محبة أب
ان تاريخ حقبة من الزمن تربو على الف عام فيها اغدق الله على شعبه احسانات عظيمة ورعاية ساهرة تمتعت بها تلك الأمة المختارة كان ماثلاً امام عيني يسوع . فقد ك ان هناك جبل المريا حيث اوثق ابن الوعد ليوضع على المذبح ذبيحة طائعة خاضعة — كرمز لذبيحة ابن الله . وهناك تثبَّت لابي المؤمنين عهد البركة والوعد المجيد بمجيء مسيا (تكوين ٢٢ : ٩ و ١٦ — ١٨ ). وهناك اشتعلت نار الذبيحة صاعدة الى السماء من بيدر ارن ان فمنعت سيف ملاك النقمة عن اهلاك المدينة ( ١ اخبار ٢١ ) وهي رمز ينطبق على ذبيحة المخلص وتشفعه في الاثمة . لقد اكرم الله اورشليم من دون مدن الارض كله ا. والرب : ”قد اختار صهيون اشتهاها مسكناً له“ (مزمور ١٣٢ : ١٣ ) .ففيها نطق الانبياء القديسون بر سائل انذارهم اجيالاً طويلة . وفيها كان الكهنة يلوّحون بمباخرهم فكانت سحب البخور تصعد امام الله مصحوبة بصلوات القديسين . وفيها كانت دماء الحملان المذبوحة تقدم كل يوم مستبقة مجيء حمل الله . وفيها اعلن الله حضوره في سحابة المجد فوق كرسي الرحمة (غطاء التابوت ). وهناك ارتكزت قاعدة السلّم السرية التي تصل الارض بالسماء ( تكوين ٢٨: ١٢ ؛ يوحنا ١ : ٥١ ) وهي تلك السلم التي كان ملائكة الله ينزلون ويصعدون عليها والتي فتحت للعالم الطريق الى قدس الاقداس . فلو كان بنو اسرائيل كأمة قد ظلوا على ولائهم للسماء لك انت اورشليم قد ثبتت الى الدهر كالمدينة المختارة من اله (ارميا ١٧ : ٢١ — ٢٥ ). لكنّ تاريخ ذلك الشعب الذي قد اغدق الله عليه سيولاً من نعمة واحساناته كان سجلاً للردّة والعصيان . فلقد قاوموا نعمه السماء وانتهكوا امتيازاتهم وازدروا بالفرص السا نحة المتاحة لهم. GC 22.2
ومع ان بني اسرائيل ” كانوا يهزأون برسل الله ورذلوا كلامه وتهاونوا بأنبيائه“ (٢ أخبار ٣٦ : ١٦ ) فقد ظل يعلن نفسه لهم قائلا: ” الرب اله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الاحسان والوفاء “ ( خروج ٣٤ : ٦ ). وعلى رغم رفضهم المتكرر فقذ ظلت رحمته تدافع عنهم فبمحبة شفوقة تفوق محبة الأب للابن الذي يرعاه ”ارسل الرب اله آبائهم اليهم عن يد رسله مبكراً ومرسلاً لانه شفق على شعبه وعلى مسكنه“ ( ٢ أخبار ٣٦ : ١٥ ). فلما لم يُجد الاحتجاج ولا التوسل ولا التوبيخ ارسل اليهم اعظم هبات السماء، لا بل سكب كل السماء في تلك الهبة الواحدة. GC 23.1
لقد ارسل ابن الله نفسه لكي يتوسل الى تلك المدينة القاسية القلب . ان المسيح هو الذي اخرج امة العبرانيين من مصر ككرمة جيدة (مزمور ٨٠ : ٨) ويده هي التي طردت الامم من امامه ا. وقد غر سها ” على اكمة خصبة “ وبرعايته الحارسة احاطها بسياج وارسل عبيده للعناية به ا. وها هو يصرخ قائ لاً: ” ماذا يُصنع ايضاً لكرمي وانا لم اصنعه له “؟ ومع انه اذ انتظر من كرمه ” ان يصنع عنباً صنع عنباً رديئ اً “ (اشعياء ٥ : ١ — ٤) ظل يرجو بلهفة ان يجد فيه ثمراً فاتى بنفسه اليه لعله ينجو من الدمار والهدم . فنقب حول الكرمة وشذبها وبذل لاجلها كل ما في طوقه من اهتمام ورعاية . ولم يكل من بذل الجهود لينقذ هذه الكرمة التي هي غرس يمينه. GC 24.1
خلال ثلاث سنين ظل رب المجد والنور يدخل ويخرج بين شعبه . لقد ”جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم ابليس“، ”أشفي المنكسري القلوب لانادي للمأسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر، والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون“ ( اعمال ١٠ : ٣٨ ؛ لوقا ٤ : ١٨ ؛ متى ١١ : ٥ ). وقد شملت دعوته الرحيمة كل الطبقات على السواء، وهي التي يقول فيه ا: ” تعالوا اليَّ يا جيمع المتعبين والثقيلي الاحمال وانا اريحكم“ ( متى ١١ : ٢٨).GC 24.2