جمال الحق وتناسقه
والذين قبلوا النور الخاص بالقدس وثبات شريعة الله امتلأوا دهشة وفرحا عندما رأوا جمال النظام الحق الذي انكشف لأذهانهم . وقد كانوا يب تغون ان يقدم النور، الذي بدا ثمينا جدا في نظرهم، الى جميع المسيحيين، ولم يسعهم الا الاعتقاد ان الجميع سيقبلونه بفرح . لكنّ تلك الحقائق التي تحدث خلافا بينهم وبين العالم لم تجد ترحيبا من كثيرين ممن يدعون انهم اتباع المسيح . ان الطاعة للوصية الرابعة تطلبت تضحية وهذا ما قد تراجع امامه كثيرون.GC 496.1
وعندما قدمت مطالب السبت جعل كثيرون يتحاجون من وجهة نظر اهل العالم فقالوا: ”لقد كنا دائما نحفظ يوم الاحد كما قد حفظه آباؤنا من قبل وكثيرون من الصالحين الاتقياء ماتوا سعداء وهم يحفظونه . فاذا كانوا هم على صواب فكذ لك نحن . ان حفظ هذا السبت الجديد سيخرجنا عن الانسجام مع العالم ولن يكون لنا تأثير عليهم . وماذا تستطيع شرذمة صغيرة تحفظ اليوم السابع ان تفعل ضد كل اهل العالم الذين يحفظون يوم الاحد؟“ بمثل هذه الحجج حاول اليهود ان يبرروا رفضهم المسيح . فلقد كان آباؤهم مقبولين لدى الله وهم يقدمون القرابين التكفيرية، فلماذا لا يجد ابناؤهم الخلاص بسيرهم في ذلك الطريق نفسه ؟ وكذلك في عهد لوثر كان البابويون يجادلون قائلين ان المسيحيين الحقيقيين ماتوا معتنقين الايمان الكاثوليكي ولذلك فهذا الدين كاف للخلاص. مثل هذه المجادلات قد تصير م انعا قويا لكل تقدم في العقيدة او العمل الديني.GC 496.2
وقد تحاجج كثيرون قائلين ان حفظ يوم الاحد هو عقيدة ثابتة وعادة ذائعة اصطلحت عليها الكنيسة مدى قرون عديدة . وللرد على هذه الحجة تبرهن ان يوم السبت وحفظه كانا اقدم واكثر ذيوعا بنسبة قدم العالم نفسه، وكان مصادقا عليه من الملائكة ومن الله . فعندما وضعت اساسات الارض وترنمت كواكب الصبح معا وهتف جميع بني الله حينئذ وضع اساس السبت (ايوب ٣٨ : ٦ و ٧؛ تكوين ٢: ١ — ٣). وحسنا يطلب منا هذا القانون التوقير والاكرام، فهو لم يرسم بموجب اي سلطان بشري ولا يستند على اي تقاليد بشرية ، فلقد وضعه القديم الأيام، وأمرت به كلمته الأزلية.GC 496.3
واذ استرعي انتباه الناس الى موضوع اصلاح السبت افسد الخدام المشهورون كلمة الله وحرفوها اذ قدموا تفسيرات على شهادتها كفيلة بأن تهدئ العقول المتسائلة . والذين لم يفتشوا الكتب لانفسهم قنعوا بقبول الاستنتاجات ا لمطابقة لرغائبهم . وبواسطة الحجة والمغالطة وتقاليد الآباء وسلطة الكنيسة حاول كثيرون هدم الحق . لكنّ المحامين عنه عادوا الى كتبهم المقدسة للدفاع عن قانونية الوصية الرابعة . فالناس الودعاء المسلحون بكلمة الحق وحدها صمدوا أمام هجمات رجال العلم الذين، لشدة دهشتهم وحنقهم، وجدوا ان مغالطاتهم الفصيحة اضعف من ان تصمد امام الحجة البسيطة القويمة التي قدمها رجال ضالعون في الكتب المقدسة لا في خبث المدارس واحتيالها.GC 497.1
ان كثيرين لسبب عدم وجود شهادة من الكتاب تسندهم جعلوا يجادلون باصرار لا يكل، وقد نسوا ان هذه المجادلات نفسها ق د استخدمت ضد المسيح ورسله. فكانوا يقولون: ”لماذا لا يفهم عظماؤنا قضية السبت هذه ؟ ولكن الذين يعتنقون عقيدتكم هذه هم قلة . فلا يعقل ان تكونوا صادقين وعلى صواب ويكون كل رجال العلم في العالم مخطئين وعلى ضلال“.GC 497.2
فلأجل تفنيد امثال تلك الحجج كانت الحاجة تدعو الى اقتباس تعاليم الكتاب وتاريخ معاملات الله مع شعبه في كل العصور . ان الله يستخدم الذين يسمعون صوته ويطيعونه، والذين عندما تدعو الضرورة ينطقون بحقائق غير مستساغة والذين لا يخافون من ان يوبخوا الخطايا الشائعة . والسبب الذي لأجله لا يكثر من استخدام العلماء وا لعظماء ليكونوا في طليعة القائمين بحركات الاصلاح هو كونهم يثقون بعقائدهم ونظرياتهم ونظمهم اللاهوتية ولا يحسون بحاجة الى التعلُّم من الله . انما فقط اولئك الذين لهم ارتباط شخصي بنبع الحكمة هم القادرون على فهم الكتب وشرحه ا. فالرجال الذين قد نالوا قدرا قليلا من العلم في المدارس يدعون احيانا لاعلان الحق، لا لانهم غير متعلمين بل لأنهم غير متكلين على انفسهم الى حد يجعلهم لا يشعرون بحاجتهم الى التعلُّم من الله . انهم يتعلمون في مدرسة المسيح، ووداعتهم وطاعتهم تجعلانهم عظماء . فالله اذ يسند اليهم معرفة حقه يخل ع عليهم كرامة عظيمة تصغر امامها الكرامة والعظمة البشريتان بحيث تصيران كلا شيء.GC 497.3