اهتياج في مدينة براغ
في ذلك العصر كان اصدار حكم كهذا كفيلا بأن ينشر الذعر الشامل، والاحتفالات التي تصحب هذا الحكم كانت تثير الرعب في قلوب الشعب الذي كان ينظر الى البابا كنائب لله نفسه وفي يده مفاتيح السماء والجحيم وله السلطان على أن يستنزل الاحكام الزمنية والروحية . وكان الناس يعتقدون أن أبواب السماء تغلق في وجه كل اقليم يقع عليه هذا الحرم، وأنه اذا لم يرض البابا برفع هذا الحكم فان أرواح الموتى تنفى بعيدا من مواطن السعادة . وكعلامة لهذه الكارثة المخيفة أوقفت كل الخدمات الدينية، فأقفلت الكنائس وكان يحتفل بمراسم الزواج في ساحة الكنيسة، ولم يكن يُسمح بدفن الموتى في المدافن المكرَّسة بل كانوا يوارون الثرى، من دون اقامة طقوس الدفّن، في الخنادق أو الحقول . وهكذا بهذه الاجراءات التي تؤثر في التصورات حاولت روما أن تتحكم في ضمائر الشعب.GC 112.1
عم الشغب مدنية براغ وشهَّرت جماعة كبيرة من الناس بهس كسبب لكل الكوارث وطالبوا بتسليمه لغضب روم ا. فلكي يسكِّن المصلح العاصفة إنسحب مؤقتاً الى مسقط رأسه وكتب إلى أصدقائه الذين تركهم في براغ يقول: ”اني اذا كنت ق د انسحبت من وسطكم فذلك اطاعة لوصية المسيح واحتذاء لمثاله حتى اعفي ضعفاء العقول من أن يجلبوا على أنفسهم دينونة أبدية، وحتى لا أكون سببا في وقوع حزن أو اضطهاد على الاتقياء . واعتكفت أيضا خوفا من أن يظل الكهنة العديمو التقوى يحرِّمون الكرازة بكلمة الله بينكم و قتا أطول، ولكني لم أترككم لكي أنكر الحق الالهي الذي لأجله أنا مستعد بمعونة الله لأن أموت“ (٢٠). ولم يكف هس عن مواصلة كفاحه بل سافر مخترقا البلاد المجاورة معلِّما الجماهير المتعطشة . وهكذا كانت الاجراءات التي اتخذها البابا لقمع الانجيل سببا في نشره الى مدى أبعد، ”لأننا لا نستطيع شيئا ضد الحق بل لأجل الحق“ (٢ كورنثوس ١٣ : ٨).GC 112.2
”في هذا الدور من حياة هس كان يبدو أن عقله قد صار مسرحا لكفاح مرير. فمع أن الكنيسة كانت تحاول أن تدمر حياته بصواعقها فهو لم يرفض سلطانها أو يجحده . كان لا يزال يعتبر الكنيسة البابوية عروس المسيح، والبابا ممثلا لها ونائبا عنه . انما الذي كان هس يحاربه هو سوء استخدام السلطلة لا المبدأ نفسه . وهذا أثار صراعا مخيفا بين اقتناع عقله ومطالب ضميره، فاذا كانت السلطة عادلة ومعصومة كما كان يعتقد فكيف حدث أنه أحس باضطراره الى عصيانها؟ وقد رأى أن إطاعتها خطية، فكيف تنتهي الطاعة للكنيسة المعصومة الى تلك النهاية؟ تلك كانت المشكلة التي استعصى عليه حلها، وذلك هو الشك الذي عذبه ساعة في أثر ساعة . وأقرب الحلول التي خطرت له هو أن ما حدث قديما في أيام المخلص يحدث هو نفسه الآن مرة أخرى، وهو أن كهنة الكنيسة غدوا اناسا اشرارا يستخدمون سلطاتهم المشروعة في أغراض غير مشروعة. هذا قاده الى أن يتخذ لارشاده وارشاد من يبشرهم المبدأ المقرر وهو أن وصايا الكت اب التي نقلت عن طريق الفهم هي التي ينبغي أن تسود على الضمير وتتحكم فيه، وبمعنى آخر أن الله الذي يتكلم في الكتاب، لا الكنيسة التي تتكلم بواسطة الكهنة، هو المرشد الذي لا يخطئ“ (٢١).GC 113.1