خادم الخدام
عندما دخل التلاميذ العلية كانت قلوبهم مليئة بمشاعر الحقد, فجلس يهوذا عن يسار المسيح وجلس يوحنا عن يمينه, فإذا كان ثمة مكان يعتبر أسمى الأماكن فقد عزم يهوذا على أن يحتله, وظن أن ذلك المكان هو الواقع بجوار المسيح, وكان يهوذا خائنا.CCA 601.1
وظهر سبب آخر للنزاع, ففي الأعياد كانت العادة أن يتولى أحد الخدم غسل أرجل الضيوف, وفي تلك المناسبة أعد كل شيء لهذه الخدمة, فكان هناك الإبريق والمغسل والمنشفة معدة لخدمة غسل الأرجل, غير أنه لم يكن هناك خادم, فكان على التلاميذ إذ يقوموا بتلك الخدمة, ولكن إذ كان كل واحد منهم متأثرا بكبريائه الجريحة ترفع عن القيام بعمل الخادم, وأبدوا جميعا عدم إكتراث, كأنما هم لا يشعرون بأن لهم عملا ليعملوه فبصمتهم رفضوا أن يتواضعوا.CCA 601.2
لم يخرك التلاميذ ساكنا لخدمة بعضهم بعضا, وتريث المسيح بعض الوقت ليرى ما هم فاعلون, قم إنه, وهو المعلم الإلهي, قام عن العشاء, وبعدما خلع عنه ثيابه الخارجية حتى لا تعيقه عن الحركة, أخذ منشفة واتزر بها. وبدهشة وإهتمام أخذ التلاميذ ينظرون إلى معلمهم, ثم انتظروا بسكون ما سيحدث بعد ذلك, ” ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرا بها “. هذا الصنيع فتح أعين التلاميذ, فامتلأت نفوسهم خزيا وإذلالا مريرين. لقد فهموا التوبيخ الصامت من معلمهم, ورأوا أنفسهم في نور جديد تماما. CCA 601.3
هكذا عبر المسيح عن محبته لتلاميذه. لقد ملأته أنانيتهم وكبرياؤهم حزنا, ولكنه لم يدخل معهم في جدال في ما يختص بمشكلتهم, وبدلا من ذلك قدم لهم مثالا لم يكونوا لينسوه طيلة حياتهم اطلاقا. إن محبته لهم لم تكن لتتزعزع أو تخمد بسهولة. لقد علم أن الآب دفع إلى يديه كل شيء, وإنه من عند الله خرج وإلى الله يمضي. وكان له الإحساس الكامل بإلوهيته, غير أنه خلع عنه تاج الملك والثياب الملوكية, وأخذ صورة عبد. وكان من أخر أعماله على الأرض أنه تمنطق كعبد وقام بعمل الخدم.CCA 602.1
أراد يسوع أن يفهم تلاميذه أنه لئن غسل أرجلهم فإن ذلك لم ينتقص كرامته البتة. ” أنتم تدعونني معلما وسيدا وحسنا تقولون لأني أنا كذلك “ انه, لكونه ساميا إلى أقصى حد|, قد أضفى على هذه الخدمة نعمة وأهمية عظيمتين. لم يكن أحد ممجدا كالمسيح, ولكنه مع ذلك تنازلوقام بأحقر خدمة. فحتى لا يضل شعبه بالإنانية الرابضة في القلب الطبيعي والتي تقويها وتغذيها خدمة الذات قدم المسيح بنفسه مثالا في التواضع. انه لم يكلف إنسانا بهذا العمل العظيم بل اعتبره من عظم الأهمية بحيث أنه هو نفسه المساوي لله في الجوهر خدم تلاميذه. فإذ كانوا يتنازعون على المركز الأرفع إذ به الذي له ستجثو كل ركبة والذي يعتبر ملائكة السماء خدمته كرمة ومجدا عظيمين ينحني ليغسل أرجل أولئك الذين كانوا يدعونه سيدا بل لقد غسل رجلي مسلمه.CCA 602.2
فلما كان قد غسل أرجل تلاميذه قال لهم : ” أعطيتكم مثالا حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضا “ ( يوحنا 13 : 15 ). إن المسيح لم يفرض عليهم بهذه الكلمات الكرم وحسن الضيافة وحسب, فلقد كان يقصد شيئا أكثر من مجرد غسل أرجل الضيوف لإزالة ما قد علق بها من غبار السفر. لقد سن المسيح حينئذ خدمة دينية, والسيد, إذ قام بهذا العمل أضفى على هذه الخدمة المتواضعة كرامة عظيمة بحيث صارت فريضة مقدسة, وكان على التلاميذ أن يمارسوها لكي يذكروا دائما تعاليمه عن التواضع والخدمة.CCA 603.1