أمام الملكة وجها لوجه
وعندما وقف جون كنوكس وجها لوجه أمام ملكة اسكوتلانده، التي كان كثيرون من المصلحين يجبنون في حضرتها وتخذلهم شجاعتهم وغيرتهم، شهد للحق بلا انحر اف. لم يكن في وسع المداهنة أو الملاطفة أن تكسبه، ولا هو جبن أمام التهديدات . لقد اتهمته الملكة بالهرطقة قائلة له أنه يعلِّم الشعب أن يعتنقوا دينا ممنوعا بأمر الدولة، وهكذا تعدى على أمر الله الذي يفرض على الرعايا أن يطيعوا ملوكهم، فأجابها كنوكس بكل ثبات قائلا:GC 280.3
”كما أن الدين الصحيح لم يحصل على قوته الاصيلة ولا سيادته من ملوك الارض بل من الله السرمدي وحده فكذلك رعاياه ليسوا ملزمين أن يشكلوا دينهم حسب مزاج ملوكهم، لأنه يحدث في غالب الأحيان أن الملوك يكونون أجهل الناس بالنسبة الى دين الله الحق يقي ... فلو كان كل نسل ابراهيم اعتنقوا دين فرعون الذي كان ملكا عليهم أمدا طويلا، فأسألكِ يا مولاتي أن تجيبيني أي دين كان يبقى في العالم ؟ أو لو أن كل الناس في أيام الرسل كانوا يدينون بدين أباطرة الرومان فأي نوع من الدين كان يوجد على وجه الأرض ؟ ... وهكذا تدركين يا مولاتي أن الرعايا ليسوا مجبرين على اعتناق دين ملوكهم ولو أنهم ملتزمون أن يقدموا لهم الخضوع والطاعة“.GC 280.4
فقالت ماري: ”أنتم تفسرون الكتاب المقدس بشكل، وهم (معلمو الكنيسة الكاثوليكية) يفسرونه بشكل آخر؛ فبأي التفسيرين أؤمن ومن يكون حكما؟“.GC 281.1
فأجابها المصلح قائلا: ”آمني بالله الذي يخاطبكِ من كتابه بكل وضوح، وأبعد مما يعلمه الكتاب ليس لك أن تؤمني بهذا أو ذاك .ان كلمة الله واضحة في حد ذاتها، أما اذا ظهرت أمامكِ معضلة أو مشكلة في مكان ما فالروح القدس الذي لا يمكن أن يناقض نفسه أبدا، يو ضح تلك المعضلة نفسها في موضع آخر،بحيث لا يبقى هنالك شك الا لمن يصرون على البقاء في جهلهم“ (٢٢٨).GC 281.2
بمثل هذه الحقائق تكلم ذلك المصلح الشجاع أمام الملكة مخاطرا بحياته . وقد ظل ثابتا على غرضه بنفس تلك الشجاعة التي لا تكل ولا تتراجع، مصليا ومحاربا حروب الرب فتحررت اسكوتلانده من البابوية.GC 281.3
أما في انجلترا فان تثبيت قدم البروتستانتية كدين قومي قلل من الاضطهاد وخفف من حدته وان يكن لم يوقفه كلي ا. فمع أن كثيرا من تعاليم روما قد رُفضت فان عددا غير قليل من طقوسها ظل باقي ا.لقد رفضوا سيادة البابا، ولكن، في مكانه، أقيم الملك رأسا للكنيسة . وفي خدمة الكنيسة كان لا يزال يوجد انحراف عن طهارة الانجيل وبساطته . ولم يكن ذلك المبدأ العظيم، مبدأ الحرية الدينية، قد فُهم تمام ا. فمع أن الحكام البروتستانت قلما لجأوا الى ضروب القسوة الرهيبة التي استخدمتها روما ضد الهرطقة فانهم لم يعترفوا بحق كل فرد في أن يعبد الله كما يمليه عليه ضميره . كان مطلوبا من الجميع أن يقبلوا التعاليم ويحفظوا طقوس العبادة التي فرضتها الكنيسة المعترف به ا. وقد قاسى المنشقون أهوال الاضطهاد ان عنيفا او خفيفا مئات السنين.GC 281.4
وفي القرن السابع عشر طرد آلاف الرعاة من وظائفهم . كما حُرم على الناس الذهاب الى كل اجتماع ديني لم تقره ولا صادقت عليه الكنيسة. والمخالفون كانت تفرض عليهم غرامات فادحة، أو يُسجنون أو ينفون. وأولئك الامناء الذين لم يكونوا يستط يعون أن يكفوا عن الاجتماع لعبادة الله أرغموا على الاجتماع في الازقة المظلمة أو العلِّيات المعتمة، وفي بعض الأحيان كانوا يذهبون الى الغابات في منتصف الليل . وفي المخابئ التي كانوا يلوذون بها في الغابات كان يقام هيكل من صنع الله وكان أبناء الله المشتتون والمضطهدون يجتمعون ليسكبوا نفوسهم أمام الله في الصلاة والتسبيح. وعلى رغم كل التحفظات قاسى كثيرون الآلام لاجل ايمانهم . فقد اكتظت السجون وتشتت شمل العائلات ونُفي كثيرون الى بلدان أجنبية . ومع ذلك فقد كان الله مع شعبه ولم تفلح الاضطهادات في اس كات شهادتهم . وطُرد كثيرون عبر الاوقيانوس الى أميركا حيث وضعوا أسس الحرية المدنية والدينية التي كانت حصن تلك البلاد ومجدها.GC 282.1