يجاهر بازدرائه بالشريعة
وقد ظل ذلك المغتصب العظيم يبرر نفسه حتى نهاية ذلك الصراع الذي حدث في السماء . وعندما أُعلن أنه هو وكل مؤيديه لا بد أن يُطردوا من موطن السعادة جاهر حينئذ رئيس العصاة ذاك بازدرائه شريعة الخالق بكل جرأة. وقد ردد ادعاءاته بأن الملائكة في غير حاجة الى من يسيطر عليهم بل ينبغي تركهم ليفعلوا ما يريدون لانهم دائما يفعلون الصواب . وقد شهَّر بوصايا الله قائلا انها تحد من حريتهم وأعلن انه يقصد ان يلاشي الشريعة، فاذ يتحرر اجناد السماء من هذا ا لرادع يمكنهم أن يدخلوا الى حالة وجود أسمى وأمجد.GC 543.2
وقد أجمع الشيطان وجنوده على أن يلقوا تبعة تمردهم كلها على المسيح، وأعلنوا أنهم ما كانوا ليتمردوا لولا التوبيخ الذي وُجه اليهم . وهكذا اذ ظل رئيس العصاة ومؤيدوه عنيدين ومُتحدِّين في خيانتهم، وهم يحاولون عبثا أن يهدموا حكم الله، وعلى رغم تجديفهم كانوا يدعون انهم ضحايا السلطة التعسفية، طردوا أخيرا من السماء.GC 544.1
هذه الروح نفسها التي أوعزت بالتمرد في السماء لا تزال توحي بالعصيان على الارض . لقد ظل الشيطان يعامل الناس وفق السياسة ذاتها التي اتبعها مع الملائكة . وروحه تملك الآن على أبناء المعصية . فهم مثله يحاولون أن يهدموا روادع شريعة الله ويعدون الناس بالحرية عن طريق التعدي على وصايا الرب . هذا، وان توبيخ الخطيئة ما زال يثير روح العداء والمقاومة . فعندما تمس رسائل الانذار التي يرسلها الله ضمائر الناس فالشيطان يجعلهم يبررون أنفسهم ويطلبون عطف الآخرين ورضاهم عن طريق الخطيئة الذي هم فيه سائرون . وبدلا من تقويم سلوكهم واصلاح اخطائهم يثيرون الغضب على من يوبخهم كما لو كان هو سبب المتاعب الوحيد . فمنذ أيام هابيل البار الى يومنا هذا نجد هذه الروح نفسها سائدة ضد من يجرؤون على إدانة الخطيئة.GC 544.2
ومثلما شوّه الشيطان صفات الله في السماء اذ جعله يبدو صارما ومستبدا أغوى الناس على ارتكاب الخطيئة . ولما بلغ هذا الحد من النجاح أعلن أن نواهي الله غير العادلة هي التي ادت الى سقوط الانسان مثلما ساق ته هو الى العصيان.GC 544.3
لكنّ الاله السرمدي نفسه أعلن عن صفاته قائلا: ”الرب الرب اله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير الاحسان والوفاء . حافظ الاحسان الى الوف غافر الاثم والمعصية والخطيئة ولكنه لن يبرئ ابراء“ (خروج ٣٤ : ٦ و ٧).GC 545.1
ان الله بطرده الشيط ان من السماء أعلن عدله وأبقى على كرامة عرشه . ولكن عندما اخطأ الانسان بانصياعه الى غوايات هذا الروح المرتد قدم الله البرهان على محبته اذ بذل ابنه الوحيد ليموت لاجل جنسنا الساقط . ففي الكفارة انكشفت صفات الله . ان حجة الصليب القوية تعلن لكل المسكونة ان طريق الخطيئة الذي قد اختاره لوسيفر لم تكن تبعته لتقع على حكم الله.GC 545.2
