أتباع أمناء للمسيح
وبالنسبة الى كل نفس مهتدية حقاً ستكون الصلة بينها وبين الله والأمور الابدية هي مدار الحياة كلها وموضوعه . ولكن في أيّ كنيسة من الكنائس المشهورة في هذه الايام نجد روح تكريس الذات لله ؟ فالمتجددون لا ينبذون كبرياءهم ولا حبهم للعالم، ولا عادوا راغبين في انكار الذات وحمل الصليب واتباع يسوع الوديع المتواضع أكثر مما كانوا قبل تجديدهم . لقد صار الدين موضوع سخرية الملحدين والمتشككين لان كثيرين جدا ممن يحملون اسم الدين يجهلون مبادئه . فقوة التقوى تكاد تهجر كثيرا من الكنائس . والنزهات في الهواء الطلق ومسرحيات الكنائس، والاسواق التي تقام فيها، والبيوت الفخمة، والتف اخر الشخصي والمباهاة قد أبعدت عن الناس التفكير في الله . لقد انشغلت العقول بالاملاك والامتعة والاشغال العالمية، أما الامور التي لها مساس بصالح النفس الابدي فلا تكاد تظفر بنظرة عابرة.GC 505.3
ولكن على رغم انحطاط الايمان الشائع وضعف التقوى المتفشي يوجد في هذه الكنائس أتباع أمناء للمسيح . فقبلما يفتقد الله الارض بضرباته الاخيرة سيحدث بين شعب الرب انتعاش في التقوى والقداسة على غرار ما حدث في عصر الرسل . فسينسكب روح الله وقوته على أولاده . وفي ذلك الوقت سسينسحب كثيرون من تلك الكنائس التي فيها احتلت محبة العالم مكان محبة الله وكلمته . وكثيرون من الخدام والشعب سيقبلون بكل سرور تلك الحقائق العظيمة التي أمر الله بأن ينادى بها في هذا الوقت لاعداد شعب لمجيء الرب ثانية. ان عدو النفوس يرغب في تعطيل هذا العمل . وقبل مجيء الوقت لمثل هذه النهضة سيحاول الشيطان أن يمنعها بتقديم شيء زائف بدلا منه ا. وفي تلك الكنائس التي يستطيع أن يجعلها تحت سلطانه الخادع سيجعل الامر يبدو للناس وكأن بركة الله الخاصة قد فاضت، وسيظهر ما يُظن بأنه اهتمام ديني عظيم. وسيفرح جماهير من الناس لان الله يعمل عملا عجيبا لاجلهم . في حين أن ذلك العمل هو عمل روح آخر . فتحت ثوب الدين سيحاول الشيطان أن يمد تأثيره على العالم المسيحي.GC 506.1
وفي كثير من الانتعاشات التي حدثت في نصف القرن الاخير كانت المؤثرات نفسها تعمل عملها الى حد كبير أو صغير، وهي التي ستكون ظاهرة في الحركات الاكثر شمولا واتساعا في المستقبل . فثمة اهتياج عاطفي هو مزيج من الحقيقي والزائف يساعد على التضليل . ولكن لا حاجة الى أن ينخدع أحد. ففي نور كلمة الله ليس من الصعب على الانسان أن يحكم على طبيعة هذه الحركات . فعندما يهمل الناس شهادة الكتاب مبتعدين عن تلك الحقائق الواضحة الفاحصة للنفس والتي تتطلب انكار الذات ونبذ العالم تُح جب عنهم بالتأكيد بركة الله . وبموجب القانون الذي وضعه المسيح نفسه والقائل: ”من ثمارهم تعرفونهم“ (متى ٧ : ١٦) فمن الواضح أن هذه الحركات ليست من عمل روح الله.GC 506.2
لقد قدم الله الى الناس في حقائق كلمته اعلانا عن نفسه، وهي ترس لكل من يقبلونها يقيهم غوائل غوايات الشيطان . واهمال هذه الحقائق هو ما فتح الباب لكل الشرور التي تفاقمت وانتشرت في كل العالم المتديِّن . لقد غابت عن انظار الناس طبيعة شريعة الله وأهميتها الى حد كبير . وساق الفهمُ الخاطئ لطبيعة شريعة الله ودوامها وحقها الناسَ الى الاخطاء الخاصة بالهداية والتقد يس، ونتج من ذلك خفض مقياس التقوى في الكنيسة . هنا نجد السر في افتقارنا الى روح الله وقوته في الانتعاشات التي تحصل في عصرنا الحاضر.GC 507.1
في الطوائف المتعددة رجال اشتهروا بتقواهم يعترفون بهذه الحقيقة ويأسفون له ا. ان البروفيسور اداوردز بارك، وهو يعدد المخاطر الدينية الشائعة، قال: ”من بين مصادر الخطر اهمال المنبر في الزام الناس حفظ شريعة الله . في العصور القديمة كان المنبر صدى لصوت الضمير ... ان أشهر وعاظنا أضفوا على عظاتهم جلالا مدهشا باتباعهم مثالَ السيد واعطائهم شريعةَ الله ووصاياها ووعيده ا السمو والرفعة اللائقين به ا. لقد رددوا المبدأين العظيمين المقررين، وهما أن الشريعة هي صورة لكمالات الله وان من لا يحب الناموس لا يحب الانجيل، لان الناموس كالانجيل مرآة تعكس صفات الله الحقيقية . وهذا الخطر يقود الى خطر آخر الا وهو التقليل من شر الخطيئة ومداها وانحطاطه ا. فعلى قدر صواب الوصية يكون خطأ عصيانها ...GC 507.2
”ومن بين المخاطر التي اوردناها خطر بخس عدالة الله . فالمنبر العصري يميل الى اخراج عدل الله من دائرة احسانه مع الحط من شأن هذا الاخير ا لى حد جعله عاطفة بدلا من رفعه الى سدة المبد أ. ان النظرية اللاهوتية الجديدة تفرق ما قد جمعه الله . هل شريعة الله خير أم شر ؟ انها صالحة، اذاً فالعدل صالح لانه يميل الى تنفيذ القانون . فمن عادة التقليل من شأن شريعة الله وعدله، ومدى العصيان البشري وعيبه، ان الن اس ينزلقون بسهولة الى بخس النعمة التي قد أعدت كفارة عن الخطيئة والتقليل من قيمتها“، وهكذا يفقد الانجيل قيمته وأهميته في عقول الناس، وسرعان ما يكونون مستعدين فعلا لطرح الكتاب المقدس نفسه جانبا.GC 507.3