الفصل الثلاثون — العداوة بين الانسان و الشيطان

”وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها . هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه“ (تكوين ٣ : ١٥). ان حكم الله الصادر ضد الشيطان بعد سقوط الانسان كان ايضا نبوة تمتد عبر كل الاجيال الى انقضاء الدهر وترمز الى الصراع العظيم الذي ستشتبك فيه كل اجناس البشر التي ستعيش على الارض.GC 549.1

يصرِّح الله قائلا: ”وأضع عداوة“. هذه العداوة لا يرحب بها الناس عادة . فعندما تعدى الانسان على شريعة الله صارت طبيعته شريرة . ولم يعد هنالك نفور أو خلاف بينه وبين الشيطان بل ساد بينهما الوفاق والوئام. وفي العادة لا يوجد أي عداء بين الانسان الخاطئ ومبتدع الخطيئة . فلقد صار كل منهما شريرا بسبب الارتداد . والمرتد لا يجد ابدا راحة الا اذا حصل على العطف والمعاضدة باغواء الآخرين على التمثل به . ولهذا السبب يتحد الملائكة الساقطون والناس الاشرار في زمالة مستيئسة . ولو لم يتدخل الله على نحو خاص لكان الشيطان قد تحالف مع الانسان لمحاربة السماء ولكانت الاسرة البشرية كلها تُجمع على مقاومة الله بدلا من أن تُضمر العداء للشيطان.GC 549.2

جرب الشيطان الانسان لكي يخطئ كما سبق له أن جعل الملائكة يتمردون حتى يظفر با لتعاون في محاربته السماء . ولم يقم خلاف بينه وبين الملائكة الساقطين في ما يختص بكراهيتهم للمسيح، ففي حين أنه كان يوجد شقاق في كل الامور الاخرى اتحدوا اتحادا وثيقا في مقاومة الشيطان حاكم الكون . ولكن عندما سمع الشيطان بأنه ستكون هنالك عداوة بينه وبين المرأة و بين نسله ونسلها علم أن مساعيه لافساد الطبيعة البشرية ستتوقف، وانه بوسيلة ما سيكون الانسان قادرا على مقاومة سلطانه.GC 549.3

وقد اضطرمت نار العداء في قلب الشيطان ضد الجنس البشري لانهم بواسطة المسيح صاروا موضوع محبة الله ورحمته . انه يرغب في عرقلة تدبير الله لاجل فداء الانسان والقاء العار والهوان على الله بكونه يشوه وينجس عمل يديه، وكان يريد أن يسبب الحزن لسكان السماء وان يملأ الارض شقاءً وخرابا . وهو يشير الى هذا كله كنتيجة عمل الله في خلقه الانسان.GC 550.1

ان النعمة التي يغرسها المسيح في النفس هي التي تخلق في الانسان عداوة ضد الشيطان . وبدون هذه النعمة المجددة والقوة المغيرة يرغب الانسان في أن يظل أسيرا للشيطان وعبدا له على استعداد دائم لتنفيذ أوامره . ولكن المبدأ الجديد الذي خُلق في النفس يخلق صراعا في الميادين التي كان فيها سلام من قبل . والقوة التي يمنحها المسيح تعين الانسان ع لى مقاومة الطاغية المغتصب. فأي انسان يُرى أنه يبغض الخطيئة بدلا من أن يحبها، وأي من يقاوم ويغلب تلك الاهواء التي قد تسلطت على قلبه يُظهر عملية المبدأ الذي هو من فوق اولا وآخرا.GC 550.2