وفي النضال بين المسيح والشيطان في أثناء خدمة المخلص على الارض فضحت صفات المخادع العظيم . ولم يكن هنالك شيء أفعل في اقتلاع الشيطان من عواطف ملائكة السماء وكل المسكونة الا مينة من الحرب القاسية التي شنها على فادي العالم . ان تجديفه الجريء عندما طلب من المسيح ان يسجد له، وجرأته المتغطرسة اذ حمله الى الجبل العالي والى جناح الهيكل، ونيته الخبيثة التي فُضحت عندما ألح عليه أن يطرح نفسه الى أسفل من ذلك العلو الشاهق، وحقده الذي لا يهجع الذي جعله يتعقبه من مكان الى مكان، وايغاره صدور الكهنة والشعب ضده حتى رفضوا محبته وأخيراً صرخوا ضده قائلين: ”اصلبه اصلبه“، كل هذا أثار دهشة المسكونة وحنقها.GC 545.3
ان الشيطان هو الذي أوعز الى العالم بأن يرفض المسيح . لقد بذل سلطان الشر قصارى جهده وق وته ودهائه لاهلاك يسوع، لانه رأى أن رحمة المخلص ومحبته وحنانه واحشاء رأفته كانت تصور للعالم صفات الله . وقد قاوم الشيطان كل مطلب قدمه ابن الله واستخدم الناس وسائل في يده ليملأ حياة المخلص بالآلام والاحزان . والمغالطات والاكاذيب التي حاول بواسطتها أن يعطل عم ل يسوع، والعداوة التي أظهرها عن طريق أبناء المعصية واتهاماته القاسية لذاك الذي كانت حياته حياة الصلاح الذي لا يُبارى، كل ذلك كان باعثه الانتقام المتأصل في نفسه . فنيران الحسد والخبث المحتبسة والكراهية وحب الانتقام اندلعت ألسنتها عند صليب جلجثة ضد ابن الله بينما كان السماويون يشخصون الى هذا المنظر في رعب صامت .GC 545.4
وعندما أكملت الذبيحة العظيمة صعد المسيح الى الاعالي وقد رفض قبول تمجيد الملائكة حتى قدم هذا الطلب: ”اريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا“ (يوحنا ١٧ : ٢٤). فحينئذ بمحبة وسلطان لا يعبر عنهما خرج الجواب من عرش الآب يقول: ”لتسجد له كل ملائكة الله“ (عبرانيين ١ : ٦). لم تكن في حياة يسوع أي لطخة . لقد انتهى اتضاعه وكملت ذبيحته وأعطي له اسم فوق كل اسم.GC 546.1
أما الآن فها اثم الشيطان يبدو بلا عذر . لقد ظهر في صفته الحقيقية ككاذب وقاتل. وقد رؤ ي ان الروح نفسها التي بها تسلط على بني الانسان الذين كانوا تحت سيطرته كان يريد أن يظهرها لو سُمح له بالتسلط على سكان السماء . لقد ادعى أن التعدي على شريعة الله سيجيء بالحرية والرفعة ولكن وُجد أن من نتائجه العبودية والانحطاط.GC 546.2
وظهرت اتهامات الشيطان الكاذبة ض د صفات الله وحكمه على حقيقته ا. لقد اتهم الله بأنه انما يطلب مجد نفسه فقط حين يطلب من خلائقه أن يقدموا اليه الخضوع والطاعة، كما أعلن أنه في حين فرض الخالق على الجميع أن ينكروا ذواتهم فانه هو نفسه لم يمارس انكار الذات ولم يُقدم أي تضحية . وقد رؤي الآن أنه في سبيل خلاص الجنس الساقط الخاطئ أقدم حاكم الكون على أعظم تضحية يمكن للمحبة أن تقوم بها: ”لان الله كان في المسيح مصالحا العالم لنفسه“ (٢ كورنثوس ٥ : ١٩). كما رؤي أيضا أنه في حين فتح لوسيفر الباب لدخول الخطيئة بتلهفه على الكرامة والسيادة فان المسيح لكي يبي د الخطيئة وضع نفسه وأطاع حتى الموت.GC 546.3