تحت حماية الاصدقاء
ظل في ذلك المكان بضعة أشهر تحت حماية أصدقاء أشداء، وش غل في الدرس كما فعل من قبل ذلك . لكنه كان قد آل على نفسه أن يبشر فرنسا، ولذلك لم يستطع أن يظل عاطلا وقتا طويلا . فحالما خفت شدة العاصفة قليلا ذهب يبحث عن حقل جديد للخدمة في بواتييه التي تضم جامعة وحيث كان الناس قد بدأوا يعتنقون الآراء الجديدة ويقبلونه ا. وكان أناس من كل الطبقات يصغون الى رسالة الانجيل بفرح . لم يكن التبشير علنيا بل كان يعقد الاجتماع في بيت كبير القضاة، في محل اقامته، واحياناً في أحد المتنزهات . وكان كلفن يشرح كلام الحياة الابدية لكل من رغبوا في سماع أقواله . وبعد وقت اذ زاد عدد السامع ين ارتُئي أن يجتمعوا خارج المدينة لضمان سلامتهم . وكان يوجد كهف في جانب ممر عميق ضيق حولته الاشجار والصخور المشرفة الى معتكف محجوب عن العيون، فاختاروه ليعقدوا فيه اجتماعاتهم . وكانوا جماعات صغيرة متخذين طرقا مختلفة . في هذه البقعة المنعزلة كان الك تاب المقدس يُقرأ ويُشرح .في هذا المكان مارس البروتستانت فريضة العشاء الرباني لاول مرة في فرنس ا. ومن هذه الكنيسة الصغيرة خرج كثيرون من المبشرين الامناء.GC 249.1
ومرة أخرى عاد كلفن الى باريس . كان لا يزال متعلقا بهذا الامل وهو ان فرنسا كأمة ستقبل الاصلاح . لكنه وجد كل باب من أبواب العمل مغلقا تقريب ا. فكونه يعلِّم الناس الانجيل معناه انه يسير في اقصر الطرق الى الموت احتراقا، ولذلك قرر أخيرا أن يرحل الى الماني ا. وما أن ترك فرنسا حتى هبت على البروتستانت عاصفة هائلة بحيث أنه لو بقي لكان مصيره القتل كغيره.GC 249.2
ان المصلحين ا لفرنسيين اذ كانوا يتوقون الى ان يروا بلادهم سائرة قدما في طريق الاصلاح كالمانيا وسويسرا عولوا على أن يضربوا ضربة جريئة ضد خرافات روما توقظ الامة كله ا. ولذلك فقد كُتبت اعلانات في ليلة واحدة تهاجم القداس وأرسلت بالبريد الى كل انحاء فرنس ا. لكنّ هذه الحركة الغيورة والطائشة في الوقت نفسه بدلا من أن تعمل على تقدم الاصلاح جلبت الدمار ليس على مروجيها فحسب بل على كل أصدقاء الاصلاح في كل أرجاء فرنس ا. فلقد أعطت البابويين ما كانوا يبتغونه، أي حجة لطلب اهلاك الهراطقة هلاكا تاما لكونهم مهيجين خطرين على استقرار العرش وسلام الامة.GC 249.3
وبيد خفية — لم يُعلم اذا كانت يد صديق طائش أو عدو محتال — ألصق أحد الناس تلك الاعلانات على باب مقصورة الملك الخاصة . وقد امتلأ قلب الملك رعب ا. ففي هذا الاعلان هاجمت يد قاسية الخراف ات التي ظل الناس يوقرونها اجيالا طويلة . وهذه الجرأة التي لا مثيل لها، جرأة التطفل بهذه الاقوال الصريحة المفزعة في حضرة الملك، أثارت غضبه. ففي ذهوله ظل بعض الوقت مرتعدا وهو صامت وحينئذ عبر عن اهتياجه وغضبه بهذه الكلمات: ”ليقبض على كل من يُشك في أنهم لوثريون من دون تمييز . اني سأستأصلهم جميعا“ (٢٠٣). وهكذا قُضى الامر اذ عزم الملك على أن يلقي بنفسه الى جانب روما.GC 250.1