يجاهد مع الله
وكان عليه أن يمثل أمام المجمع في اليوم التالي ليدلي بجوابه الذي هو فصل الخطاب . وغاص قلبه في داخله بعض الوقت اذ كان يفكر في القوات التي اتحدت معا لمحاربة الحق . فاضطرب ايمانه وترنح، وهجم عليه الخوف والرعب، وغمره الذعر . وقد تجمعت المخاطر وتكاثرت واصطفت أمامه كأنما اعداءه سينتصرون وكأن قوات الظلمة قد غلبت .وقد تجمعت حوله السحب القاتمة وبدت كأنها قد فصلت بينه وبين الله . فكان يتحرق شوقا للحصول على اليقين بأن رب الجنود سيكون معه . ففي عذاب روحه انطرح بوجهه على الارض وسكب هذه الصرخات المتعثرة التي تقطع نياط القلب ولا يستطيع أن يفهمها تمام الفهم غير الله.GC 173.2
توسل قائلا: ”ايها الاله ا لسرمدي القدير، ما أرهب هذا العالم ! ها هو يفغر فاه لابتلاعي، وأنا ضعيف الثقة بك ... فاذا كان لي أن أركن الى قوة هذا العالم وحدها فقد انتهى كل شيء ... لقد دنت ساعتي الاخيرة وقد صدر الحكم بادانتي... يا الله أعنِّي لانتصر على كل حكمة العالم . فافعل هذ ا... انت وحدك ... لأن هذا ليس عملي بل هو عملك . لا عمل لي لأعمله هنا، وليس لديَّ ما أناضل به ضد عظماء هذا العالم ... لكنّ القضية هي قضيتك ... وهي قضية عادلة وأبدية. يا رب أعني ! ايها الاله الأمين غير المتغير، أنا لا أضع ثقتي بانسان ... فكل ما هو من الانسان غير أكيد ولا مضمون ، كل ما هو من الانسان مآله الفشل، وهو يخذل من يتكل عليه ... لقد اخترتني لهذا العمل ... فليتك تقف الى جانبي لأجل ابنك الحبيب يسوع المسيح الذي هو حصني وترسي وبرج قوتي“ (٩٧).GC 173.3
لقد سمحت عناية الله الحكيمة للوثر أن يتحقق من الخطر الذي يتهدده حتى لا يثق بقوته ويندفع الى الخطر في طيش، ومع ذلك فان ما كان يحدق به ويتهدده لم يكن خوفه من الآلام الشخصية أو من العذاب او الموت الذي بدا ماثلا أمامه. لقد واجه تلك الازمة وهو يحس بعجزه عن مواجهتها، فقد يخسر قضية الحق بسبب ضعفه . وجاهد مع الله لا لأجل سلامته بل لأجل نصرة الانجيل . وكما كان ضيق يعقوب في صراع تلك الليلة بجوار ذلك المجرى المنعزل، كذلك كان عذاب لوثر وحربه النفسية . وكيعقوب جاهد مع الملاك وغلب . ففي عجزه التام ثبت ايمانه في المسيح المخلص القدير . وقد تقوّى بيقين كونه لن يقف أمام المجلس وحده، فعاد السلام الى نفسه، وفرح لأنه قد سُمح له بأن يرفع كلمة الله أمام رؤساء الأمم.GC 174.1
واذ استند عقل لوثر الى الله تأهب للصراع الذي أمامه . وجعل يفكر في خطة اجابته، واطلع على بعض فصول من كتبه واستخرج من الاسفار المقدسة أدلة مناسبة لتدعيم موقفه . ثم اذ وضع يسراه على الكتاب المقدس ا لذي كان مفتوحاً أمامه رفع يمناه الى السماء ونذر ”ان يظل أمينا للانجيل، وبكل صراحة وحرية يعترف بايمانه حتى ولو ختم شهادته بدمه“ (٩٨).GC 174.2