النتيجة الطبيعية
وقد فسدت دور العدل والقضاء . فالحكام يعملون بدافع حب الكسب وحب الملذات الشهوانية . ثم ان الافراط في شرب الخمر قد أظلم عقول كثيرين حتى كاد ان يسيطر الشيطان عليهم سيطرة تامة . والمحامون قد فسدوا وهم يقبلون الرشوة ويُغرر بهم . والسكر والعربدة والغضب والحسد والخيانة من كل نوع تُرى بين الذين يسنون القوانين وينفذونها: ”العدل يقف بع يدا. لان الصدق سقط في الشارع والاستقامة لا تستطيع الدخول“ (إشعياء ٥٩ : ١٤).GC 635.1
ان الاثم والظلام الروحي اللذين سادا تحت سيادة روما كانا النتيجة الطبيعية لكبت الكتاب المقدس وإبطاله، ولكن أين السبب في انتشار الالحاد ورفض شريعة الله وما ينتج عن ذلك من فساد تحت النور الكامل الوهاج في عصر الحرية الدينية ؟ الآن اذ يعجز الشيطان عن إبقاء العالم تحت سيادته بابعاد الكتاب المقدس يلجأ الى وسائل اخرى لاتمام ذلك الغرض نفسه . فملاشاة الايمان بالكتاب تخدم غرضه تماما كملاشاة الكتاب نفسه . واذ يرسِّخ الاعتقاد بان شريعة الله ليست ملزمة يسوق الناس الى التعدي بقوة فعالة كما لو كانوا يجهلون الله تماما ولا يعرفون وصاياه. والآن كما في العصور السالفة استخدم الكنيسة في تعضيد خططه وأغراضه. فالتنظيمات الدينية في هذا العصر قد رفضت الاصغاء الى الحقائق غير الشعبية المبيّنة في الكتاب، واذ جادلوا فيها فقد قدموا تفسيرات واتخذوا مواقف كان من آثارها بذر بذار الشكوك والالحاد . واذ تعلقوا بالضلالة البابوية الخاصة بخلود النفس الطبيعي ووعي المرء عند الموت رفضوا الحصن الوحيد ضد خدعة مناجاة الارواح . وعقيدة العذاب الابدي قادت كثيرين الى الشك في الكتاب . واذ طولب الناس بحفظ الوصية الرابعة وجدوا ان اليوم السابع مفروض على الشعب، فلكي يحرروا انفسهم من واجب لا يرغبون في اتمامه كانت الوسيلة الوحيدة لذلك ان يعلن كثيرون من المعلمين المشهور ين ان شريعة الله ما عادت ملزمة. وهكذا القوا عنهم الشريعة والسبت مع ا. واذ ينتشر عمل اصلاح السبت فان رفض الشريعة الالهية هذا لتجنب مطالب الوصية الرابعة سيصير عاما تقريب ا. ان تعاليم القادة الدينيين قد فتحت الطريق للالحاد ولمناجاة الارواح واحتقار شريعة الله الم قدسة، وعلى رؤوس هؤلاء القادة تستقر مسؤولية مخيفة عن الاثم المتفشي في العالم المسيحي.GC 635.2
ومع ذلك فان هذا الفريق من الناس قد ابرزوا الادعاء بان الفساد السريع الانتشار انما يُعزي بالاكثر الى انتهاك قدسية ”السبت المسيحي“ المزعوم، وبان التشدد في حفظ يوم الاحد ك فيل بان يحدث تحسنا كبيرا في آداب المجتمع. هذا الادعاء شائع بالاكثر في أمريكا حيث كرز في أماكن كثيرة بعقيدة السبت الحقيقي . وهنا نجد ان عمل الاعتدال (الامتناع عن المسكرات والمخدرات)، الذي هو من أشهر وأهم الاصلاحات الادبية، مرتبط في كثير من الاحيان بحركة يو م الاحد . والمدافعون عن يوم الاحد يصورون انفسهم كمن يعملون على ترقية أسمى مصالح المجتمع، والذين يرفضون الانضمام اليهم يُشهَّر بهم على انهم أعداء الاعتدال والاصلاح . بيد ان ارتباط حركة لترسيخ الضلالة