروح لدرجة فتنتهم العبادة الكاذبة ولم يريدوا أن يتواضعوا تحت يد الله القوية، وبدأوا يفكّرون في سبب آخر ينسبون إليه آلامهم ومصائبهم.AM 102.1

    وقد رفضت إيزابيل رفضاً قاطعاً الاعتراف بأن القحط كان قضاء من الرب. وإذ كانت لا تلين في تصميمها على تحدّي إله السماء، فقد اتّفقت مع غالبية الشعب على ذم إيليّا واعتباره علّة شقائهم. ألم يشهد ضد طقوس عبادتهم؟ وأكّدت إيزابل قائلة أنه لو أزيح إيليّا من الطريق يمكن تهدئة غضب آلهتهم وتنتهي عندئذ متاعبهم وضيقاتهم.AM 102.2

    فبإيعاز وتحريض من الملكة أمر آخاب رجاله أن يبحثوا باجتهاد عن مخبأ النبي. وأرسل رسله إلى الأمم المحيطة القريبة والبعيدة، للبحث عن الرجل الذي كان يبغضه ويخشاه في آن واحد. وفي جزعه واهتماماته بالبحث الدقيق كان يستحلف الممالك إذا كانوا لا يعلمون شيئاً عن الأماكن التي يختلف النبي إليها. إلا أن بحثه كان عبثاً. كان النبي في مأمن من غدر وخبث الملك الذي أوقعت خطاياه على البلاد قضاء الإله الذي قد أسخطه.AM 102.3

    وإذ أخفقت إيزابل في مساعيها ضد إيليا عولت على الثأر لنفسها بقتل أنبياء الرب في إسرائيل، دون الإبقاء حتى على واحد منهم. وقد نفذّت تلك المرأة الحانقة غرضها بقتل كثيرين من عبيد الله. ومع ذلك فلم يهلك الجميع. فإنّ عوبديا الذي كان مدبراً لبيت آخاب وأميناً لله، ”أخذ مئة نبي“ مُخاطر بحياته ”وخبّأهم خمسين رجلاً في مغارة وعالهم بخبز وماء“ (1 ملوك 4:18).AM 102.4

    ومرت السنة الثانية من سني الجوع، دون أن تظهر في السموات العديمة الرحمة أية علامة على قرب هطول المطر. وظلّ القحط والجوع ينهشان الأرض وما عليها في طول البلاد وعرضها. فإذ كان الآباء والأمهات عاجزين عن تخفيف آلام الجوع عن أطفالهم اضطروا للتخلّي عنهم مرغمين ومراقبتهم بألم يعتصر القلب وهم يموتون. ومع ذلك فإن شعب إسرائيل المرتد لم يتذلل بقلبه أمام الله وظل يتذمر من الإنسان الذي بسبب كلمته حلت بهم هذه الأحكام الرهيبة. وبدا أنهم عاجزون عن أن يروا في آلامهم وضيقهم أية دعوة لهم للتوبة وتدخلا إليها لإنقاذهم من اتّخاذ خطوة مميتة قاتلة تقودهم إلى ما وراء حدود غفران السماء.AM 103.1

    كان ارتداد الشعب شراً أرهب من كل أهوال الجوع. كان الله يطلب تحرير شعبه من غرورهم وضلالاتهم واقتيادهم إلى إدراك مسؤوليتهم نحو ذلك الذي كانوا مدينين له بالحياة وكل شيء. حاول أن يعينهم على استعادة إيمانهم الذي أضاعوه، وفي سبيل ذلك سمح أن تحلّ بهم المآسي علّها تردعهم وتعيدهم إلى رشدهم.AM 103.2

    ”هل مسرة أسر يموت الشرير يقول الرب، إلا برجوعه عن طريقه فيحيا؟“ ”طرحوا عنكم كل معاصيكم التي عصيتم بها واعلموا لأنفسكم قلباً جديداً وروحاً جديدة فلماذا تموتون يا بيت إسرائيل؟ لأني لا أُسر يموت من يموت يقول السيد الرب فارجعوا واحيوا“ ”ارجعوا عن طرقكم الرديئة فلماذا تموتون يا بيت إسرائيل“ (حزقيال 18 : 23 ، 31 ، 32 ، 33 : 11).AM 103.3

    لقد أرسل الله رسلاً إلى شعبه طالباً إليهم العودة إلى سابق ولائهم. فلو اهتمّوا بهذه الدعوات ورجعوا عن عبادة البعل إلى الله الحي لما جائتهم رسالة الدينونة على يد إيليّا. إلا أن الإنذارات التي كان يمكن أن تكون رائحة حياة لحياة برهنت أنها رائحة موت لموت. لقد جرحت كبريائهم فثار غضبهم على الرسل، والآن هم يبغضون إيليّا النبي أشد البغض. ولو أنه وقع بين أيديهم لأسلموه إلى إيزابل مسرورين اعتقاداُ منهم أنهم لو تمكنوا من إخراس صوته لحالوا دون إتمام نبوءته. ففي وجع الكارثة ظلوا متشبثين بوثنيتهم. وبذلك زادوا من الجرم الذي جلب على المملكة أحكام السماء.AM 103.4

    لا يوجد غير علاج واحد للعشب الذي حلت به هذه الضربات وهو ترك الخطايا التي جلبت التأديب من يد الله القدير والرجوع إلى الرب بعزم القلب. كان الله قد سبق فقدّم لهم هذا الوعد القائل ”إن أغلقت السماء ولم يكن المطر وإن أمرت الجراد أن يأكل الأرض. وإن أرسلت وبأ على شعبي. فإذا تواضع شعبي الذين دُعي إسمي عليهم وصلّوا وطلبوا وجهي ورجعوا عن طرقهم الردية فأنني أسمع من السماء وأغفر خطيتهم وأبرئ أرضهم“ (2 أخبار الأيام 7 : 13 ، 14). فمن أجل الوصول إلى هذه النتيجة المباركة حبس الله عنهم المطر والطل إلى أن يتم إصلاح حاسم.AM 104.1

    * * * * *

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents