« لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ » (متى 6: 24)
إنّ المسيح لا يقول إنّ الإنسان لن يخدم أو لا يخدم سيدين، بل إنّه لا يقدر على ذلك. فلا يوجد اتحاد أو تجاوب بين مصالح الله ومصالح المال. ففي الموضع الذي فيه ينذر ضمير المسيحي صاحبَه بأن يحتمل وينكر نفسه ويتوقف. في ذلك الموضع نفسه يسير الرجل الدنيوي لينغمس في ميوله الأنانية. فعلى الجانب الواحد من الطريق يوجد تابع المسيح المنكر لذاته، وعلى الجانب الآخر يوجد الإنسان المحب للعالم المنغمس في شهواته المنقاد إلى العرف ومقتضيات الموضة والمنغمس في الطياشة والذي يريد أن يشبع نفسه بالملذات المحرمة. ولكنّ المسيحي لا يستطيع أن يسير في ذلك الطريق.ArMB 45.6
ولا يمكن لإنسان أن يقف موقف الحياد، إذ لا يوجد فريق متوسط لا يحب الله ولا يخدم عدّو البرّ. يجب أن يعيش المسيح في قلوب تابعيه من الناس ويشتغل بواسطة قواهم ومواهبهم ويعمل بواسطة إمكانياتهم. فيجب أن تخضع إرادتهم لإرادته، وعليهم أن يعملوا بروحه. ففيما بعد لا يحيون هم بل المسيح يحيا فيهم. فالذي لا يسلم نفسه بالتمام لله هو تحت سيادة أخرى، ويصغي لصوت آخر مقترحاتُه من نوع آخر يختلف اختلافاً بيّنا. إنّ الخدمة النصف منُجزَة تجعل صاحبها يناصر العدو كحليف ناجح لجيوش الظلمة. فعندما يرتبط من يدّعون أنّهم جنود المسيح بحلف الشيطان ويتعاونون معه فهم يبرهنون أنّهم أعداء المسيح. إنهم يخونون الودائع المقدسة. ويكونون حلقة اتصال بين الشيطان والجنود الحقيقيين بحيث أنّه عن طريق هؤلاء الأعوان يعمل العدو باستمرار على سرقة قلوب جنود المسيح.ArMB 46.1
إنّ أقوى معاقل الرذيلة في عالمنا ليست هي حياة الإثم التي يحياها الخاطئ الخليع أو الطريد المنحط، ولكنها تلك الحياة التي تبدو فاضلة وشريفة ونبيلة ولكنّ فيها تتربّي خطية واحدة وينغمس فيها الإنسان في خطية واحدة. فالنفس التي تكافح في الخفاء ضدّ تجربة هائلة وتقف مرتعدة مترنحة على حافة الهوة يكون هذا المثال من أقوي الإغراءات لها لترتكب الخطية. فذاك الذي مع انّه مزوّد بآراء سامية عن الحياة والحق والكرامة ومع ذلك يتعدّى وصية واحدة من وصايا شريعة الله المقدسة في إصرار وعناد فقد أفسد وشوّه مواهبه النبيلة فجعل منها طعما للخطية. فالعبقرية والمواهب والعطف وحتى أعمال السخاء والرفق قد تُمسي خدعا وغوايات شيطانية لاجتذاب نفوس أخرى إلى هاوية الهلاك في هذه الحياة والحياة الآتية.ArMB 46.2
« لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ » (1يوحنا 2: 15، 16).ArMB 46.3