بعمل حسن في حد ذاته ليس حجة تبرَّر الضلالة . فقد نخفي السم بطعام صحي لكنن ا لا نغير طبيعته أو مفعوله . بالعكس، فهو سيكون أشد خطرا اذ المرجح ان يتناوله الانسان في غفلة من أمره . ان من بين مكايد الشيطان كونه يمزج بالضلال قدرا كافيا من الحق يجعله مقبولا ومستساغ ا. قد يدافع دعاة حركة يوم الاحد عن اصلاحات يحتاج اليها الشعب وعن مبادئ تتفق وتعاليم الكتاب، لكنّ اقترانها بمبدأ مناقض لشريعة الله يُبعد عنهم عبيده . فليس ما يبرر طرحهم وصية الله ليعتنقوا وصايا الناس.GC 636.1
عبر الضلالتين العظيمتين، وهما خلود النفس وتقديس يوم الاحد، سيوقع الشيطان الناس تحت سلطان مخ ادعاته. وفيما ترسي الضلالة الاولى اسس مناجاة الارواح تربطهم الضلالة الثانية بعجلة روم ا. وسيكون البروتستانت في الولايات المتحدة هم أول من يمدون أيديهم عبر الهوة ليمسكوا بيد مناجاة الارواح. وسيمدون أيديهم عبر الهوة لمصافحة السلطة الكاثوليكية، وتحت تأثير هذا الاتحاد الثلاثي ستسير هذه البلاد (الولايات المتحدة) في اثر خطوات روما في الدوس على حقوق الضمير.GC 637.1
وبما ان مناجاة الارواح تقلد المسيحية الاسمية اليوم بحيث تكاد تشبهها تماما فان لها قوة أعظم على التغرير بالنفوس واصطيادها في اشراكه ا. والشيطان نفسه يهتدي حسب ا لطريقة الشائعة اليوم . وسيظهر في شبه ملاك نور. وعن طريق وسيلة مناجاة الارواح ستجري آىات، فالمرضى سيُشفون وستجرى عجائب لا مجال لانكاره ا. واذ تعترف الارواح بالايمان بالكتاب المقدس وتبدي احترامها لقوانين الكنيسة فان عملها سيُقبل على انه اظهار لقدرة الله.GC 637.2
يصعب على المرء ان يتبين الآن الخط الفاصل بين المعترفين بالمسيحية والاشرار. فأعضاء الكنائس يحبون ما يحبه العالم، وهم على أتم استعداد للاندماج باهله، والشيطان مصمم على ان يضم الفريقين في هيئة واحدة، وهكذا يقوّي دعوته بجرفه الجميع مع معتنقي مناجاة الارواح . والبابويون الذين يفخرون بالمعجزات على انها العلامة الاكيدة للكنيسة الحقيقية سرعان ما سينخدعون بهذه القوة صانعة المعجزات، والبروتستانت بعدما يلقون عنهم ترس الحق سينخدعون هم أيض ا. فالبابويون والبروتستانت وأهل العلم سيقبلون جميعهم صورة التقوى من دون قوته ا. وسيرون في هذا الاتحاد حركة جليلة عظيمة لهداية العالم وابتداء حكم الالف سنة الذي ظلوا ينتظرونه طويلا.GC 637.3
بواسطة مناجاة الارواح سيبدو الشيطان محسنا للجنس البشري، يشفي أمراض الناس ويتظاهر بتقديم نظام جديد سام الى العقيدة الدينية، ولكنه في الوقت نفسه يقوم بعمله المهلك الم دمر. فتجاربه تودي بجماهير كثيرة من الناس الى الهلاك . ان عدم الاعتدال يخلع العقل عن عرشه، والانغماس في الشهوات والخصومات وسفك الدماء تأتي في اثر ذلك . والشيطان يتبهج بالحروب لانها تثير أشر شهوات النفس، وحينئذ تكتسح الى الابدية ضحاياها الذين قد انحدروا الى اعماق هاوية الرذيلة وسفك الدماء .وغرضه هو اثارة الدول لتحارب بعضها بعضا، لانه بهذه الوسيلة يحول أفكار الناس عن الاستعداد للوقوف ثابتين في يوم الله.GC 638.1